دينية

فاطمة (عليها السلام) من الخطوبة إلى الزواج

زواج النورين

عندما بلغت السيدة فاطمة عليها السلام سنّ الزواج، الذي كان بين التاسعة والحادية عشرة على اختلاف الروايات[1]، تقدّم لخطبتها كبار الصحابة ووجهاء قريش. فهي إضافةً إلى شرفها وحسبها ونسبها بانتسابها للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والسيدة خديجة عليها السلام، كان لفاطمة عليها السلام حضورٌ مميّزٌ وشخصيةٌ فريدة،

عندما بلغت السيدة فاطمة عليها السلام سنّ الزواج، الذي كان بين التاسعة والحادية عشرة على اختلاف الروايات[1]، تقدّم لخطبتها كبار الصحابة ووجهاء قريش. فهي إضافةً إلى شرفها وحسبها ونسبها بانتسابها للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والسيدة خديجة عليها السلام، كان لفاطمة عليها السلام حضورٌ مميّزٌ وشخصيةٌ فريدة، أدّت الأحداث التي حصلت معهم قبل الهجرة في مكّة إلى بروز شخصيّتها وتبوُّئها مكانة مرموقة في المجتمع الإسلاميّ الأول، هذا إضافةً إلى حسنها وجمالها حيث وصفتها إحدى نساء النبيّ بأنّ لها وجهًا كوجه القمر[2]، إلّا أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعرض عن كلّ من خطبها بقوله: أنتظر أمر الله فيها[3]. إلى أن تقدّم أمير المؤمنين عليّ عليه السلام طالبًا يد السيدة فاطمة عليها السلام، وقد كان قليل المال، فدخل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: “… قَدْ أَحْبَبْتُ‏ مَعَ مَا (قَدْ) شَدَّ اللَّهُ مِنْ عَضُدِي بِكَ أَنْ يَكُونَ لِي بَيْتٌ وَأَنْ تَكُونَ لِي زَوْجَةٌ أَسْكُنُ إِلَيْهَا وَقَدْ أَتَيْتُكَ خَاطِباً رَاغِباً أَخْطُبُ إِلَيْكَ ابْنَتَكَ فَاطِمَةَ..”[4] ، فما كان من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلّا أن تهلّل وجهه فرحًا وسرورًا وقال: “أَبْشِرْ يَا أَبَا الْحَسَنِ فَإِنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ قَدْ زَوَّجَكَهَا مِنَ السَّمَاءِ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُزَوِّجَكَهَا مِنَ الْأَرْضِ”[5].

سكوتها إقرارها
كلّما كان يتقدّم الخطّاب من وجهاء قريش ومن هم ذوو الأموال والشرف لخطبة السيدة فاطمة عليها السلام، كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يسألها رأيها في ذلك، إلّا أنّها كانت تبدو عليها الكراهة والرفض، فهي لشدّة أدبها كانت تولّي وجهها عندما يسألها أبوها فيفهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك رفضها[6]. لكنّ الأمر اختلف عندما كان الخاطب عليّاً عليه السلام، إذْ قال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما طلبها: “عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكَ”[7]، فدخل على ابنته عليه السلام وسألها رأيها فَسَكَتَتْ حياءً وخجلًا ومزيد تأدّب في حضرة أبيها وَلَمْ تُوَلِّ وَجْهَهَا ولَمْ يَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَه صلى الله عليه وآله وسلم كَرَاهَةً، فَقَامَ من عندها وَهُوَ يَقُولُ: “اللَّهُ أَكْبَرُ سُكُوتُهَا إِقْرَارُهَا”[8]، وخرج زافًّا خبر الموافقة إلى الخاطب الشابّ معلنًا مباركته زواجهما لتبدأ ترتيبات الزواج المبارك.

صداقها
كما هو معلوم فإنّ لكلّ زواج صداقاً، فطالب الزواج من خلال بذله الصداق يبيّن صدقه واستعداده الانفاق في سبيل زواجه. وعندما أتى الإمام عليّ عليه السلام يطلب الزواج بالزهراء عليها السلام سأله الرسول: “يَا أَبَا الْحَسَنِ فَهَلْ مَعَكَ شَيْ‏ءٌ أُزَوِّجْكَ بِهِ؟”[9]، فوضع الأمير عليه السلام كلّ ما يملك في تصرّف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل تحقيق الزواج فقال: “فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي وَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيْكَ مِنْ أَمْرِي شَيْ‏ءٌ أَمْلَكُ سَيْفِي وَدِرْعِي وَنَاضِحِي وَمَا أَمْلَكُ شَيْئاً غَيْرَ هَذَا”[10]، فبيّن للرسول صلى الله عليه وآله وسلم قدرته المادّيّة وأنّه على استعداد أن يضع كلّ ما يملك في سبيل تحقيق الزواج ونيل رضى زوجته المستقبليّة وأبيها، إلّا أنّ الرسول قال له: “قَالَ أَمَّا نَاضِحُكَ وَسَيْفُكَ وَفَرَسُكَ فَلَا غَنَاءَ بِكَ عَنْهُمَا تُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَأَمَّا دِرْعُكَ فَشَأْنُكَ بِهَا”، فزوّجه على الدرع وطلب منه بيعها وأن يأتي بثمنها، فباعها وجاء بأربع مئةٍ وثمانين درهمًا ثمنًا لها وكان هذا صداق فاطمة[11]، وهو صداق قليل على المستوى المادّيّ عظيم على المستوى المعنويّ. ففاطمة عليها السلام وأبوها يُعلّمانِنا أنّ الصدق في الزواج وقيمة الزوجة لا دخل لها بثمن المهر، وهذه ابنة خاتم النبيين ومهرها من أقلّ المهور ولم يزدها ذلك سوى رفعة وشرفًا.

جهازها
بعد أن حصلت الموافقة على الزواج وجرى تحديد الصداق، جاء وقت تجهيز المنزل الجديد وتجهيز العروس، فدفع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قسمًا من مال الصداق إلى بعض أصحابه ليجهّزوا بيت فاطمة، وقسم تركه مع بعض زوجاته وقد كان ثمن وليمة العرس فيما بعد وخصّص قسمًا من المال لشراء الطيب لفاطمة عليها السلام. أمّا جهاز منزل فاطمة وعليّ عليهما السلام فكان الأشدّ تواضعًا وزهدًا، فكان مؤلّفاً من “قَمِيص بِسَبْعَةِ دَرَاهِمَ‏، وَخِمَار بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، وَقَطِيفَة سَوْدَاءَ خَيْبَرِيَّةٍ، َوسَرِيرٍ مُزَمَّلٍ بِشَرِيطٍ، وَفِرَشَينِ حَشْوُ أَحَدِهِمَا لِيفٌ، وَحَشْوُ الْآخَرِ مِنْ جَزِّ الْغَنَمِ، وَأَرْبَعِ مَرَافِقَ مِنْ أَدَمِ الطَّائِفِ حَشْوُهَا إِذْخر، وَسِتْرٍ مِنْ صُوفٍ، وَحَصِيرٍ هَجَرِيّ، وَرَحَى الْيَدِ، وَمِخْضَبٍ‏ مِنْ نُحَاسٍ، وسِقْيٍ مِنْ أَدَمٍ، وَقَعْبٍ لِلَّبَنِ، وَشَيْ‏ءٍ لِلْمَاءِ، وَمِطْهَرَةٍ مُزَفَّتَةٍ، وَجَرَّةٍ خَضْرَاءَ، وَكِيزَانِ خَزَفٍ”[12]. هذا جهاز بنت سيّد المرسلين سيدة النساء أجمعين، لا يعدو كونه مقتصراً على أقلّ ضروريّات العيش لا حظّ له من أيّ كماليّات، يعينهما على دنياهما ولا يلهيهما عن آخرتهما، ولو شاءت الزهراء عليها السلام لكانت كلّ الأرض بما فيها وما عليها في خدمتها وتحت تصرّفها، لكنّها آلت إلّا أن تكون الزاهدة الأورع في الدنيا لتكون خير أسوة للجميع وخير أمةٍ راضية بما قسم الله لها من الدنيا.

عرسها
حصلت خطوبة الزهراء عليها السلام وجرى ترتيب أمورها وتجهيزها، وكان قد تبقّى أن تنتقل إلى منزلها الجديد مع زوجها عليه السلام، إلّا أنّ ذلك قد دام شهرًا، إذْ إنّ الإمام علي عليه السلام كان قد امتنع عن طلب إدخال السيدة فاطمة عليها السلام عليه حياء منه من الرسول وتأدّبًا، ولم يزفّها الرسول إليه دون طلبه إجلالًا لها وتعظيمًا لشأنها، حيث تقول الرواية إنّ عقيلاً أخا الإمام عليّ عليه السلام قال له: مَا فَرِحْتُ بِشَيْ‏ءٍ كَفَرَحِي بَتَزْوِيجِكَ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم يَا أَخِي فَمَا بَالُكَ لَا تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَدْخُلُهَا عَلَيْكَ، فأجابه الإمام عليه السلام: “وَاللَّهِ يَا أَخِي إِنِّي لَأُحِبُّ ذَلِكَ وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ مَسْأَلَتِهِ إِلَّا الْحَيَاءُ مِنْهُ”، فذهبا وطلبا من زوج الرسول أمّ أيمن أن تتولّى المهمّة، فكلام النساء في أمور كهذه أسلم وأوقع بقلوب الرجال، فأوصلت الخبر إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: “نَعَمْ وَكَرَامَة يَا أَبَا الْحَسَنِ أَدْخِلْهَا عَلَيْكَ فِي لَيْلَتِنَا هَذِهِ أَوْ فِي لَيْلَةِ غَدٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ”[13] وكان زفاف فاطمة عليها السلام.

فأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نساءه أن يفرشْنَ لها البيت ويزيّنها، وتطيّبتْ من طيب كانت قد ادّخرته، ثمّ أقام صلى الله عليه وآله وسلم الوليمة بما تبقّى من دراهم الصداق وأكل عموم المسلمين من الوليمة ببركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. ثم زفّوا العروس الحوريّة على بغلة الرسول الشهباء، وسلمان يجرّها، والنبيّ يسوقُها وَحَمْزَةُ وَعَقِيلٌ وجَعْفَرٌ وَأَهْلُ الْبَيْتِ يَمْشُونَ خَلْفَهَا مُشْهِرِينَ سُيُوفَهُمْ وَنِسَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قُدَّامَهَا يَرْجُزْن‏ وينشئْن الأشعار ويُردّدنها والرجال تقول الله أكبر[14].

السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام قدوة وأسوة، دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] المصدر نفسه، ج 4، ص18.
[2] ابن شهرآشوب المازندراني، المناقب، مصدر سابق، ج‏3، ص 355.
[3] البحراني الأصفهاني، عوالم العلوم، مصدر سابق، ج‏11، ص 451.
[4] الإربلي، الشيخ علي بن عيسى‏، كشف الغمة في معرفة الأئمة، تحقيق وتصحيح هاشم رسولي محلاتي، نشر بني هاشمي‏، إيران – تبريز، 1423ه‏، ط1، ج‏1، ص 356.
[5] المصدر نفسه، ج‏1، ص 356.
[6] الحرّ العامليّ، الشيخ محمد بن حسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، إيران – قم، 1409ه‏، ط1، ج 20، ص 275.
[7] المصدر نفسه.
[8] المصدر نفسه.
[9] الشيخ الإربلي، كشف الغمة، مصدر سابق، ج‏1، ص 356.
[10] المصدر نفسه.
[11] المصدر نفسه.
[12] الشيخ الطوسي، الأمالي، مصدر سابق، ص 40 – 41.
[13] الشيخ الإربلي، كشف الغمة، مصدر سابق، ج‏1، ص 361.
[14] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 43، ص 115.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock