مقالات

امريكا و الحلفاء في المنطقة سيحصدون نتائج مغايرة لحساباتهم .

د . جواد الهنداوي .

سفير سابق / ر . المركز العربي الأوربي للسياسات و تعزيز القدرات .

ما يمّيزُ امريكا ، و ما تُحسدْ عليه ، هو ألحاحها على إنجاز ما تُريد و متابعتها لما تُريد و تغيير آليات وخطط عملها وفقاً لمعطيات الواقع وساحة العمل . هذه قاعدة في الحسابات الأمريكية و في جميع المجالات :الاقتصادية و السياسية و العسكرية . وقد تكون هذه القاعدة ( سياسة التعامل مع الواقع او البرغماتيّة ) هو المشترك الوحيد بين امريكا و ايران . 

ولكن ،لا تتردد امريكا في توظيف هذه القاعدة باللجوء الى التآمر ،ليس فقط لاسقاط الرئيس البوليفي “موراليس ” ، وإنما حتى على الحليف او الصديق ، حين تنتهي صلاحية استخدام الحليف او الصديق او فائدة التعامل معه .

في التاريخ القريب شواهد على ما نقول في منطقتنا وفي العالم : مِنْ الدعم لصدام حسين في دكتاتوريته وحروبه وغزواته الى الإطاحة به ، مِنْ الدعم لشاه ايران الى التخلي عنه ، مِنْ الدعم لحسني مبارك الى التخلي عنه ، مِنْ تبني و دعم القاعدة في سبعينيات القرن الماضي الى محاربتها في نهاية تسعينيات القرن الماضي ،ومن ثُمّ التفاوض معها في الوقت الحاضر ،مِنْ احتلال العراق لتحريره من الدكتاتورية والحصار ، الى المراوغة في توظيف داعش لاعتبارات سياسية إقليمية و دولية ولمصلحة صهيونية . مِنْ الدفاع عن حقوق الشعوب ، الى سرقة ثروات الشعوب ،وما تسرقه امريكا من النفط السوري اليوم دليل على ذلك ،هذا ما قالته عضو مجلس النواب الامريكي والمرشحة للرئاسة الأمريكية السيدة غابارد ل ” فوكس نيوز ” بتاريخ ٢٠١٩/١١/٣ .

فشلت امريكا و كذلك اسرائيل في تحقيق الأهداف في المنطقة ، من خلال توظيف الإرهاب و الحصار و العقوبات ، و علامات الفشل هي : بدلاً من حزب واحد في لبنان (حزب الله ) ، اصبحَ آخر او ما يماثله في اليمن وفي العراق ،بدلاً من حزب الله و بأمكانياته ،اصبحَ الحزب أقوى و اكفأ سلاحاً و تقنيتاً و فكراً ، للحزب ومقاتليه وجود اليوم في سوريا وليس فقط على الحدود اللبنانية الفلسطينية ،أصبحت اسرائيل تخشى من اليمن ! وتقوم بحرب أستباقيّة ضّد اليمن و ضّد العراق ،مدفوعة بهوس الهيمنة و الاعتداء . اصبح لإيران وجود سياسي و دبلوماسي وعسكري فاعل و رسمي في سوريا : وجود لم يكْ مِنْ قبل بدء الجماعات المسلحة والإرهابية في سوريا ،والمدعومة لتاريخ اليوم ، أمريكياً و اسرائلياً وتركياً .

اليوم ، توظّفُ امريكا و معها اسرائيل سلاح الفتنة و النفاق في العراق وفي لبنان ، و بوسائل ناعمة و مشروعة : تظاهرات ضّد الفساد و توزيع غير عادل للثروة ، و تخّلف عن البناء و الإعمار و الاستثمار ، وحق الشعب بالتظاهر السلمي و التعبير السلمي عن رأيه وطموحاته .

ولكن ، أَلمْ تساهم امريكا بخلق هذا الفساد ؟ أَلمْ تساهم امريكا بتعطيل عجلة البناء والاستثمار من خلال دعم او ،على الأقل ،عدم الجدّية في محاربة الإرهاب ؟ 

أَلمْ يكن بأستطاعة امريكا دعم العراق بصورة مباشرة او غير مباشرة ، اقتصادياً وفي الخدمات وفي محاربة الفساد ؟ 

لنتابع السلوك الامريكي تجاه التظاهرات : التزمت امريكا الصمت عند بدء التظاهرات ، بعدها تبنّت تصريحات حيادية و اكتفت بالمراقبة و متابعة الأحداث ،من ثُّمَ دعت الحكومة والمتظاهرين الى نبذ العنف والتحلي بضبط النفس ، وان التظاهر السلمي حق مشروع للشعب . يختلف الموقف الامريكي اليوم ، بتبني تصريحات سياسية واضحة في التدخل في الشأن العراقي وتطالب بإجراء انتخابات مُبكّرة ، طبعاً السفارة الأمريكية في بغداد مهّدت لهذا الموقف الامريكي ،من خلال بيان أصدرته السفارة قبل يومّيّن ،تطالب الحكومة بالكف عن استخدام العنف إلخ … 

بالطبع نُدين استخدام العنف من اي طرف و نأسف لدماء الشهداء من كل طرف ،و ندين أيضاً التدخل الامريكي ، والذي يسئ لمسيرة واهداف ونبل الحركة الاحتجاجية المشروعة .

توقيت التدخل الامريكي الغليظ (مطالبة بانتخابات مبّكرة ) ، لم يكْ جزافاً : تزامن تقريباً بعد أنْ لاحَ في الأفق حلٌ ، وبعد أنْ شاعَ خبر اتفاق بين الكتل السياسية حول حلْ و برعاية ايرانية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock