دينيةمقالات

نفحات من سيرة حياة أمير المؤمنين الإمام علي (ع)

لم تعرف الدنيا رجلاً جمع الفضائل ومكارم الأخلاق – بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله – كالإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فقد سبق الأولين، وأعجز الآخرين، ففضائله أكثر من أن تحصى، ومناقبه أبعد من أن تتناهى.

لقد كانت أخلاقه قبساً من نور خلق النبي الأكرم صلى الله عليه وآله الذي تربى في حجره وعاش على مائدة مكارم أخلاقه، حتى شب عن الطوق، واكتملت رجولته، حيث كان يتولاه بالمواعظ والآداب العظيمة، فتنامت أخلاقه شموخاً، وسجاياه علواً ورفعةً، وظلت فضائله وأخلاقه ومكارمه حية متألقة في روحه حتى فارق الدنيا.

 

الرسول صلى الله عليه وآله يصف علياً عليه السلام:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «من أراد أن ينظر إلى يوسف في جماله وإلى إبراهيم في سخائه وإلى سليمان في بهجته وإلى داود في حكمته فلينظر إلى علي بن أبي طالب».

وقال صلى الله عليه وآله: «يا علي ما عرف الله حق معرفته غيري وغيرك، وما عرفك حق معرفتك غير الله وغيري».

 

إيمانه الوثيق بالله تعالى وإخلاصه:

الصفة البارزة التي تميّز بها الإمام عليه السلام أنّه كان من أعظم المسلمين إيماناً بالله تعالى، ومن أكثرهم معرفة به، وهو القائل: «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا… ». وقد ورد في مناجاته لله تعالى قوله عليه السلام: «إلهي ما عبدتك خوفا من عقابك، ولا طمعا في ثوابك، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك».

 

إنابته عليه السلام لله تعالى:

لقد كان  قلب أمير المؤمنين عليه السلام وفكره متعلقاً بالله تعالى في جميع فترات حياته، وسعى لكلّ ما يقرّبه إليه زلفى، وممّا قاله ضرار لمعاوية في وصفه للإمام: ولو رأيته في محرابه، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو قابض على لحيته يتململ تململ السليم (السليم: من لدغته الحيّة) ويبكي بكاء الحزين، وهو يقول: «يا دنيا، إليّ تعرّضت أم إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات، لا حاجة لي فيك، أبنتك ثلاثاً (أي طلّقتك طلاقاً بائناً) لا رجعة لي عليك»، ثمّ يقول: «آه آه لبعد السّفر، وقلّة الزّاد، وخشونة الطّريق», وتأثّر معاوية وقال: حسبك يا ضرار، كذلك والله كان عليّ.

 

عبادته عليه السلام:

حينما كان الامام علي عليه السلام في أشدّ الأهوال وأعنفها في صفّين كان يقيم الصلاة في وسط المعركة وسهام الأعداء تأخذه يميناً وشمالاً، وهو غير حافل بها لأن مشاعره وعواطفه قد تعلّقت بالله تعالى.

 

العصمة من الذنوب:

فلم يقترف الامام علي عليه السلام “بإجماع المؤرّخين” أي ذنب أو خطيئة، ولم يشذّ عن سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله في هديه وسلوكه، قال عليه السلام :«والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جِلب شعيرة ما فعلت».

وقال عليه السلام : «والله لأن أبيت على حسك السّعدان (الحسك: الشوك، السعدان: نبت له شوك ترعاه الإبل) مسهّداً، أو أُجرّ في الأغلال مصفّداً، أحبّ إليّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشيء من الحطام».

 

نكرانه لذاته عليه السلام:

قد آثر أمير المؤمنين عليه السلام الآخرين بالطيبات واللذائذ فتنكر لذاته وقدّم غيره على نفسه، وقد  قال عليه السلام: «أأقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدّهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش».

 

حرصه عليه السلام على أموال الناس:

لقد كان عليه السلام حريصاً على أموال المسلمين دقيقاً في صرفها ولم يستأثر منها بشيء لنفسه ويذكر المؤرخون  حوادث رائعة في هذا المجال منها، عندما اتخذ عليه السلام مدينة الكوفة مركزا لخلافته خاطب اهلها قائلا:« دخلت بلادكم بأسمالي هذه، ورحلي وراحلتي ها هي، فإن أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت فإنني من الخائنين».

 

زهده عليه السلام:

من ذاتيات إمام المتّقين، ومن أبرز عناصره الزهد التامّ في الدنيا، والرفض الكامل لجميع مباهجها وزينتها فكان أزهد الناس، وقد تحدّث الإمام عليه السلام عن زهده وإعراضه عن الدنيا بقوله: «فو الله ما كنزت من دنياكم تِبراً، ولا ادّخرت من غنائمها وَفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طِمراً، ولا حُزت من أرضها شِبراً، ولا أخذت منه إلاّ كقوت أتان دبرة».

وقد خرج عليه السلام إلى الناس وعليه إزار مرقوع فعوتب في لبسه فقال عليه السلام: «يخشع القلب بلبسه ويقتدي به المؤمن إذا رآه».

واما طعامه عليه السلام، فقد روى “سويد بن غفلة” صورة من زهده عليه السلام حيث يقول: دخلت على عليّ عليه السلام القصر فوجدته جالساً بين يديه صحفة فيها لبن حازر(اللبن الحامض جداً) أجد ريحه من شدّة حموضته وفي يده رغيف أرى قشار الشعير في وجهه وهو يكسّر بيده أحياناً فإذا غلبه كسّره بركبته فطرحه فيه، فقال: «ادن فأصب من طعامنا هذا»، فقلت: إنّي صائم….

 

شجاعته عليه السلام:

من مظاهر شخصيّة الإمام عليه السلام شجاعته النادرة التي صارت مضرب الأمثال وأنشودة الأبطال في كلّ زمان ومكان، فهو بطل الإسلام دون منازع، لا يعرف المسلمون سيفاً كسيف عليّ عليه السلام في إطاحته لرؤوس المشركين وأعلام الملحدين، ومواقفه المشرّفة في واقعة بدر وأحد والأحزاب وغيرها ، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: «إنّ أفرس النّاس عليّ بن أبي طالب »

يقول ابن أبي الحديد: وأمّا الشجاعة فإنّه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله، ومحا اسم من يأتي بعده، ومقاماته في الحرب مشهورة تضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة، وهو الشجاع الذي ما فرّ قطّ، ولا ارتاع من كتيبة، ولا بارز أحداً إلاّ قتله، ولا ضرب ضربة قطّ فاحتاجت الأولى إلى الثانية.

 

شذرة  من حلمه عليه السلام:

دعا الإمام عليه السلام غلاماً له فلم يجبه، ثمّ دعاه مرّة ثانية وثالثة فلم يجبه، فقام إليه وقال له: «ما حملك على ترك إجابتي؟». فردّ عليه الغلام: كسلت عن إجابتك، وأمنت عقوبتك.. فامتلأ قلب الإمام سروراً، وقال عليه السلام: «الحمد لله الّذي جعلني ممّن يأمنه خلقه، إمض فأنت حرّ لوجه الله تعالى».

وقَصَده أبو هريرة، وكان معروفاً بانحرافه عنه، ومتجاهراً ببغضه، فسأله حاجة فقضاها له، فعاتبه بعض أصحابه على ذلك فقال عليه السلام: «إنّي لأستحي أن يغلب جهله حلمي، وذنبه عفوي، ومسألته جودي».

 

شذرة من تواضعه عليه السلام:

وفد عليه رجل مع ابنه فرحّب بهما وأجلسهما في صدر المجلس، ثمّ أمر لهما بطعام، وبعد الفراغ منه بادر الإمام فأخذ الإبريق ليغسل يد الأب ففزع الرجل، وقال: كيف يراني الله وأنت تصبّ الماء على يدي؟ فأجابه الإمام عليه السلام برفق ولطف: «إنّ الله يراني أخاك الّذي لا يتميّز منك، ولا يتفضّل عنك، ويزيدني بذلك منزلة في الجنّة».

 

كراهته عليه السلام للمدح:

كان الإمام عليه السلام يسأم المدح والإطراء، وكان يقول لمن أطراه: «أنا دون ما تقول، وفوق ما في نفسك»، وإذا أطرى عليه رجل قال: «اللهمّ إنّك أعلم بي منه وأنا أعلم منه بنفسي، فاغفر لي ما لا يعلم».

 

شذرة من سخائه عليه السلام:

من بوادر جوده أنّه لمّا قسّم بيت مال البصرة على جيشه لحق كلّ واحد منهم خمسمائة درهم، وأخذ هو مثل ذلك، فجاءه شخص لم يحضر الواقعة فقال له: كنت شاهداً معك بقلبي، وإن غاب عنك جسمي، فأعطني من الفيء شيئاً, فدفع إليه ما أخذه لنفسه، ورجع ولم يصب من الفيء شيئاً.

 

الرأفة بالفقراء:

من الصفات البارزة لأمير المؤمنين عليه السلام الرأفة الكاملة بالفقراء، فكان لهم أباً، وعليهم عطوفاً، وقد واساهم في مكاره الدهر وجشوبة العيش وخشونة اللباس، وهو القائل أيام خلافته: «…أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى، أو أكون كما قال القائل:

وحسبك داء أن تبيت ببطنة *** وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ».

 

عدله وأمانته عليه السلام:

من الصفات التي تميّز بها أمير المؤمنين عليه السلام إقامة العدل، وإيثاره على كلّ شيء، خصوصاً في أيام خلافته، فقد روى المؤرّخون أن عقيل بن أبي طالب وفد على أخيه الإمام علي عليه السلام في الكوفة، فرحّب به الإمام وقال لولده الإمام الحسن عليه السلام: «اكسُ عمّك»، فكساه قميصاً ورداء من ملكه، ولمّا حضر العشاء قدّم له خبزاً وملحاً، فأنكر عقيل ذلك وقال: ليس ما أرى؟ فأجابه الإمام عليه السلام بلطف وهدوء: «أو ليس هذا من نعمة الله؟ فله الحمد كثيراً».

فقال عقيل للإمام: أعطني ما أقضي به ديني، وعجّل سراحي حتى أرحل عنك.

قال عليه السلام: «كم دينك يا أبا يزيد؟».

قال:  مائة ألف درهم.

قال عليه السلام: «والله ما هي عندي، ولا أملكها، ولكن اصبر حتّى يخرج عطاي(عطائي) فأواسيكه، ولولا أنّه لا بدّ للعيال من شيء لأعطيتك كلّه».

فقال عقيل: بيت المال بيدك، وأنت تسوّفني إلى عطائك، وكم عطاؤك؟ وما عسى أن يكون؟ ولو أعطيتنيه كلّه.

فطرح الإمام عليه السلام أمامه حكم الإسلام قائلاً: «وما أنا وأنت فيه إلاّ بمنزلة رجل من المسلمين».

سعة علومه عليه السلام:

أجمع الرواة على اختلاف ميولهم وأهوائهم على أنّ الإمام عليه السلام أوسع المسلمين علماً، وأكثرهم فقهاً، وأنّه لا يماثله أحد من الصحابة وغيرهم في قدراته العلمية، فقد غذّاه سيّد الكائنات صلى الله عليه وآله بملكاته ومواهبه، فهو باب مدينة علمه، وقد تحدّث الإمام عليه السلام عن سعة علومه وقال:

«يا معشر الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وآله، هذا ما زقني رسول الله صلى الله عليه وآله زقاً زقا، سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين، أما والله لو ثنيت لي وسادة، فجلست عليها، لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب، لقد أفتاكم بما أنزل الله في، وأنتم تتلون القرآن ليلاً ونهاراً ، فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه؟

ولولا آية في كتاب الله عز وجل لأخبرتكم بما كان وبما يكون، وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية : ﴿يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب﴾».

هذه بعض صفاته عليه السلام وعناصره النفسية، ومن المؤكّد أنّه لا يضارعه أحد فيما وهبه الله تعالى من الكمالات ومعالي الآداب والأخلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock