مجتمع

أسرتي: زوجي عندما تعود

الشيخ محمد الحمود

“زوجي العزيز، لماذا تدخل إلى البيت متجهّم الوجه؟! لماذا لا تسألني عن أحوالي وأحوال أولادنا وتجلس معنا؟ أشْعُرُ أنَّكَ لا تلتفت إلى وجودي، بل تتهرَّب منّي؛ فتختار أبعد كرسيّ عنّي، وتختبئ وراء الهاتف أو الكتاب أو جهاز الحاسوب (الكومبيوتر) أو تشاهد المُباريات الرّياضيّة أو ما تبثّه القنوات التّلفزيونيّة! حتّى أنّك تتناول طعامك سريعاً وتذهب لملاقاة أصدقائكَ يوميّاً!

تُرى لماذا تتجاهلُ وجودي وتتغافل عنّي؟ ولماذا لا أشعُر بقربكَ منّي؟ لو تعلم كم يتحطّم قلبي لذلك!”.

السلام مفتاح المحبّة
بعد يومٍ مُجهدٍ من العمل الطّويل، يعود بعض الأزواج إلى بيوتهم عابسين ومتأفّفين، فينثرون الهموم بدل السّرور؛ فلا سلام ولا كلام لأهل بيوتهم، سوى لأصدقائهم، سواء عبر الهاتف أو في الجلسات، دون أن يدروا كم يسبّبون لزوجاتهم وأولادهم من الأحزان، ونسوا أنَّ “البِشر الحسن، وطلاقة الوجه؛ مُكسِبة للمحبّة وقُربة من الله عزّ وجلّ، وعبوس الوجه وسوء البِشر مكسبة للمقت وبُعد من الله”(1)، وأنَّ “الخَلق عيال الله، فأحبّ الخَلق إلى الله مَن نفع عيال الله، وأدخل على أهل بيت سروراً”(2)، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى الرجل قائلاً له: “إذا دخل أحدكم بيته فليسلّم، فإنَّه ينزله البركة، وتؤنسه الملائكة”(3).

فيا أَيُّهَا الزّوج الكريم، كيف يجب أن تدخل إلى بيتكَ، وكيف تتصرّف؟

أفضل حالٍ لدخول البيت
أكّدت دراسة شملت ألف زوجة، أنَّ عُبُوسَ الزوجِ داخل البيت يسبّب الحزن الدّائم لباقي أفراد الأسرة، بينما أجمعت 90 % من الزوجات على أنَّهنَّ يفضّلن ويشجّعن جوّ الفكاهة عند الرّجل، لأنَّها أوّل ما يلفت انتباه المرأة. كما قام علماء بدراسة تأثير الابتسامة في الآخرين، فوجدوا أنَّ الابتسامة تحمل معلومات قويّة، تستطيع التأثير في العقل الباطن للإنسان، كما وجدوا أنَّ كلّ ابتسامة تحمل تأثيرات مختلفة أيضاً.

كما اكتشف عالم النّفس وخبير رموز الوجه، بول إيكمان، أنَّه إذا ابتسمت بكلٍّ من شفتيكَ وعينيكَ، فسوف يصبح مزاجكَ أفضل(4).

لذلك عزيزي الزوج، عندما تعود إلى بيتكَ، ألقِ كلّ شيء على عتبته، وحاول أن تبتسم، فقد قال رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: “إنَّ الله يبغض المعبس في وجه إخوانه”(5)، و”لا تحقّرن من المعروف شيئاً، ومن المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق وبشرٍ حسن”(6)، فكيف إذا ابتسمت لزوجتكَ؟

وحيِّها بتحيّة الإسلام، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ (النور: 61).

ثمّ قلْ لها: “كيف حالكِ، وكيف كان يومكِ، وعافاكِ الله”، فهي تنتظر منكَ كلاماً جميلاً، ثمَّ بيِّن شوقكَ إليها وأُنْسكَ بوجودها. وانتبه لردّها ونبرة صوتها، وانظر إلى عينيها، فبذلك تستطيع معرفة ما إذا كانت مهمومة أو غاضبة أو متعبة. اقترب منها واسألها عمّا يزعجها، وأظهر محبّتكَ لها، فسرعان ما ستبوح لكَ بالسّرّ؛ فإن كانت متوتّرة الأعصاب بسبب الأطفال مثلاً، فذكّرها بأنَّكما قد مررتما بمرحلة الطّفولة أيضاً، وقل لها: “إنَّنا أيضاً كنَّا نلعب ونتحرّك كثيراً ونشاغب”.

وبعد أن تأكل وتستريح، أو قبل ذلك حتّى، وجِّه نظركَ إلى بعض الإنجازات الّتي قامت بها زوجتكَ، واشكرها على إعدادها الطّعام، واثنِ على ترتيبها البيت أو على نظافته، وغيرها من الأعمال التي تقوم بها. فقليلٌ من الرّجال من يلتفت إلى مثل هذه الأمور!

لا تفعل
أَيُّهَا الزّوج الكريم، حاول أن لا تفكّر بعملكَ داخل البيت، ولا تجعله يستأثر بكلّ وقتكَ، وخصوصاً في إجازة الأسبوع. إنَّ زوجتكَ تحبّكَ وتنتظركَ، فالتفت إليها وأعطها بعضاً من وقتكَ حتَّى تشعر بوجودكَ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنَّ لأهلكَ عليكَ حقّاً، وإنَّ لضيفكَ عليكَ حقّاً، وإنَّ لنفسكَ عليكَ حقّاً…”(7)، و”جلوس المرء عند عياله، أحبَّ إلى الله تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا”(8). وقَلّلْ من استخدام الهاتف والإنترنت والتلفزيون… وشاركها في بعض شؤون البيت مع الإمكان، ولا تنسَ أن تنثر ابتسامتكَ في كلّ أرجائه.

أيّها الزوج! قيّم نفسكَ جدّيّاً، وأعد النظر في تصرّفاتك. فقد تكون غير ناجح في إبداء التحبّب إلى أسرتكَ، وإدخال السرور إلى قلوب أفرادها. فما قيمة كلّ نجاحاتك أمام إخفاقك هذا؟!

من وصايا الإمام الخامنئيّ دام ظله
– “إنّ المجاهد، الرجل المؤمن، الرجل الذي يعمل في سبيل الله، ينبغي أن تكون كلّ ميادين حياته وساحاتها إلهيّة. إحدى هذه الساحات هي العلاقة مع العائلة، وبالخصوص مع الزوجة والأولاد. أنتم ينبغي أن تكونوا مظهر الأخلاق. من الممكن أن تُغضبكم حادثة صغيرة خارج المنزل، لكن داخل المنزل لا ينبغي لهذا الغضب أن يظهر. كونوا رحماء مع زوجاتكم، كونوا آباء لأولادكم بالمعنى الحقيقيّ”(9).

– “تواصلوا مع أبنائكم وتعاملوا معهم بصداقة وأبوّة. أفضل الآباء هم الذين يصادقون أبناءهم وبناتهم؛ فمع أنَّهم يُظهرون الهيبة والإرشاد والتوجيه الأبويّ والمحبّة، هم أيضاً يتحلّون بإخلاص الصديق. إن كان لأبنائكم الشباب سؤال أو كلام أو هموم، فإنَّ أول أُذُن يجب أن تسمعه هي آذانكم وآذان زوجاتكم”(10).

– “عليكم أن تتواصلوا مع عائلاتكم. لا يقول أحدكم: إنّ الأعمال كلّها ملقاة على عاتقي، أو تأخّرت ساعة أو ساعتين، ولم أبدِ البشاشة، الأمر بسيط، وليس كفراً، ولم تنزل السماء على الأرض!

خصّصوا ساعات من وقت عملكم المتواصل، ومن أوقات استراحتكم لعائلتكم، وأفيضوا على زوجاتكم وأولادكم من محبّتكم ورعايتكم واهتمامكم وعاطفتكم، يجب أن تكونوا أنتم القدوة”(11).

لأشعر بالطمأنينة
وكما بدأنا، نختم بكلمات زوجة تتوق إلى الشعور بالاهتمام: “كم أحتاج إلى أن تهبني وقتاً تجلس فيه إلى جانبي وتُشعرني بحنانكَ، وأن تنظر إلى عينيّ لتعرف ماذا أريد؛ فهي تنطق بكلّ لسان، ولا تحتاج إلى ترجمان!

وكم أحبّ أن أضع رأسي المثقل بالهموم على صدركَ لأشعر بالطّمأنينة، لا بل بكياني. فرجاءً، أعطني جزءاً من وقتكَ، فأنا أستأنس بكَ وبحديثكَ وباهتمامكَ، وكذلك أولادنا، فهم بحاجة إلى حنانكَ وحبّكَ، حتَّى لا يصدق عليهم قول الشَّاعر:

ليس اليتيم من انتهى أبواه

من همِّ الحياة وخلّفاه ذليلاً

إنَّ اليتيم هو الّذي تلقى له

أمّاً تخلَّت أو أباً مشغولاً”.

1- تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، الحرّاني، ص 296.
2- الكافي، الكليني، ج 2، ص 199.
3- النوادر، القمّي، ص 109.
4- موقع البيان.
5- مستدرك الوسائل، الطبرسي، ج 8، ص 321.
6- (م. ن.)، ج 12، ص 344.
7- كنز العمّال، المتّقي الهندي، ج 3، ص 33.
8- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، الأشتري، ص 441.
9- المرأة والأسرة في فكر الإمام الخامنئي دام ظله، دار المعارف الإسلامية الثقافيّة، ص 78.
10- (م. ن.)، ص 79.
11- (م. ن.).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock