مجتمع

نهج الرسول: ركائز تحصّن الأسرة

مِن خُطبةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَمّا زَوَّجَ فاطمةَ عليها السلام مِن عليٍّ عليه السلام: “إنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ المصاهَرةَ نَسَباً لاحقاً، وأمْراً مفترَضاً، وشَجَّ بها الأرحام، وألزَمَها الأنام، قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا﴾ (الفرقان: 54). ثمّ إنَّ اللهَ تعالى أمرَني أنْ أزوّجَ فاطمةَ مِن عليّ، وقد زوّجْتُها إيّاهُ على أربعمائةِ مثقالٍ فِضّة، إنْ رضيتَ يا عليّ، قال عليه السلام: (رضيتُ يا رسولَ الله)”(1).

الزواجُ مِفتاحُ تكوينِ الأسرة، وبه يكونُ تكامُلُ الخَلْقِ في سَيْرِهِم نحوَ خالِقِهِم وما خُلقوا لأجْلِه، وأعظمُ ما في الأسرةِ هو هذا الترابطُ الذي يحصلُ فتتحقّقُ ببركتِه دائرةُ الأرحامِ التي أَمَرَ اللهُ بِصِلَتِها، وهذه الصِّلَةُ هي بابُ زيادةِ العدد، ففي خُطبةِ الزهراءِ عليها السلام قالت: “فَرَضَ اللَّهُ صِلَةَ الْأَرْحَامِ مَنْمَاةً لِلْعَدَدِ”(2).

والعددُ المطلوبُ هو ما يكونُ مصداقاً لطَلَبِ النبيِّ زكريّا عليه السلام في سورةِ آلِ عِمران: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾. ولو أردنا أن نستنطقَ القرآنَ في معنى الذرّيّةِ الطيّبةِ، لوجدنا الجوابَ في قولِهِ تعالى في سورةِ مريم: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ (مريم: 5-6)، والرضى هذا يتمثّلُ في تحقُّقِ العبوديّةِ التامّةِ فيه للهِ عزَّ وجلَّ بامثتالِ أوامرِهِ واجتنابِ عن معاصيه، وبهذا يتحقَّقُ الرضى الإلهيُّ عنه ورضى والدَيه، وهذا غايةُ ما ينبغي أن يكونَ مطلوباً في الأسرةِ عندَ الوالدَين.

وقوامُ الرضى الإلهيِّ يتحقّقُ بحسبِ ما دلّتْ عليه الآياتُ القرآنيّةُ بأمور:
الأوّل والثاني: الإيمانُ والعملُ الصالح: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾ (البينة: 7-8).

الثالث: الترابطُ الولائيُّ داخلَ الأُسرة: فيكونُ المعيارُ هو الوُدُّ في اللهِ والبغضُ في اللهِ عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (المجادلة: 22).
وعلى أساسِ ذلك، لا بُدَّ مِن أن تكونَ عنايةُ الوالدَينِ في التربيةِ الأسريّةِ على ثلاثيّةِ الإيمانِ والعملِ الصالحِ والولايةِ للهِ عزَّ وجلَّ ولرسولِهِ صلى الله عليه وآله وسلم ولأولي الأمر، وبذلك تكونُ حصانةُ الأسرةِ مِنَ الخلل، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ دام ظله: “الإنسانُ وُجد للتربيةِ وللهدايةِ وللتعالي وللكمال، وهذا لا يحصلُ إلّا في محيطٍ آمِنٍ، وهو المحيطُ الذي لا تتولّدُ فيه العُقَد، وتُلبَّى فيه احتياجاتُ الإنسان، وفيه تنتقلُ الإرشاداتُ مِن جيلٍ إلى جيل، ويوضَعُ الإنسانُ فيه منذُ طفولتِهِ تحتَ التعليمِ الصحيحِ السهلِ المنسجمِ مع طبيعتِهِ وفطرتِه، ومن قِبَلِ مُعلِّمَين، هما الأبُ والأمّ، هما أرحمُ الناسِ به مِن أيِّ إنسانٍ في هذا العالَم”.

1. السيد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج 20، ص 113-114.
2. الشيخ الريشهري، ميزان الحكمة، ج2، ص1055.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock