مقالات

اليوم في القرآن

كما سبق ذكره، فانّ المقصود من اليوم في أكثر الإستعمالات القرآنيّة له هو عالم الآخرة كما في: ﴿يَوْمِ الدِّين﴾، ﴿الْيَوْمِ الآخِر﴾[1]، ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوح﴾[2]، ﴿يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّه﴾[3] وليس المقصود من اليوم هو النهار في مقابل الليل أو ما يقابل الشهر والسنة. ولا بمعنىٰ مجموع الليل والنهار[4] بل هو بمعنىٰ «الظهور»، كما انّ اليوم في الآية الكريمة: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن﴾[5] ليس المقصود منه انّ الله في كلّ يوم وليلة أو في كلّ نهار له شأن، لانّ اليوم نفسه شأن من الشؤون الإلٰهيّة وفعل من أفعاله سبحانه. اذن معنىٰ «كلّ يوم» هو «كلّ ظهور» ويوم القيامة يعني ظهور ذلك.

 

وفي القيامة تعود الكثرة الىٰ الوحدة ويتّضح للجميع انّ الّذي يدير العالم واحد، وبظهور التوحيد تنتهي أوهام التثنية والتثليث، خلافاً لبداية الخلق حيث ظهور الكثرة من الوحدة فهناك يكون الحديث عن «يومين»، و«أيّام» و«ستّة أيّام».[6] إذن فاليوم ليس في مقابل الليل، ولا اليوم والليلة ولا السنة ولا الشهر، لأنّه عندما تطوىٰ السماوات والأرض كما يُطوىٰ ويُلفّ الكتاب، هنالك لاتبقىٰ حركة وضعيّة ولاانتقاليّة للأرض ولا لكوكب آخر حتّىٰ يتكوّن من حركتها نهار وليل ويوم وشهر وعام، بل يُطوىٰ بساط المتحرّك والحركة.

 

وعلىٰ هذا فإنّ اليوم في (يوم الدين) والآيات المتعلّقة بالقيامة عندما يُفسَّر بالظهور يجب أن يبيّن ظهور أيّ شيء هو المراد.

 

الّذي يظهر من الآيات الكثيرة الّتي تتحدّث عن «يوم الدين» هو انّ القيامة يوم ظهور الدين، مثل قوله تعالىٰ: ﴿وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ٭ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ٭ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِين﴾[7]، وبما انّ للدين معاني ومصاديق كثيرة ومختلفة من جملتها «الجزاء» لذلك يقال ليوم القيامة انّه يوم «الجزاء» ايضاً، لكنّ الجزاء جزء من أجزاء الدين فقط (بالمعنىٰ الشامل للدين) الّذي استعمل في الآية: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَم﴾[8] ونظائرها. وفي القيامة يظهر الدين بجميع أبعاده وجوانبه.

 

آية الله الشيخ جوادي آملي

 

[1] . سورة البقرة، الآية 8 و….

[2] . سورة النبأ، الآية 38.

[3] . سورة الانفطار، الآية 19.

[4] . ولهذا فانّ كلمة يوم في يوم القيامة ليس لها تثنية ولا جمع بل انّ يوم القيامة بالنسبة للكثير من الناس يمتدّ الىٰ خمسين ألف سنة: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة﴾ (سورة المعارج، الآية 4)، لكنّه بالنسبة للمؤمنين بمقدار الصلاة الواجبة لا اكثر. والنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال في جواب من سأله: «يا رسول الله ما أطول هذا اليوم! قال: والّذي نفس محمّد بيده انّه ليخفّف علىٰ المؤمن، حتّىٰ يكون أخفَّ عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدنيا» (بحار الانوار، ج7، ص123).

[5] . سورة الرحمٰن، الآية 29.

[6] . يقول الله سبحانه بالنسبة الىٰ خلق العالم انّه خلق مجموع النظام الموجود في ستّة أيّام: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْش﴾ (سورة الحديد، الآية 4)، لأنّه خلق الأرض في يومين: ﴿خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْن﴾ (سورة فصّلت، الآية 9)، وخلق السماوات السبع في يومين أيضاً: ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخَانٌ… ٭ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْن﴾ (سورة فصّلت، الآيتان 11 و12)، ومابين السماوات والأرض خلقه في يومين أيضاً. امّا تغيير نظام الدنيا في النفخة الاُولىٰ والمجيء بنظام جديد في النفخة الثانية فسيكون خلال يوم واحد: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُب﴾ (سورة الأنبياء، الآية 104)، ويقول في موضع آخر: ﴿وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِه﴾ (سورة الزمر، الآية 67)، وفي موضع آخر يقول: ﴿يَوْمَ تُبَدُّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّماوَات﴾ (سورة ابراهيم، الآية 48) كلّ هذه الأحداث تقع في يوم واحد والمقصود من اليوم هو الظهور.

[7] . سورة الانفطار، الآيات 14 ـ 16 عبَّر القرآن الكريم عن احراق الفجّار في نار جهنّم بعبارة (يَصلون) تارة، واُخرىٰ بعبارة (تصلية)، وهناك فرق بين هذين التعبيرين فالتعبير الأوّل بمعنىٰ الاحتراق السطحيّ والخارجيّ والثاني بمعنىٰ الانصهار والاحتراق الداخليّ والباطنيّ.

[8] . سورة آل عمران، الآية 19

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock