مجتمع

دور البيئة البشرية في تشكيل هويّة الطفل

يخرج الطفل من بطن أمّه كالأرض الخالية، فعن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام: “إنّما قلب الحَدَث كالأرض الخالية ما أُلقي فيها من شيء قبلته”[1].. فحاسّة التقبّل عند الطفل شديدة إلى درجة أنّه أشبه بعدسة التصوير[2]، تعكس صورة المجتمع الذي تعيش فيه.

فالمحيط الاجتماعيّ الذي ينشأ الطفل في مجاله بمؤسّساته كافّة: – الأسرة، الحيّ، الجيران، الأقارب، المدرسة، الأصدقاء… بالإضافة إلى عنصر خاصّ أصبح حاضراً بقوّة في عصرنا، وهو العالم الافتراضيّ من الإنترنت وصفحات الفايس بوك والبرامج التلفزيونية… – يلعب دوراً بارزاً في تحديد ملامح هويّة الطفل الذهنية والنفسية والقيمية والسلوكية والوجدانية… فالطفل لم يكتسب تصوّراته وعقائده واتّجاهاته وقيمه وسلوكاته ومهاراته من تلقاء نفسه بل بفعل تأثّره بالمحيط الخارجيّ، فتتشكّل لوحة شخصيّته بفعل الانفعال والتأثّر بالبيئة الاجتماعية.

حتّى الفطرة التوحيدية الصافية التي أودعها الله بأصل الخلقة في نفس الطفل لا تصمد أمام تأثيرات روح البيئة الأسرية والمجتمعية، عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قال: “ما من مولود يولد إلّا على الفطرة فأبواه يُهوّدانه ويُنصّرانه ويُمجّسانه…”[3]. فهذا الحديث يُقدّم مؤشّراً واضحاً على الدور الذي تلعبه البيئة الأسرية في التأثير على رسم المعالم العامّة لشخصية الطفل، وكذلك الأمر بالنسبة للبيئة الاجتماعية العامة. وفي هذا السياق ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال: “بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة”[4].

وباختصار: “لا أحد يستطيع أن يُنكر أصل تأثير ونفوذ البيئة الاجتماعية في تكوين شخصية كلّ واحد من أفراد الإنسان، وأنّ هذا التأثير والنفوذ عميق وشامل بالنسبة للأكثرية الساحقة من الناس، فلا ريب أنّ الفرد في كثير من الأحيان تابع ومحكوم لإرادة المجتمع”[5].

ولكن تجدر بنا الإشارة إلى أنّ المجتمع وإن كان مؤثّراً في تكوين شخصيّة الطفل إلّا أنّ هذا لا يعني أنّه يصل إلى حدّ الجبر الاجتماعيّ الذي يسلب من الإنسان عنصرَي الإرادة الحرّة والاختيار.

المسؤولية التربوية للأهل
ما تقدّم، يضع الوالدين أمام مسؤولية تربوية عظيمة تتجلّى في أربعة أمور:

– الأول: تربية الطفل على التفكير النقديّ والاستدلال الحرّ حتّى تتكوّن لديه ملكة تمكّنه من التمييز بين الصحيح والخطأ والحسن والقبيح..

– الثاني: تقوية الإرادة وتصليبها في شخصية الطفل، حتّى تكون لديه قوّة وقدرة على مواجهة ومقاومة ما يُعايشه في المجتمع، بل وقدرة على التغيير والتأثير أيضاً.

– الثالث: تهيئة البيئة الأسرية الصالحة الحاضنة لتنمية الطفل، لأنّ الطفل يرى في أبويه النموذج الذي يحتذي به، وهذا يستلزم أن تكون العلاقة بين الأب والأمّ وكذلك مع الإخوة قائمة على القيم

الإسلامية من الاحترام المتبادل…، فلا يُظهران أمام الطفل أيّ سلوك سلبيّ، لأنّ هذا يؤثّر على شخصيّة الطفل من جهتين:

أ- محاكاته لهما، فإنّ الطفل إذا عاش ضمن أسرة مفكّكة تقوم خطوط العلاقات بين أفرادها على الصراخ والغضب والشجار وسوء الخلق.. سيبني علاقاته مع الأشياء المادية والبشرية من حوله من خلال نفس الأساليب السلبية الموجودة داخل الأسرة…

ب- أنّ الطاقة السلبية أو الإيجابية في البيت تعكس نفسها على باقي الأفراد سلباً أو إيجاباً، وهذا الأمر يشعر به الإنسان بالوجدان نتيجة تراكم الحالات والخبرات الشخصية.

– الرابع: البحث عن الموضع الحسن والبيئة الصالحة لوضع الطفل فيها ليوفّر بذلك لطفله المناخ والظروف الملائمة لتشكّل وتسامي هويّته بنحو صالح وحسن.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “يا عليّ، حقّ الولد على والده أن يُحسن اسمه، وأدبه، ويضعه موضعاً صالحاً”[6].

التربية الإسلامية للطفل، دار المعارف الإسلامية الثقافية

[1] نهج البلاغة، من وصية له لولده الحسن.
[2] يراجع: فلسفي، محمد تقي، الطفل بين الوراثة والتربية، تعريب فاضل الحسيني الميلاني، لا.م، مكتبة الأوحد، 1426ه – 2005م، ط1، ج1، ص196.
[3] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص49، ح1668.
[4] الشيخ الكليني، الكافي، ج6، ص47.
[5] اليزدي، محمد تقي مصباح، النظرة القرآنية للمجتمع والتاريخ، تعريب محمد عبد المنعم الخاقاني، بيروت، دار الروضة، 1416ه – 1996م، ط1، ص49.
[6] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ص784، كتاب الفرائض، باب النوادر، ح5764، فقرة14.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock