منوعات

المشروبات السكرية قد تؤدي إلى الموت المبكر

بعد 38 عامًا من المراقبة.. دراسة حديثة تكشف عن أن استهلاك السكر الدائم يزيد خطر الموت بالسرطان بنسبة 18%

كلما زادت معدلات تناوُل المشروبات المحلاة بالسكر (SSBs)، زاد خطر الوفاة المبكرة -لا سيما الوفاة الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية، وبنسب أقل الوفاة الناجمة عن بعض إصابات السرطان، وذلك وفقًا لدراسة طويلة الأجل أُجريت على رجال ونساء أمريكيين. وكان خطر الوفاة المبكرة المرتبطة بشرب SSBs أكثر وضوحًا بين النساء مقارنة بالرجال الذين شملتهم الدراسة.

وكشفت الدراسة التي أجراها باحثون في “كلية تي إتش تشان للصحة العامة” في “بوسطن”، والتابعة لجامعة “هارفارد”، ونشرتها دورية “سيركيوليشن” (Circulation)، أن الاستهلاك الدائم للمشروبات المحلاة بالسكر يزيد أيضًا من مخاطر الوفاة بسبب السرطان بنسبة 18%، وأن الأشخاص الذين يستهلكون حصتين من تلك المشروبات (الحصة الواحدة تعادل كوبًا أو زجاجةً أو عبوة) بصورة يومية يرتفع لديهم خطر الوفاة المبكرة بسبب أمراض القلب بنسبة 31%، وأن كل مشروب إضافي إلى هذه الكميات يشكل خطورةً إضافيةً بنسبة 10%.

عقود من المراقبة

وبالرغم من أن دراسات سابقة بحثت الارتباط بين الاستهلاك العالي للسكر والموت المبكر، إلا أن هذه الأخيرة تُعَد أول تحليل شامل واسع النطاق، يقوم على عقود من المتابعة والقياسات المتكررة للنظام الغذائي لبحث هذه العلاقة.

فقد استخدم الباحثون بيانات 37716 رجلًا أمريكيًّا موجودة ضمن دراسة “متابعة صحة العاملين في القطاع الطبي”، وهي الدراسة التي انطلقت عام 1986 وضمت 51529 رجلًا تتراوح أعمارهم بين 40 و75 عامًا، وبيانات 80647 امرأةً أمريكية موجودة ضمن “دراسة صحة الممرضات”، التي انطلقت عام 1976 وضمت 121700 سيدة تتراوح أعمارهن بين 30 و55 عامًا. وكان جميع الأشخاص الذين تمت متابعة بياناتهم (رجالًا ونساء) لا يعانون من أي أمراض مزمنة.

ووثق الباحثون وفاة 36437 شخصًا من إجمالي الأشخاص الذين تم جمع بياناتهم، مشيرين إلى أن “20276 من حالات الوفيات تلك كانت بسبب الأمراض القلبية الوعائية (7896 حالة وفاة)، والسرطان (12380 حالة وفاة).

ووفق النظام المتبع في كلتا الدراستين (متابعة صحة العاملين في القطاع الطبي ودراسة صحة الممرضات)، كان المشاركون يملأون استبانةً حول نظامهم الغذائي كل 4 أعوام، يجيبون فيها عن أسئلة تتعلق بنمط معيشتهم وصحتهم العامة. ووجد الباحثون أن تناول 4 من المشروبات المحلاة بالسكر شهريًّا مرتبط بزيادةٍ قدرها 1% في معدل الوفاة، وأن تناوُل ما بين مشروبين إلى 6 مشروبات أسبوعيًّا يرتبط بزيادة معدلات الوفاة بنسبة 6%، أما تناوُل مشروب واحد إلى مشروبين فيرتبط بزيادةٍ قدرها 14%، وتناول مشروبين أو أكثر يوميًّا بزيادة 21%.، وذلك مقارنةً بمن يتناولون المشروبات المحَلَّاة بالسكر بمعدل أقل من مرة شهريًّا.

وتوصل الباحثون إلى أن تناوُل المشروبات المحلَّاة اصطناعيًّا -بدائل السكر- بدلًا من المشروبات المحلاة بالسكر يحمل ارتباطًا أقل بنسبة متوسطة بخطر الموت المبكر، إلا أنهم وجدوا أيضًا أن العلاقة بين مستويات التناوُل العالية (بمعدل 4 مرات يوميًّا على الأقل) من المشروبات المحلَّاة صناعيًّا ترفع قليلًا خطر الوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية بين النساء، مشيرين إلى ضرورة توخِّي الحذر تجاه الاستهلاك الكثيف لتلك المشروبات (أيضًا).

نتائج ذات مصداقية

من جهته، يرى محمد عبد العزيز -أستاذ الكبد ومناظير الجهاز الهضمي بجامعة بنها، وعضو الجمعية الأمريكية للجهاز الهضمي، وغير مشارك بالدراسة- في تصريحات لـ”للعلم” أن نتائج البحث فيما يخص حالات الوفاة نتيجة تناوُل المشروبات المحلَّاة بالسكر فيها زيادة ليست بالكبيرة، لكن يُعتَد بها؛ لكون عينة البحث كبيرة جدًّا، وبالتالي أي فروق تظهر تؤخذ بعين الاعتبار.

وأشاد “عبد العزيز” بطريقة البحث وطول مدته، وتعَقُّب الحالات على مدار سنوات عديدة، مما يعطي قوةً ومصداقيةً لنتائج البحث، وفق قوله.

ويضيف أن “النظام الغذائي الأمريكي يعتمد بدرجة كبيرة على تناوُل الوجبات السريعة والإسراف في شرب المشروبات الغازية والمحلاة بالسكر بدون قيود، على عكس ما هو شائع في مجتمعاتنا العربية، وبالرغم من التغيُّر الذي طرأ على المجتمع العربي والمصري بصفة خاصة في الآونة الأخيرة في مضاهاة النمط الغذائي الأمريكي، إلا أن هناك فارقًا ليس بالقليل بينهما”.

وتقول “فاسانتي مالك” -الباحثة في قسم التغذية في كلية “تي إتش تشان للصحة العامة”، والمشاركة في الدراسة- في تصريحات لـ”للعلم”: من المحتمل أن يُسهِم تناوُل المشروبات المحلاة بالسكر في الوفاة المبكرة من خلال إحداث خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والمرض المزمن.

ولا يبدو أن السعرات الحرارية المستهلكة من السوائل (مثل المشروبات المحلاة بالسكر) تقمع السعرات الحرارية في وقت لاحق من اليوم إلى الدرجة نفسها التي يتم بها استهلاك السعرات الحرارية من الأطعمة الصلبة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تناوُل السعرات الحرارية الزائدة وزيادة الوزن مع مرور الوقت.

وتضيف “مالك” أنه “كلما زاد عدد المشروبات المحلاة بالسكر التي يتناولها الشخص يوميًّا، زاد عدد السعرات الحرارية التي يستهلكها الفرد. وهذا عكس ما يحدث مع الطعام الصلب، إذ يميل الناس إلى تعويض وجبة كبيرة عن طريق تناوُل عدد أقل من السعرات الحرارية في وجبة لاحقة. ولا يبدو أن هذا التأثير التعويضي موجود بعد تناوُل المشروبات المحلاة بالسكر؛ لأن السوائل لا توفر الشعور نفسه بالامتلاء أو الشبع مثل الأطعمة الصلبة”.

وتوضح أن “استهلاك المشروبات المحلاة بالسكر يحفز طفرات سريعة في مستويات السكر في الدم والأنسولين، ويعزز مقاومة الأنسولين والالتهابات، وكلها عوامل ترتبط بمرض السكري والأمراض القلبية الوعائية. وتوفر هذه المشروبات أيضًا كميات كبيرة من الفركتوز ومن السكريات المضافة (مثل السكروز وشراب الذرة عالي الفركتوز) التي تحتوي عليها. تم ربط الفركتوز بنتائج عضلة القلب الضارة، وهو السكر الوحيد المعروف لزيادة مستويات حمض اليوريك والنقرس.

وتضيف: في دراسات سابقة، ارتبط تناوُل المشروبات المحلاة بالسكر بزيادة الوزن وارتفاع خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم والسكري من النوع 2 وأمراض القلب والسكتة الدماغية -وكلها يُسهم في الوفاة المبكرة.

وتتابع: يشير تحليلنا إلى أن الارتباط بين المشروبات المحلاة بالسكر ومجموع الوفيات الناجمة عن السرطان من المحتمل أن يكون مدفوعًا بسرطانات مرتبطة بالنظام الغذائي، تتضمن سرطان الثدي، وسرطان القولون بدرجة أقل.

وترى “مالك” أن المشكلة -على الأرجح- ترجع إلى مزيج من السكر والسعرات الحرارية، ولكن هناك أيضًا تأثيرات استقلابية مستقلة من الكميات الكبيرة من السكريات في هذه المشروبات. فعلى سبيل المثال تحتوي حصة الصودا على 140-150 سعرة حرارية، أي حوالي 35-37 جرامًا (أكثر من 8 ملاعق صغيرة) من السكر، والذي يصل تقريبًا إلى الحد اليومي الموصى به من منظمة الصحة العالمية لجميع السكر المضاف الذي لا يزيد عن 10٪ من إجمالي السعرات الحرارية (حوالي 200 سعرة حرارية) .

وعن مدى إمكانية تطبيق نتائج هذه الدراسة على كافة المجتمعات، تقول “مالك”: “إن هذه الدراسة أُجريت في مجموعة كبيرة من الرجال والنساء الذين هم من المهنيين الصحيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة. ومع ذلك، من المرجح أن تكون الآليات البيولوجية الأساسية هي نفسها في جميع السكان. وقد لاحظنا وجود ارتباطات بين تناول المشروبات المحلاة بالسكر والحالات ذات الصلة بأمراض القلب والأوعية الدموية لدى مختلِف السكان، لذلك يتوقع المرء أن يرى علاقةً مماثلةً مع الوفاة المبكرة في مجموعات سكنية مختلفة أيضًا”.

السكر والسرطان

وتُظهر دراسة أجراها فريق بحثي بلجيكي، ونشرتها دورية “نيتشر كومينيكيشنز” في أكتوبر من العام الماضي، وجود علاقة بين الإفراط في استهلاك السكر واحتمالات الإصابة بالسرطان، مشددةً على أن السكريات تحفز نمو الأورام السرطانية.

وأوضحت الدراسة أن الجينات الأكثر شيوعًا المسببة للسرطان، والتي تسمى بروتينات “راس” (Ras)، تولِّد الأورام العدوانية عند تناوُل السكر، وأن السكر “يوقظ” الخلايا السرطانية الموجودة، مما يجعلها تتضاعف وتتوسع بسرعة.

وتُعَدُّ مجموعة “راس“، من أوائل البروتينات “العصية على الأدوية”، فطوال أكثر من 30 عامًا، كان معروفًا أن التحوُّرات في الجينات التي تشفرها تُعَدّ من أقوى مسببات السرطان في بعض أشرس حالات السرطان وأشدها فتكًا، وتشمل حوالي 25% من أورام السرطان، وحوالي 90% من أورام البنكرياس. وبالنسبة لبعض أمراض السرطان المتقدمة، ترتبط الأورام التي تحتوي على تحورات (راس) بحالات الوفاة المبكرة أكثر من الأورام التي تخلو من هذه التحورات.

كما كشفت دراسة أجراها مركز “إم دي أندرسون” التابع لجامعة تكساس الأمريكية -الذي يُعنَى بأمراض السرطان- أن الوجبات الغذائية الغنية بالسكر تُعَدُّ عامل خطورة رئيسيًّا للإصابة بعدة أنواع من السرطان، وخاصةً سرطان الثدي.

أبحاث مضللة

كشفت دراسة أجراها باحثون بجامعة كاليفورنيا الأمريكية أن “مؤسسة أبحاث السكر” -وهي مجموعة تجارية تُعرف اليوم باسم “رابطة السكر”، وتربطها علاقة تنظيمية بالمنظمة العالمية لبحوث السكر البريطانية بلندن- دفعت أموالًا لثلاثة باحثي تغذية في جامعة هارفارد؛ من أجل إخفاء بحوث تُظهر علاقة السكر بأمراض القلب.

ووفق الدراسة المنشورة في دورية “بلوس بيولوجي”، فإن القصة تعود إلى عام 1965؛ إذ طلبت المؤسسة من الباحثين إلقاء اللوم على الدهون بدلًا من السكر فيما يتعلق بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، وقد جرى نشر الوثائق التي تفضح هذه العملية في خريف عام 2016.

كشفت الدراسة عن أن التقرير الذي نشره علماء الجامعة في دورية “نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن” آنذاك حول النظام الغذائي الأمريكي، دفع الكثيرين إلى التخلُّص من الأطعمة الدهنية واللجوء إلى الوجبات الخفيفة الغنية بالسكر، مشددةً على أن الأبحاث الجديدة أثبتت أن الإفراط في استهلاك السكر يمكن أن يكون مدمرًا للصحة.

كما أوصت هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية البالغين بعدم استهلاك أكثر من 30 جرامًا من السكر (أي سكر مضاف إلى الطعام أو الشراب) يوميًّا. وينخفض هذا الرقم إلى 24 جرامًا للأطفال بين 7 و10 سنوات، و19 جرامًا بين 4 و6 سنوات. وتُعد المنتجاتُ مرتفعةَ السكر إذا كانت تحتوي على أكثر من 22.5 جرامًا من السكر الإجمالي في كل 100 جرام، وتُعد منخفضة إذا احتوت على 5 جرامات من السكر الإجمالي للكمية نفسها.

السكر والأمراض غير السارية

وقد ربط تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية تحت عنوان “سياسات عملية من أجل نظام غذائي يحمي من الأمراض غير السارية”، بين المشروبات المحلاة بالسكريات والسمنة؛ إذ زادت السمنة في العالم بأكثر من الضِّعف منذ عام 1980، وفي عام 2014 كان أكثر من 1.9 مليار بالغ، من سن 18 عامًا فأكثر، ذوي وزن زائد، كما كان أكثر من 600 مليون شخص منهم مصابين بالسمنة، وفق التقرير.

وأوضحت المنظمة أن النظام الغذائي أصبح من أولويات خطة عمل المنظمة للوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها في المدة من 2013 إلى 2020، مشيرةً إلى أن “تسويق المشروبات المحلاة بالسكريات زاد، وبالتالي زاد الاستهلاك العالمي منها بين مختلِف الفئات، خاصةً المنخفضة والمتوسطة الدخل؛ إذ ارتفعت في تلك الفئات معدلات السمنة وزيادة الوزن والأمراض المزمنة غير السارية ذات الصلة بالنظام الغذائي”.

وحذر التقرير من الأغذية المحتوية على السكر الحر، مثل المشروبات الغازية وعصير الفواكه ومشروبات الطاقة والألبان المحلاة والشاي المثلج والقهوة والشوكولاتة الساخنة، وسكر المائدة وسكر الجلوكوز والفركتوز والسكروز التي تضيفها الشركات المصنعة أو المستهلكون إلى الأغذية والمشروبات.

البدائل المتاحة

في الختام، تنصح “مالك” بضرورة الحد من تناول المشروبات المحلّاة بالسكر، وإحلال الماء محلها، أو المياه الملأى بالفواكه الطازجة أو الخضار لتحسين الصحة والعمر بشكل عام، مضيفةً أنه “يمكن أيضًا أن تقدم القهوة والشاي بعض الفوائد الصحية، بشرط ألا تكون محملةً بالسكر والحليب عالي الدسم”، على حد وصفها.

وينصح “عبدالعزيز” بـ”عدم الإسراف في تناول المشروبات المحلاة بالسكر، واتباع نظام غذائي صحي ومتوازن؛ حتى نتجنب أي أضرار”، مشددًا على ضرورة إجراء دراسات بحثية على غرار تلك الدراسة، مخصصة لمجتمعاتنا العربية، تراعي العوامل الجينية والوراثية والظروف المعيشية ونمط الحياة الخاصة بها والسعرات الحرارية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock