مبادرة صنعاء الاقتصادية كمدخل لإنقاذ المسار السياسي
تثبت صنعاء يوما بعد آخر مقدرتها على إدارة مختلف الملفات العصية في ظل الحرب والعدوان، والخروج منها بأقل الخسائر على عكس ما خطط له العدو السعودي الأمريكي طوال سنوات الحرب وتداعياتها، بل لست أبالغ إن قلت أن هامش التحرك عسكريا وسياسيا يتسع لصالح القوى الوطنية في صنعاء، بينما يضيق على نحو ملحوظ على قوى التحالف وأدواته إن لم يكن قد وصل إلى طريق مسدود.
مع مطلع يوليو الجاري أطلق المجلس السياسي الحاكم بصنعاء مبادرة اقتصادية ذكية في توقيتها وموفقة في مضامينها، بالاضافة إلى أنها تأتي ترجمة لاحترام والتزام الطرف الوطني بمضامين اتفاق استكهولم الذي لا يزال ساري المفعول رغم تململ ما يسمى بطرف الشرعية، الذي يتخبط في مواقفه بعد أن رهن كل أوراقة بيد العدو الخارجي، وأصبح مجرد دمية يتسلى بها آل سعود وأولاد زايد.
من مؤشرات الذكاء والتوفيق في توقيت المبادرة أنها تأتي على وقع العمليات العسكرية النوعية المتوالية التي تستهدف مطاري أبها وجيزان السعوديين، ما يؤكد أن المبادرة الاقتصادية وما تنطوي عليه من رغبة أكيدة في المضي على طريق السلام، تأتي من موقع القوة، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فقد جاءت هذه المبادرة بالتوازي من انحسار التهديد الأمريكي للجمهورية الاسلامية الايرانية، وانكشاف محور الرياض-أبوظبي، في ظل خذلان واشنطن، التي دأبت إدارتها على حلب الضرع السعودي حتى إذا جاءت ساعة الحرب، قال ترامب لآل سعود: اني بريء منكم!!.
أضف إلى ذلك أن مبادرة صنعاء قد جاءت بالتوازي مع زيارة المبعوث الأممي مارتن غريفتث إلى موسكو ولقائه بوزير خارجيتها، في جولة من المقرر أن تشمل الإمارات وسلطنة عمان. ولا يخفى على المتابع أن ثمة خلاف طفا على السطح بين حكام الإمارات بشأن الموقف من إيران وحرب اليمن بعيد موقف البيت الأبيض تجاه اسقاط طهران طائرة تجسسية أمريكية دخلت مجالها الجوي. وتلى ذلك أخبار تؤكد توجه أبوظبي إلى سحب أو تقليص قواتها المشاركة في العدوان على اليمن، وتراجعها أمام الضغط السعودي الذي عبرت عنه عدة مسيرات شعبية ضد الاحتلال الإماراتي لعدد من مدن الجنوب اليمني.
ولا شك أن المبعوث الأممي سيأخذ بعين الاعتبار مضامين مبادرة صنعاء في إطار جولته الحالية. وفي حال قابل رئيس الوفد الوطني بمسقط أو قرر زيارة صنعاء سيكون ملزما بتبيان موقفه من المبادرة وعرضها كذلك على جانب الرياض ومرتزقتها، خاصة أن مضامينها غير منفصلة عن تفاهمات السويد التي كان مقررا أن تشمل الملف الاقتصادي بمختلف تفاصيله، لولا تعنت قوى العدوان.
في المضامين جاءت مبادرة صنعاء الاقتصادية لتبرهن على تعاطي صنعاء المسئول مع ملف مرتبات موظفي الدولة، وتأكيدا على الوفاء بمضامين اتفاق ستكهولم بغض النظر عن موقف أو تعنت الطرف الآخر، الأمر الذي سينعكس ايجابا على الموقف الشعبي من القوى الوطنية في صنعاء وبالذات أنصار الله، خاصة أن المزاج الشعبي المؤيد للرياض بات على قناعة من استحالة الحسم العسكري. ولم يعد يدعم استمرار الحرب العدوانية، سوى قلة انتفاعية أحرقت كل مجادفها، ولم يعد أمامها سوى الغرق والانتحار.
مبادرة صنعاء – وهذا الأهم – تفتح الباب من جديد أمام جولة تفاوضية أخرى، ولن يكون لها معنى إن لم تناقش الحل السياسي، الذي لا مناص منه، وبغض النظر عن مضامين الحل المنشود، فقد بات مؤكدا أن الوفد الوطني لن يتراجع أو يتنازل عن التفاهمات السابقة والمستمسكات التي تمكن المفاوض الوطني من انتزاعها فيما سبق من مشاورات. وسيتعين على الرياض ومرتزقتها تجرع الحلول الوسط قبل أن تأتي المتغيرات بما لا يحمد عقباه.
عبدالله علي صبري