فكرية

في رحاب آيات الجهاد

                                      بسم الله الرحمن الرحيم

الكتاب: في رحاب آيات الجهاد

ترجمة: مركز نون للتأليف والترجمة

الطبعة: 2011 م- 1432ه

نشر: جمعة المعارف الإسلامية

في رحاب

آيات الجهاد

المحتويات

الفصل الأول:

الجهاد في الأمم السابقة………….. 7

الفصل الثاني:

تشريع الجهاد في الإسلام……….. 13

الفصل الثالث:

فلسفة الجهاد………………… 23

الفصل الرابع:

أهداف الجهاد……………….. 33

الفصل الخامس:

آداب الجهاد………………… 41

الفصل السادس:

فضيلة الجهاد ومنزلة المجاهدين…… 49

الفصل السابع:

ثواب المجاهدين والشهداء………. 57

الفصل الثامن:

الاستعداد للجهاد…………….. 67

الفصل التاسع:

الإمداد الغيبي في الجهاد………… 77

الفصل العاشر:

عوامل الإنتصار والهزيمة في الجهاد… 85

الفصل الحادي عشر:

أحكام الجهاد………………. 103

المصادر…………………… 111

مقدمة

﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (الاسراء -9 )

نزل القرآن الكريم من خزانة الغيب على القلب النوراني للرسول الأكرم  صلى الله عليه واله وسلم  رحمة للعالمين, وجرى منذ ذلك الحين على ساحة عالم الوجود ليرتوي من فيض معينه ومعنوياته وهدايته عطشى طلاب الحقيقة, ولينشئوا على أساسه حياتهم الجديدة التي أسماها القرآن نفسه بـ “الحياة الطيبة”.

نحمد الله تعالى الذي أعزّنا بنعمة الإسلام, وجعل من نصيبنا شرف النهل من بحر معارف القرآن الذي لا يّحدّ ولا ينضب. ولكن كما لا يخفى فإن الاستفادة الصحيحة والفُضلى من كتاب الله العزيز تحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام بكتابه تعالى قراءةً وتفكّراً وتدبّراً لكي تتحقّق الفائدة المرجوة.

 “في رحاب آيات الجهاد” الذي أعدّه مركز التحقيقات الإسلامية، ومؤسسة القرآن والعترة وصدر في مدينة قمّ المقدّسة, وقمنا بترجمته وإخراجه بهذه الحلّة مع بعض التعديلات الطفيفة. وهو يتناول مجموعة من الآيات القرآنية التي محورها الجهاد في سبيل الله منذ تشريعه والحضّ عليه, إلى الآيات التي تتحدّث عن أوضاع المعارك والمجاهدين وأحكام الجهاد وغير ذلك, مع شرح مبسّط للمفردات, وعرض لأسباب النزول باختصار شديد, ومن ثم استخراج الأصول والعبر المستفادة من الآيات بالاعتماد على أهم التفاسير المعتبرة.

في الختام , لا يسعنا إلا أن نشكر كل من ساهم في ترجمة ومراجعة الكتاب لا سيما فريق الترجمة والتدقيق مركز نون للتأليف والترجمة.

مركز نون للتأليف والترجمة

الفصل

الأول

 الجهاد في الأمم السابقة

قال الله تعالى:

﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (آل عمران / 146).

 

شرح المفردات:

رِبِّيُّونَ: فيها أقوال: منها أنّهم علماء فقهاء، ومنها أنّهم جموع كثيرة.

وَهَنُوا: من الوهن أي الضعف، والضعف نقصان القوّة.

اسْتَكَانُوا: خضعوا للعدوا

الإشارات والمضامين:

القتال والجهاد في الشرائع السابقة: يُستفاد من الآية أنّ الجهاد- فضلاً عن وجوده في الإسلام- وُجد أيضاً في الشرائع السابقة؛ لأنّ كلمة “كَأَيِّنْ” تدلّ على أنّ الكثير من الأنبياء السابقين وأتباعهم كانوا يجاهدون الأعداء في سبيل الله.

دور أنبياء الله في الجهاد: بالنظر إلى كلمة “مَعَهُ”، يُستفاد أنّ مجاهدي الأمم السابقة كانوا يشاركون في الحروب إمّا مع أنبياء الله وإمّا تحت إشرافهم[1].

خصائص المقاتل النموذجي في ساحة الحرب: المقاتل البصير لا ينهزم على مستوى الروحية الداخلية ﴿فَمَا وَهَنُوا، ولا

 يتقاعس عن القتال ﴿وَمَا ضَعُفُوا، ولا يستسلم تحت الضغوط ﴿وَمَا اسْتَكَانُوا[2].

وجوب الإقتداء بمجاهدي الأمم السابقة: عدَّدَ الله تعالى مواصفات أتباع الأنبياء السابقين حتى يعتبر المسلمون بها، ولا يُبتلوا مرةً أخرى بما أُصيبوا به في معركة أُحُد[3].

التشجيع على الثبات في الحرب: من يصبر على تحمّل الشدائد في طريق الله، ويثبت ولا يُظهر العجز فإنّ الله يحبه، ومحبة الله تعالى عبارة عن الإعزاز للعبد الصابر والحكم له بالثواب[4]. وبيان محبة الله للمجاهدين هي تشجيع للمقاتلين المسلمين على الثبات في الحرب.

قال الله تعالى:

﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (آل عمران / 147 ).

مضمون: هذه الآية تكملة لمضمون الآية السابقة التي تحدّثت عن جهاد الربّيِّين (رجال الله).

الإشارات والمضامين:

لزوم الاقتداء بمجاهدي الأمم السابقة: يريد الله تعالى من أصحاب الرسول  صلى الله عليه واله وسلم  عند مواجهة الأعداء، أن يقولوا مقالة الربيين (رجال الله)[5]، بدل قولهم قولاً يدلّ على الضعف فيطمع الأعداء فيهم، وهي عبارة عن الدعاء والتضرّع في محضر الله، وطلب العفو وتثبيت الأقدام والانتصار على الكفّار.

تقدّم التوبة والاستغفار على طلب النصر من الله: في الآية طلب الربيون من الله تعالى غفران ذنوبهم أولاً، ومن ثم تثبيت أقدامهم والنصر على القوم الكافرين، وهذا يعني أنّ التوبة والاستغفار مُقَدَّمَان على طلب النصر.

الدور البنّاء للدعاء في ساحة القتال: لا شك أنّ الدعاء والتوجّه إلى الله من العوامل التي تزيد في ثبات المجاهدين وإرادتهم وقدرتهم على تحمّل مصاعب الحرب. ومن هنا قال علماء الأخلاق بأنّ المؤمنين أثبت من غير المؤمنين في الحرب[6]. ويبيّن الله للمجاهدين في هذه الآية كيفية الدعاء عند الشدائد، سواء في القتال أو في المواضع الأخرى[7].

ساحة المعركة ميدان التزكية وبناء الذات: يُفهم من هذه الآية أنّ الذين تربّوا في مدرسة أنبياء الله عندما يواجهون الأعداء (الجهاد الأصغر) لا ينسون جهاد النفس (الجهاد الأكبر)[8]

الفصل الثاني: تشريع الجهاد في الإسلام

قال الله تعالى:

﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (الحج / 39).

 

سبب النزول:

كان المشركون يؤذون المسلمين (في مكّة)، وكان المسلمون يأتون مراراً، مضروبين ومحين، إلى رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم ، ويشكون من ذلك، فيقول لهم، صلوات الله عليه وآله: “عليكم بالصبر فإنّي لم أؤمر بعد بالقتال”، وبعد هجرته إلى المدينة أنزل الله عليه هذه الآية، وهي أوّل آية نزلت في القتال[9].

الإشارات والمضامين:

تشريع الجهاد: هذه الآية شرَّعت الجهاد وأذنت للمسلمين بالقتال, فالمراد بقوله: ﴿أُذِنَ الإذن بالجهاد. وجملة: ﴿لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بدل قوله: (الذين آمنوا) يدلّ على أنّ المأذون فيه هو القتال (ضد المشركين) [10].

ابتداء المشركين القتال ضد المسلمين: جملة ﴿لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ مبنيّة للمجهول وفيها دلالة على أنّ المشركين هم

 الذين أرادوا الحرب، وهم شرعوا بإيقاد شعلتها[11].

علّة تشريع الجهاد ظلم المشركين للمسلمين: الباء في ﴿بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا للسببية، وفيه تعليل الإذن بالقتال، أي أُذِن لهم بالقتال لأنّهم ظُلِموا. والآية التي تليها ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ….. (الحج/40) تفسّر ماهيَّة (حقيقة) هذا الظلم[12].

قال الله تعالى:

﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (البقرة / 216 ).

 

الإشارات والمضامين:

وجوب الدفاع والجهاد على المؤمنين كافّة: عبارة ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أوجبت القتال. والآية تخاطب المؤمنين كافّة، فالجهاد والدفاع واجب عليهم كافّة، إلا من استُثني لدليل معتبر كالمريض والاعمى والجريح و…[13]، وقد أجمع المفسِّرون  على أنّ

 

هذه الآية دالّة على الوجوب الكفائي للجهاد. فإذا تخلّف الناس عنه أَثِمُوا جميعاً، وإن قام به من يكتفى بهم، سقط عن الباقين[14].

معنى كُره المؤمنين للجهاد: من الواضح أنّ الجهاد تكليف إلهي، أما في كونه مشقّة وكره للمؤمنين، فيوجد أكثر من تفسير:

الأول: أنّ في الجهاد مشقّة للمؤمنين، من هنا فلا رغبة لهم فيه، لكنّ كراهتهم فيه كراهة طِبَاع لا على وجه السخط؛ لأنّ الشيء قد يكون مكروهاً عند الإنسان في طبعه، ومن حيث تَنفُر نفسه عنه، لكنّه يقوم به لأنّ الله تعالى أمره بذلك كالصوم في الصيف[15].

الثاني: لأنّ القتال متضمّن لفناء النفوس، وتعب الأبدان، والمضارّ المالية وانعدام الأمن والرفاهية، وبالتالي كان كرهاً وشاقاً لبعض المؤمنين بالطبع.

الثالث: أنّ المؤمنين في صدر الإسلام كانوا يرون أنّ القتال مع الكفّار – مع ما لهم من العدّة والقوّة – ليس فيه صلاح الإسلام والمسلمين، وأنّ الحزم إنّما هو في تأخيره حتى يتمّ لهم الاستعداد المطلوب.

الرابع: أنّ المؤمنين لكونهم متربّين بتربية القرآن، تعرّف فيهم خُلُق الشّفقة على خَلْق الله، وملكة الرحمة والرأفة، فكانوا يكرهون القتال مع الكفّار، لكونه مؤدّياً إلى فناء نفوسٍ منهم في المعارك على الكفر، ولم يكونوا راضين بذلك، بل كانوا يحبّون أن

 يداروهم ويُخالطوهم بالعشرة الجميلة، والدعوة الحسنة لعلّهم يسترشدون بذلك[16].

مصلحة الجهاد ومفسدة تركه للمؤمنين: حيث إنّ الجهاد ينطوي على ﴿إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، إمّا النصر والغنيمة أو الشهادة والجنة، فهو منشأ خير للمسلمين وفي أدائه مصلحة. وبما أنّ في تركه ذلّ وحرمان من الغنيمة والثواب الأخروي، ففي تركه مفسدة لهم[17]. ولأنّ المؤمنين كانوا كارهين للحرب محبِّين للصّلح والسّلم أراد الله تخطئتهم في الأمرين جميعاً وتبيان أنّ ملاك المصلحة والمفسدة ليس بحسب رغبتهم وكرههم، فأورد كلمة (عسى) في الجملتين المستقلتين[18].

ترغيب المؤمنين بالجهاد: في الآية ترغيب للمؤمنين بالجهاد؛ لأنّهم إذا ما عرفوا قصور علمهم، وكمال علم الله تعالى بالمصالح والمفاسد الحقيقية لهم، وكذلك إذا علموا أنّه سبحانه لا يأمر العبد إلاّ بما فيه خيره ومصلحته، وجب عليهم الامتثال لما أمرهم الله تعالى به، سواء كان مكروهاً للطبع أو لم يكن[19].

﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة / 190 ).

أسباب النزول:

قال بعض المفسرين إنّ هذه الآية نزلت في صلح الحديبية. وبعضهم يعتقد بأنّها أول آية نزلت في الجهاد[20].

 

الإشارات والمضامين:

وجوب الدفاع: (قَاتِلُوا) فعل أمر دال على الوجوب، والمراد من عبارة ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ الذين يدفعون المؤمنين عن أداء مناسك الحجّ أو الذين يقاتلونهم ابتداءً[21]. والمقصود من عبارة ﴿وَلا تَعْتَدُوا النهي عن قتال من لم يبدأ القتال مع المسلمين[22].

تشريع الجهاد: بناءً على ظاهر الآية، فالمراد من (يُقَاتِلُونَكُمْ) بيان حال ووصف العدو، وهذا حال من كان من المشركين في مكّة. وعليه : فسياق هذه الآية مطابق لسياق الآية 39 من سورة الحج ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا …  وفيه دلالة على الإذن الابتدائي بالجهاد ضد المشركين[23].

قيمة الجهاد والدفاع كونه في سبيل الله: ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ قيد يُبيِّن أنّ هدف المجاهد المؤمن من الجهاد والدفاع هو إقامة

الدين وإعلاء كلمة التوحيد. ومثل هذه الحرب هي عبادة ويجب أن تُخاض بنيّة كسب الرضى الإلهي والتقرّب من الله تعالى، وليس الاستيلاء على أموال الناس وأعراضهم[24].

الطبيعة الدفاعية للحرب في الإسلام: يستفاد من هذه الآية أنّ الحرب في الإسلام لها بُعدٌ دفاعي، فيقرّ الإسلام مبدأ الدفاع عن الحقّ المشروع للبشر عن طريق الحرب والجهاد؛ وهذا الحقّ تعترف به الفطرة الإنسانية لكل الناس[25]. وهو الحقّ بالعيش بحرية وكرامة.

النهي عن البدء بالقتال: الآية تأمر بالقتال ضد الذين يقاتلون، وهذا بيان عن النهي عن البدء بالقتال قبل بدئهم به[26]. كما أنّ عبارة ﴿وَلا تَعْتَدُوا تعني لا تعتدوا بقتال من لم يبدأكم بقتال[27].

النهي عن قتال غير المحاربين: هذه الآية تأمر المسلمين بقتال المحاربين فقط، والنهي في ﴿وَلا تَعْتَدُوا بمعنى لا يحقّ لكم الانتقال من قتال المحاربين، إلى قتال غير المحاربين الذين لم تؤمروا بقتالهم[28].

ويحتمل أنّ المراد من النهي في ﴿وَلا تَعْتَدُوا عدم التعدّي بقتل النساء والأطفال والشيوخ[29].

وجوب الالتزام بكلّ مقررات وقوانين الجهاد والدفاع: النهي عن الاعتداء شامل، ويضمّ كلّ ما يصدق عليه أنّه اعتداء، كالقتال قبل الدعوة إلى الدين الحقّ، والابتداء بالقتال، وقتل النساء والصبيان، وعدم الانتهاء إلى العدو، وغير ذلك مما بيّنته السنة النبوية[30]. وعليه فالنهي في عبارة ﴿وَلا تَعْتَدُوا فيه دلالة على وجوب الالتزام بكلّ قوانين ومقرّرات الجهاد والدفاع حتى عن حقوق العدو في الحرب[31].

الفصل الثالث: فلسفة الجهاد

قال الله تعالى:

﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة / 251).

هذه الآية وبعض سابقاتها تشير إلى أحداث معركة طالوت، أول ملوك بني إسرائيل، مع جالوت -وهو جبّار من القبط سلّطه الله على بني اسرائيل بعد أن رفضوا إطاعة نبيّهم وعملوا المعاصي وغيّروا دين الله-. وفي هذه الحرب انتصر جيش طالوت الصغير -ولكنه كان صاحب همّة-  على جيش جالوت الجرّار بإذن الله، وقُتِل فيها جالوت على يد داوود الشاب، الذي كان في عداد جيش طالوت.

الإشارات والمضامين:

هزيمة الكفّار وانتصار المؤمنين متعلّقان بالإذن الإلهي: تعني الآية أنّ هزيمة أتباع جالوت وكذلك انتصار أتباع طالوت تحقّقا بإذن الله[32]. وأنّه لولا الإذن والنصرة والتوفيق الإلهي لما حصل ذلك أبداً[33].

حضور الشباب ودورهم في القتال: روى علي بن إبراهيم القمّي عن الإمام الصادق  عليه السلام : “إنّ الله أوحى إلى

 نبيهم (بني إسرائيل) أنّ جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى، وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب، واسمه داوود بن إيشا وكان إيشا راعياً وكان له عشرة بنين، أصغرهم داوود. فلمّا بعث الله طالوت إلى بني إسرائيل، وجمعهم لحرب جالوت، بعث إلى أيشا بأن أحضر وُلْدك فلما حضروا دعا واحداً واحداً من ولده، فألبسه درع موسى، فمنهم من طالت عليه، ومنهم من قصرت عنه، فقال لإيشا: هل خلّفت من ولدك أحداً؟ قال: نعم أصغرهم، تركته في الغنم يرعاها فبعث إليه، فجاء به فلما دُعي أقبل ومعه مقلاع… وكان داوود شديد البطش، شجاعاً، قوياً في بدنه فلما جاء إلى طالوت، ألبسه درع موسى، فاستوت عليه، قال: فجاء داوود فوقف بجانب جالوت وكان جالوت على الفيل، وعلى رأسه التاج، وفي جبهته ياقوتة تلمع نوراً، وجنوده بين يديه فأخذ داوود حجراً… فرمى به في ميمنة جالوت، ووقع عليهم، فانهزموا وأخذ حجراً آخر، فرمى به في ميسرة جالوت، فانهزموا ورمى بالثالث إلى جالوت، فأصاب موضع الياقوتة في جبهته، ووصلت إلى دماغه، ووقع إلى الأرض ميتاً”[34].هذه الرواية تُظهر دور داوود الشاب -الذي وصل لاحقاً إلى الملك والنبوة- في الحرب وهزيمة العدو.

أثر استهداف قيادة العدو في تحقيق النصر: يمكننا أن نفهم من جملة ﴿وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ في هذه الآية أنّ استهداف قيادة العدو يساهم بشكل كبير في تحقيق النصر[35].

فلسفة الجهاد والدفاع، الوقاية من الفساد والإفساد: المراد من فساد الأرض فساد من على الأرض أي فساد المجتمع الإنساني. وسعادة المجتمع تتحقّق في الاجتماع والتعاون. فلو قام فرد من أفراد المجتمع بعمل ينافي مصالح الآخرين ولم يكن لديهم حقّ الدفاع عن مصالحهم الشخصية لانقطعت الوحدة وبطل الاجتماع الإنساني[36]. وعليه لو لم يضع الله تعالى قانون الدفاع لطغى الفساد والهلاك على المجتمع الإنساني.

قانون الدفاع، تَفضُّل الهي: الدفاع مقابل المعتدي وإسقاط الظالم تفضُّلٌ من الله تعالى[37].

قال الله تعالى:

﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ  الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج / 39-40 ).

 

توضيح المعاني:

صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ: أمكنة العبادة عند اليهود والمسيحيين والمسلمين.

الإشارات والمضامين:

إخراج المسلمين من مكّة وظلم المشركين لهم: تبيّن هذه الآية السبب الذي أدّى إلى تشريع الجهاد ضد الكفّر المشركين، وهو أنّ المشركين أخرجوهم من ديارهم بمكّة بغير حقّ. وقد آذوهم وبالغوا في إيذائهم وتشدّدوا في تعذيبهم حتى اضطروهم إلى الهجرة من مكّة والتغرّب عن الوطن، وترك بعضهم الديار إلى الحبشة وآخرون إلى المدينة بعد هجرة النبي  صلى الله عليه واله وسلم  [38].

حماية المعابد والمراكز الدينية: لولا الوجود الدائم للفئة المؤمنة ووقوفها في وجه المشركين والمستكبرين على مرّ الزمن، لتمّ تخريب بيوت الله تعالى (الصوامع والكنس والكنائس والمساجد) التي يُذكر فيها اسم الله كثيراً[39].

الوعد الإلهي القاطع بنصرة المجاهدين: في هذه الآية قَسَمٌ مع تأكيد بالغ على نصر الله تعالى من ينصره بالقتال دفاعاً عن الدين الإلهي، والمعنى “أقسم لينصرنّ الله من ينصره بالدفاع عن دينه إنّ الله لقوي لا يضعفه أحد ولا يمنعه شيء عمّا أراد”[40].

حكم الدفاع في الشرائع السابقة: يُستفاد من الآية وجود حكم الدفاع في الشرائع السابقة بشكل عام وإن لم تُبيِّن كيفيته[41].

قال الله تعالى:

﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ( آل عمران / 142 )

من أهم فلسفة تشريع الجهاد في الإسلام امتحان المؤمنين ومعرفة المجاهدين منهم والصابرين، وهو ما أُشير إليه في هذه الآية بالإضافة إلى الآيات الشريفة: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (التوبة /16). و﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (محمد /  31)

الإشارات والمضامين:

تنبيه المقاتلين في أُحُد لفهمهم الخاطئ: بعدما بيّن الله سبحانه وتعالى أن الأيّام دول متداولة[42] لغرض الامتحان والابتلاء، وجّه اللّوم للمقاتلين على الظنّ الباطل بأنّهم لمّا كانوا على الحقّ، والحقّ لا يُغلب عليه، فهم غالبون ولن ينهزموا أبداً[43].

الجهاد ساحة اختبار لمعرفة المجاهدين الصابرين: نَصْبُ الفعل “يعلم” بأداة النصب “أنّ المقدرة” دلالة على أن الواو في ﴿وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ هي حرف عطف وهذا يعني أنّ معيار

 اختبار أهل الإيمان هو الجهاد المتلازم مع الصبر[44]. طبعاً ليس امتحان الجهاد من أجل أن يَعرفَ اللهُ المجاهدين والصابرين بل من أجل أن يُعرفوا، لأن الله يعلم كل شيء قبل وقوعه.

الجهاد المتلازم مع الثبات معبر الدخول إلى الجنة: “أم حسبتم” معناه “ أظننتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة بلا جهاد متلازم مع الصبر؟” [45], وعليه فإنّ الله تعالى ينفي الظنّ والافتراض بدخول الجنة بلا جهاد وصبر. ومعناه أن الجهاد المتلازم مع الصبر هو الطريق للوصول إلى الجنّة

الفصل الرابع: أهداف الجهاد

قال الله تعالى:

﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة / 193 ).

 

توضيح المعاني:

  1. فِتْنَةٌ: هنا بمعنى الشرك بالله.
  2. الدِّينُ: الإذعان والطاعة والعبادة .

الإشارات والمضامين:

من أهداف الجهاد القضاء على الشرك وعبادة الأصنام: المراد من “الفتنة” الشرك وعبادة الأصنام، وهو ما كان يفعله مشركو مكة ويُكرِهُون عليه غيرَهم[46]. ويحتمل أن تكون عبارة ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ دلالة على هذا الأمر[47]. يُبَيّن الله في هذه الآية أن الغاية والهدف من وجوب القتال مع المشركين هو إبادة الشرك: وروي أيضاً عن الإمام الصادق  عليه السلام  أن المراد من الفتنة في

 هذه الآية؛ الشرك[48].

من أهداف الجهاد حاكمية دين الإسلام: من الأهداف الأخرى للجهاد مع الكافرين والمشركين ظهور الإسلام على بقية الأديان[49].

وجوب دعوة الكفّار إلى الإسلام قبل قتالهم: تدلّ هذه الآية على وجوب دعوة الكفّار إلى الإسلام قبل قتالهم؛ لأنّ الهدف من الجهاد مع الكفّار هو إقامة حاكمية الدين الإلهي، فلا معنى للقتال من أجل تحقيق هذا الهدف بدون الدعوة إلى الدين الحق الذي يستقرّ على التوحيد[50].

“قبول الإسلام” أحد طرق “إنهاء القتال”: كلمة “انتهوا” متعلقة بالفتنة والشرك. وعليه فمعنى الآية إذا انتهى الكفّار عن الكفر والشرك وآمنوا مثلكم، فلا تقاتلوهم.

وعبارة ﴿فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ. تعني أنه إذا امتنعوا من الكفر وأذعنوا للإسلام فلا يعودوا ظالمين، ولأنّ القتال واجب مع الظالمين فلا تقاتلوهم. والمراد من العدوان الشروع في القتال[51].

القتال في الإسلام هو مقابل الظالمين فقط: إذا كان المراد من العدوان القتال، فيستفاد من الحصر في الآية أن القتال في الإسلام هو فقط ضد الظالمين ولدفع الظلم، وعلى المسلمين الاصطفاف مقابل الظالمين.

قال الله تعالى:

﴿وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (النساء/75).

 

الإشارات والمضامين:

وجوب الجهاد لتخليص المستضعفين من أيدي الظالمين: كلمة “المستضعفين” معطوفة على لفظة الجلالة “الله”[52]، والمراد

من القتال في سبيل المستضعفين -بقرينة بقية الآية- القتال لتخليصهم من براثن الظالمين.

وجملة ﴿وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ … دالة على وجوب الجهاد[53]، ومعناها أنّ موجبات الحرب قد توفرت بسبب معاناة المستضعفين على أيدي الظالمين، ولا عذر لكم في ترك الجهاد[54].

القتال لتخليص المستضعفين من مصاديق الجهاد في سبيل الله: من الممكن أن تكون كلمة “المستضعفين” معطوفة على كلمة “سبيل”[55]. وهو في هذه الحالة عطف للخاصّ على العام؛ لأنّ ما يُقام به بأمر الله لا يمكن أن يكون خارجاً عن “سبيل الله”[56].

حثّ المؤمنين على الجهاد عن طريق تحريك مشاعرهم الدينية وغيرتهم: في لفظ الاستفهام الوارد في الآية ﴿ما لكم، حثّ وتحريض للمؤمنين كافّة على الجهاد، سواء من كان إيمانه خالصاً ومن لم يكن كذلك؛ أما المؤمنون خالصوا الإيمان فيقومون بتلبية نداء ربّهم عن طريق القيام على الحقّ وأما من لم يكن إيمانه خالصاً، فإذا لم تحثّه دعوة ربّه على القيام، فإنه يُحرّض على الجهاد بواسطة الغيرة والتعصّب لتخليص الرجال

والنساء والأطفال المستضعفين من قيد الظالمين[57].

القيادة والعديد الكافي من الشرائط الأساسية للجهاد: طلب المسلمون الواقعون تحت ظلم المشركين أمرين من الله لأجل نجاتهم؛ الأوّل: الولي والقائد اللائق والغيور. والثاني: الناصر والعدد الكافي من الأفراد[58].

إستجابة الدعاء الخالص للمسلمين: استغاث المستضعفون المبتلون بالمشركين بالله تعالى وطلبوا الناصر والولي منه ولم يستغيثوا بالأقارب[59]. وكنتيجة لهذا الدعاء الخالص استجيب لهم وفُتحت مكة بواسطة المسلمين[60].

الفصل الخامس: آداب الجهاد

قال الله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (النساء / 94).

 

أسباب النزول:

بعث النبي  صلى الله عليه واله وسلم  أصحابه في سرية إلى بني غطفان، فلقوا رجلاً منهم قد هرب بغنم له إلى جبل، وكان قد أسلم فقال لهم: “السلام عليكم، لا إله إلا الله، محمد رسول الله” فبادروا إلى قتله، واستاقوا غنمه. فنزلت الآية[61].

 

توضيح المعاني:

  1. ضَرَبْتُمْ: هاجرتم أو سافرتم.
  2. فَتَبَيَّنُوا: من التبيّن بمعنى التمييز.
  3. عَرَضَ: متاع.

 

الإشارات والمضامين:

وجوب تحقّق المجاهدين من إسلام أو كفر القوى المواجهة: الضرب هو السير في الأرض والسفر وتقييده بسبيل الله يدلّ على أنّ المراد به هو الخروج للجهاد. والتبيّن هو التمييز، والمراد به التمييز بين المؤمن والكافر بقرينة قوله ﴿… وَلا تَقُولُوا لِمَنْ

 أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً…[62]. وتكرار لفظ ﴿فتبيّنوا مرتين في الآية للتأكيد على مسألة التحقُّق والتبيُّن[63].

حرمة قتل أفراد العدو في حال إظهار الإسلام: المراد من “إلقاء السلام” بقرينة “لست مؤمناً” إظهار الإسلام بقول الشهادتين أو الكلام الحاكي عن إسلامه[64]. ويمكن أن يُستفاد من سبب نزول الآية حرمة القتل، لأنّ قول “لست مؤمناً” لمن أظهر إسلامه كان مقدّمة لقتله، وقد نهي عن هذا الأمر فيها.

اكتساب المغانم ليس من الأهداف المشروعة للجهاد: المراد من ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا طلب المال والغنيمة[65]. وبناءً على دلالة هذه الآية، يجب أن لا يكون غرض المسلمين من الجهاد تحقيق أهداف مادية واكتساب المغانم؛ لأن الهدف من الجهاد الإسلامي ليس التوسّع وجمع المغانم[66].

تشجيع المجاهدين على اكتساب المغانم الأخروية: جملة ﴿… فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ… تعني أنّ ما عند الله من المغانم أفضل من مغنم الدنيا الذي يريدونه، لكثرتها وبقائها، فهي التي يجب عليهم أن يؤثروها[67].

قتل الأشخاص للحصول على المغانم من الأساليب الجاهلية المرفوضة: يظهر أنّ كلمة  “كذلك” فيها إشارة إلى جملة ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. وعليه فالمقصود من “مِن قبل” قبل الإسلام يعني عصر الجاهلية الذي كان يقتل فيه

 الناس بعضهم لأجل مال الدنيا وبلا أي مبرّر[68].

من النعم الإلهية امتناع المجاهدين المسلمين عن قتل الأشخاص بهدف الحصول على المغانم: معنى المنّة النعمة الكبيرة[69]. معنى جملة ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أنّ الله أعطاكم إيماناً صارفاً لكم عن ابتغاء عرض الحياة الدنيا إلى ما عند الله من المغانم الكثيرة، فإذا كان كذلك فيجب عليكم أن تتبيّنوا[70].

التحذير الإلهي للمجاهدين للإلتزام بالأوامر والنواهي الإلهية: يظهر من جملة ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً  بيان علّة الأمر بالتبيُّن والتحقُّق، والنهي عن الهجوم على العدو في حال أظهر إسلامه، وهذا تحذير لمجاهدي الإسلام من أجل الالتزام بالأوامر والنواهي الإلهية.

قال الله تعالى:

﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (الأنفال / 47).

لما وصلت قافلة المشركين بسلام وأخذ أبو سفيان عيره، أرسل إلى قريش أن ارجعوا، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد

بدراً، (وكان بدر موسماً من مواسم العرب)، فنقيم بها ثلاثة أيام، وننحر الخراف ونطعم الطعام، ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبداً، فلما وردوا بدراً كان المسلمون بانتظارهم فكانت المعركة وسُقوا كؤوس المنايا، وناحت عليهم النوائح[71].

هذه الآية تشرح للمسلمين كيفية خروج جيش قريش للنزول في منطقة بدر وقتال المسلمين وتحذر المسلمين من هذا الأمر[72].

 

توضيح المعاني:

بَطَراً: من البطر وهو الطغيان في النعمة ويقابله حالة الشُّكر.

رِئَاءَ: من الرياء وهو إظهار المحاسن حتى يراها الآخرون مع إخفاء المساوئ.

 

الإشارات والمضامين:

ضرورة تجنّب المجاهدين لحال الطغيان والبطر أثناء الخروج للجهاد: البَطَر هو الطغيان في النعمة ويقابله حالة الشُّكر. إذا كثرت النعم من الله على العبد فصرفها إلى مرضاته وعرف أنّها من الله تعالى فقد شكر النعمة وإذا توسّل بها إلى المفاخرة على الأقران والمكاثرة على أهل الزمان فذاك هو البطر[73].

في هذه الآية ينهى الله المجاهدين عن الطغيان مثل المشركين. فعلى المجاهدين في سبيل الله اعتبار قدرتهم نعمة إلهية، وشكر الله وحمده عليها

ضرورة تجنّب المجاهدين الرياء أثناء الخروج للجهاد: الرياء هو إظهار المحاسن حتى يراها الآخرون مع إخفاء المساوئ. وفي الآية نهي من الله عزّ وجلّ للمجاهدين عن اتخاذ طريقة مشركي قريش في معركة بدر، حيث خرجوا للرياء وسعياً لتمجيد الناس لهم ومدحهم لامتلاكهم الثروة والقدرة والشجاعة[74]. وبما أن الإخلاص هو في مقابل الرياء، يُستفاد من هذه الآية وجوب إخلاص المجاهدين في سبيل الله وأن يكون خروجهم للقتال من منطلق الإخلاص لله وحده.

هدف المشركين من إعلان معركة بدر: الحدّ من انتشار الإسلام، ودفع الناس إلى معاداة النبي  صلى الله عليه واله وسلم ، وإبعاده عن الدعوة، وأذيَّة الذين استجابوا لدعوته. والمقصود من “سبيل الله” هو الإسلام فيكون المعنى منع انتشاره[75].

تهديد المشركين الظالمين بالمجازاة والعقاب: جملة ﴿..وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ معناها أنه عز وجل عالم بأعمالهم وسيجازيهم بسبب أعمالهم (الطغيان، الرياء والصد عن سبيل الله)[76].

الالتفات إلى أنّ الله عز وجل محيط بأعمال الإنسان تُجَنِّبُهُ الطغيان، والرياء والصدّ عن سبيل الله[77]: إذا التفت المجاهدون واعتقدوا بأن الله عليم ومحيط بأعمالهم فلن يغترّوا بالقوة ولن يعملوا ليرضوا الناس ولن يصدّوا عن سبيل الله.

 الفصل السادس: فضيلة الجهاد  ومنزلة المجاهدين

قال الله تعالى:

﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (النساء / 95 ).

 

سبب النزول:

نزلت الآية في كعب بن مالك من بني سلمة، ومرارة بن ربيع من بني عمرو بن عوف، وهلال بن أمية من بني واقف،حيث تخلّفوا عن رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  يوم تَبُوك، وعذَرَ اللهُ أوليْ الضرر منهم، وهو عبد الله بن أم مكتوم[78].

 

توضيح المعاني:

أُوْلِي الضَّرَرِ: المصابين بما يمنع من القيام بأمور الجهاد كالعمى والعرج والمرض.

دَرَجَةً: منزلة.

الإشارات والمضامين:

تفضيل المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على المؤمنين القادرين القاعدين في بيوتهم: الضرر هو النقصان في الوجود المانع من القيام بأمر الجهاد والقتال كالعمى والعرج والمرض, فالمقصود

 

من ﴿غير أولي الضرر المؤمنين السالمين القادرين على الجهاد، وجملة ﴿فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً … في مقام التعليل  لجملة ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ …[79].

الجهاد بالمال والنفس من أفضل القيم في الإسلام[80]: المراد من “الجهاد بالأموال” إنفاق المال للظَّفر على أعداء الدِّين، والمراد من “الجهاد بالأنفس” القتال. وفي هذه الآية بيان لتفضيل الجهاد على القعود، وللجهاد هذه الأفضلية لأمرين:

أولاً: إذا كان في سبيل الله لا في سبيل هوى النفس.

ثانياً: بالجود بأعزّ الأشياء عند الإنسان وهو المال وبما هو أعزّ منه وهو النفس[81].

الجهاد بالمال والنفس معيار منح المناصب للأفراد: بما أن الله فضّل المجاهدين على القاعدين لذلك يجب على المجتمع أيضاً أن يقول بهذا التفضيل، وأن يجعل لهم اعتباراً خاصاً في الحياة الاجتماعية والاختيار والمنح والمعاملة[82].

الجهاد من الواجبات الكفائية[83]: بما أن الله في جملة ﴿وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى قد وعد المجاهدينَ وأيضاً المؤمنين القادرين القاعدين بالثواب الحسن، يتّضح أنّ الآية تتعلّق بالحالة التي لا يجب فيها خروج  القاعدين، بسبب كفاية من

خرج من المسلمين للقتال[84]. وكذلك يُفهم من الآية أن الجهاد من الواجبات الكفائية؛ لأنّه لو كان من الواجبات العينية لما وُعِدَ المؤمنون القاعدون بالحسنى[85].

الإيمان شرط شمول القاعدين القادرين بالثواب الإلهي: كون جملة “من المؤمنين” حال لكلمة “القاعدون”، يفهم منها أنّ مقارنة القاعدين عن القتال (وشمولهم بالثواب الإلهي) مع المجاهدين ممكنة إذا ما كان إيمانهم محفوظاً؛ أي أن لا يكون قعودهم عن الجهاد نابعاً من عدم إيمانهم بأوامر الله والرسول صلى الله عليه وآله وسلم[86].

قال الله تعالى:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (الأنفال/ 74).

يبيّن الله تعالى في الآية (72) من سورة الأنفال تولّي مجاهدي المهاجرين والأنصار بعضهم بعضاً، وفي هذه الآية

 (74) يذكِّر بعلوّ شأنهم ومقامهم الرفيع. فهذه الآية ليست تكراراً لمضمون تلك الآية [87].

الإشارات والمضامين:

أفضلية المهاجرين المجاهدين والأنصار على المؤمنين المهاجرين: عبارة ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا .. أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً تبيّن تفضيل صنفين من مؤمني صدر الإسلام أي المهاجرين والأنصار على غيرهم؛ وشهادة من الله تعالى لهم بأنهم هم المؤمنون حق الإيمان وأكمله، دون غيرهم من المؤمنين الذين أقاموا في دار الشرك مع حاجة الرسول  صلى الله عليه واله وسلم  والمؤمنين إلى هجرتهم[88].

الجهاد في سبيل الله ونصرة المؤمنين ميدان تجلّي الإيمان الحقيقي: الإيمان الحقيقي يتجلّى في الهجرة، وفي الجهاد ونصرة المسلمين المجاهدين[89]. والمهاجرون والأنصار كانوا من الذين تحقّق إيمانهم بالهجرة والنصرة[90].

قيمة الجهاد في كونه في سبيل الله: قيمة الأعمال (ومنها الجهاد) تكون عندما تكتسب دافعاً إلهياً[91].

عمل الأنصار (النصرة) في سبيل الله له نفس قيمة الهجرة والجهاد[92]: يُفهم من خلال عطف عبارة ﴿الَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا على عبارة ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ومن خلال بيان أنّهم هم المؤمنون حقاً والرزق الكريم

 لهم في الآخرة, أنّ نصرة المهاجرين والمجاهدين في سبيل الله لها نفس قيمة الهجرة و الجهاد.

تقدير الله للمهاجرين المجاهدين والمناصرين لهم: أثنى الله تعالى في هذه الآية على المهاجرين المجاهدين والأنصار من ثلاثة أوجه: أولها: قوله : ﴿أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً، فقوله : ﴿أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ يفيد الحصر وقوله : ﴿حَقّاً{ يفيد المبالغة في وصفهم بكونهم مؤمنين، وثانيها: قوله: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وتنكير لفظ المغفرة يدل على الكمال، والمعنى: لهم مغفرة تامة كاملة عن جميع الذنوب والتبعات. وثالثها: قوله: ﴿َرِزْقٌ كَرِيمٌ والمراد منه الثواب الرفيع الشريف[93].

آثار الهجرة والجهاد في سبيل الله: الهجرة والجهاد من أسباب المغفرة والرزق الإلهي[94].

الفصل السابع: ثواب المجاهدين والشهداء

قال الله تعالى:

﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (النساء / 74 ).

 

توضيح المعاني:

يَشْرُونَ: يبيعون، أي يبيعون الحياة الفانية بالحياة الباقية.

 

الإشارات والمضامين:

وجوب الجهاد: ﴿فليقاتل فعل أمر وفعل الأمر يقتضي الوجوب؛ فيكون المعنى فليجاهد في سبيل الله[95].

من خصائص المجاهدين طلب الآخرة: ﴿يشْرون معناه يبيعون، وعليه فإن معنى الآية هو الذين يبيعون الحياة الدنيوية الفانية بالحياة الاخرويَّة الباقية[96].

طلاب الدنيا لا يليقون ولا يقدرون على الجهاد: الفاء في ﴿فليقاتل تدلّ على أنّ هذه الآية هي نتيجة لما تقدّم في الآيات السابقة، والمقصود منها حثّ المسلمين على الجهاد وذمّ من يُبطئ في الخروج إليه[97]. و بما أنّ الله عزّ وجلّ طلب فقط من الذين يطلبون الآخرة أن يقاتلوا في سبيله -مع كون الجهاد واجباً على كل المسلمين- ففيه إشارة إلى أن طلّاب الدنيا غير

لائقين بالجهاد في سبيل الله ولا يقدرون عليه[98].

تنعُّم المجاهدين بالثواب الإلهي العظيم: يَعِدُ الله عزَّ وجل في هذه الآية المجاهدين في سبيله بالثواب والأجر العظيم سواءً غَلَبوا أو استشهدوا. فكلا النصر أو الشهادة عاقبة محمودة للمجاهدين، فأن يقتل في سبيل الله أو يغلب عدو الله له في أيّ حال أجر عظيم، وعدم ذكر ثالث لهما وهو الانهزام إشارةًً إلى أن المقاتل في سبيل الله لا ينهزم[99]. وهذا يدلّ على أن المجاهد لا بدّ وأن يوطّن نفسه على أحد أمرين، إمّا أن يقتله العدو، وإما أن يغلبَ العدوَ ويقهره، فإنّه إذا عزم على ذلك لم يفرّ من الخصم ولم يُحجِم عن المحاربة[100].

فضيلة الجهاد: إذا كان المجاهدون في كلا التقديرين -النصر أو الشهادة- سوف يحصلون على الأجر الإلهي العظيم فلا عمل أعظمَ وأشرفَ من الجهاد إذاً[101].

عظمة وديمومة ثواب الشّهداء: قُدِّمت الشهادة ﴿فيقتل على الغلبة ﴿أو يغلب في الآية لأنّ ثوابها أجزل وأثبت؛ لأنّ المقاتل المنتصر على عدو الله في خطر أن يحبط عمله باقتراف بعض الأعمال الموجبة لحبط الأعمال الصالحة واستتباع السيئة بعد الحسنة (مثل الغرور وما شاكل) بخلاف الشهيد في سبيل الله الذي يستوفي كل أجره العظيم حتماً[102].

الترغيب في الجهاد: بيان العاقبتين، النصر أو الشهادة، للمجاهدين فيه حثّ على الجهاد، فكأنّه يقول: هو فائز بإحدى الحسنيين: إن غُلِب، أو غَلَب ﴿فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً[103].

قال الله تعالى:

﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ( آل عمران / 195).

 

الإشارات والمضامين:

غفران الذنوب ودخول الجنة ثواب المهاجرين، المخرجين من ديارهم: يُبيّن الله في جملة ﴿… فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ… تفصيل الأعمال الصالحة لتثبيت ثوابها وأجر كلّ منها، و”الواو” لتفصيل الأعمال الصالحة دون الجمع، حتى

 لا يعتقد أحد أن الآية الشريفة تُعدِّد ثواب الشهداء المهاجرين[104].

عظمة ثواب المهاجرين، الذين أخرجوا من ديارهم، الذين أوذوا في سبيل الله، المجاهدين والشهداء: اقتران كلمة “ثَوَاباً” بعبارة “عِنْدِ اللَّهِ” دلالة على عظمة ثواب المهاجرين، الذين أخرجوا من ديارهم، وأوذوا في سبيل الله، المجاهدين والشهداء. كما أنّ عبارة ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ  تأكيد ليكون ذلك الثواب في غاية الشرف[105]؛ وهذا الثواب من الحسن ما لا يبلغه وصف واصف، ولا يدركه نعت ناعت، ممّا لا رأت عين، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر[106].

مراتب المشقّات في سبيل الله: يتحمّل المجاهدون في سبيل الله العديد من الصعوبات وهذه الصعوبات لها مراتب ومراحل؛ المرحلة الأولى الهجرة ﴿هاجروا، المرحلة الثانية الإخراج من الوطن ﴿أخرجوا، المرحلة الثالثة الإيذاء ﴿أوذوا، المرحلة الرابعة القتال ﴿قاتلوا، المرحلة الخامسة الاستشهاد في سبيل الله ﴿قتلوا[107]. وهذا الاستنباط مبني على أن “الواو” بين الجمل للترتيب.

قيمة تحمّل الإيذاء والمشقات لكونها في سبيل الله[108]: مجيء عبارة ﴿فِي سَبِيلِي بعد جملة ﴿وَأُوذُوا دلالة على أن التعرّض وتحمّل المصاعب والأذى (من ضمنها الإصابات،

 الأسر والإعاقة) يكون قَيِّمَاً  إذا ما كان في سبيل الله.

ترغيب المؤمنين في الهجرة، وتحمّل المصاعب في سبيل الله والجهاد: الآية لا تُفصِّل إلا الأعمال التي تندب إليها هذه السورة (آل عمران) وتبالغ في التحريص والترغيب فيها[109]. كما أنّ الله عز َّوجلّ يُرَغِّب المؤمنين بالأعمال المشار إليها بالوعد بالمغفرة والدخول إلى الجنة.

قال الله تعالى:

﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ ( البقرة / 154).

 

أسباب النزول:

عن ابن عباس أنّها نزلت في شهداء بدر، وقُتِل من المسلمين يومئذٍ أربعة عشر رجلاً: ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار. وكان الناس يقولون: مات فلان. فأنزل الله تعالى هذه الآية وهي أن لا يُقال فيهم أنهم أموات[110]. وعن آخرين أنّ الكفّار

والمنافقين قالوا: إنّ الناس يقتلون أنفسهم طلباً لمرضاة محمد  صلى الله عليه واله وسلم  من غير فائدة، فنزلت هذه الآية جواباً على هؤلاء[111]. وكون هذه الآية نزلت في شهداء بدر, فليس المعنى (كما ذكر البعض) أنها مخصوصة بهم، ولا تتعدّاهم إلى غيرهم[112].

 

الإشارات والمضامين:

النهي عن اعتبار الشهداء في سبيل الله أمواتاً: يجب على المؤمنين أن لا يعتبروا الشهداء في سبيل الله ضمن الأموات[113].

مقياس قيمة بذل النفس بكونه في سبيل الله: القيد ﴿في سبيل الله يبيّن أنَّ قيمة بذل النفس والقتل هو بكونه في سبيل الله.

الحياة البرزخية للشهداء: المقصود من كون الشهداء أحياء بعد الشهادة, ليس حياة اسم الشهيد وحسن الثناء وجميل الذكر له مع الزمن؛ لأنّ هذه الحياة مجّرد حياة خيالية تقديرية… بل المراد الحياة الخارجية الحقيقية. هذا المعنى تؤكّده عبارة ﴿عِندَ رَبِّهِم يُرْزَقونَ؛ لأن الرزق يستلزم حياة حقيقية وليس خيالية. لذا فالآية في صدد تبيين الحياة البرزخية للشهداء[114].

الشهادة هي الحياة الحقيقية: إنّ فطرة الإنسان تدفعه إلى البحث عن الحياة الحقيقية والخالدة، والقرآن الكريم لا يكتفي بتقديم الموت في سبيل الله والأهداف المقدسة على أنَّه طريق

 

 الوصول إلى هذه الحياة، إنما يعتبره عين هذه الحياة.

مواساة أعزاء الشهداء بتبشيرهم بالحياة الحقيقية: هذه الآية لإيقاظ وتنبيه أولياء الشهداء بأنَّ قتل أعزاءهم ليس إلا مفارقة لهم في أيام قلائل في الدنيا، وأنهم سيلحقون بهم قريباً، وهو هيِّن في قبال مرضاة الله سبحانه وتعالى، وما ناله أعزاؤهم من الحياة الطيبة، والنعمة المقيمة، ورضوان من الله أكبر[115].

تشجيع المؤمنين على القتل في سبيل الله: إخبار الله سبحانه عن حياة الشهداء البرزخية وتَنَعُّمهم عند الله يشجِّع المؤمنين على القتل في سبيل الله؛ لأنَّهم سيعرفون بأنَّهم إذا قتلوا في ميدان الجهاد فإنَّهم سيصلون إلى الحياة الخالدة والرضوان الإلهي[116].

القتل في سبيل الله من القيم السامية[117]: قرَّر الإسلام مسألة الشهادة وبيَّن منزلتها العظيمة في الآية أعلاه وآيات أخرى، لتكون عاملاً فعّالاً هامّاً على ساحة المواجهة بين الحق والباطل. وهذا العامل أمضى من أي سلاح وأقوى من كل المؤثرات[118]

الفصل الثامن: الاستعداد للجهاد

قال الله تعالى:

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ( الانفال / 60 ).

 

توضيح المعاني:

  1. مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ: كناية عن الاستعداد الكامل في مختلف الميادين .
  2. تُرْهِبُونَ: تخيفون.
  3. يُوَفَّ: الفوز بعظيم الثواب في الآخرة.

 

الإشارات والمضامين:

وجوب الاستعداد الدفاعي الشامل بالقدر الممكن: “الإعداد” تهيئة الشيء للظفر بشيء آخر، والمراد من “القوة” في الحرب كل ما يمكن به الحرب والدفاع من أنواع الأسلحة، والرجال المدرّبين ومراكز التدريب، قوله تعالى ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ .. أمر عام بتهيئة المؤمنين قدر استطاعتهم من القوى الحربية ما يحتاجون إليه لمواجهة الأعداء. وفُسِّرت “القوة” في الروايات بالسلاح، والسيف  والترس، الخضاب بالسواد والرمي وذلك من باب بيان مصاديقها [119]. وعليه فالقوّة كلمة عامة.

تعلّم الفنون العسكرية[120]، والأسلحة الحديثة لكل عصر ، وبشكل عام  كلّ أنواع القوى والقدرات المادية والمعنوية[121]. فالواجب على المسلمين في هذا العصر -بنصّ القرآن- صنع المدافع بأنواعها والبنادق والدبابات والطيارات والمناطيد وإنشاء السفن الحربية بأنواعها، ومنها الغوَّاصات. ويجب عليهم تعلّم الفنون والصناعات التي يتوقّف عليها صنع هذه الأشياء وغيرها من قوى الحرب[122].

أهمية استعداد عامة الناس في الدفاع: السرّ في توجيه الخطاب للناس في هذه الآية بعد أن كان الخطاب في الآيات السابقة موجَّهاً إلى النبي  صلى الله عليه واله وسلم ، أنّ الحكومة الإسلامية هي حكومة إنسانية؛ بمعنى مراعاة حقوق كلّ فرد واحترام إرادتهم. وعليه فالمنافع التي يهدّدها عدوّهم هي منافع كلّ فرد، وبالتالي فعلى كلّ فرد أن يقوم بالدفاع عنها. وإن كان جزء من الاستعدادات لا تقوى عليه إلا الحكومات بما لها من الاستطاعة القوية والإمكانات البالغة، ولكن بعض الأمور يمكن أن تكون على عاتق الأفراد، مثل تعلّم العلوم الحربية، فالتكليف تكليف الجميع[123].

وجوب الدفاع عن الحدود: في هذه الآية أمر أيضاً بوجوب مرابطة الفرسان في ثغور البلاد وحدودها -وهي مداخل الأعداء ومنافذ مهاجمتهم-، والمراد هنا أن يكون للأمّة الإسلامية جيش دائم مستعدّ للدفاع عنها إذا فاجأها العدو على غرّة،

 ففي السابق كانت الخيل أساس هذا الجيش لسرعتها وقدرتها على المناورة والتحرّك، وإيصالها الأخبار من ثغور البلاد إلى عاصمتها وسائر أرجاءها، ولذلك عظّم الشارع أمر الخيل وأمر بإكرامها[124].

إرهاب العدو وثنيه عن الهجوم من نتائج الاستعداد الشامل: جملة ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ هي في مقام التعليل لقوله تعالى ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ…[125]؛ بعبارة أخرى الهدف من وجوب الدفاع ورفع مستوى القدرة على القتال ليس تزويد الناس بأنواع الأسلحة المدمّرة التي تهدم المدن وتحرق البلاد والعباد، وليس الهدف منه استغلال أراضي الآخرين وممتلكاتهم، وتوسعة الاستعباد والاستعمار في العالم، بل الهدف من ذلك  ترهيب عدوّ الله وعدوّ المسلمين[126].

أصالة الصلح في الإسلام: إن تقييد الإعداد الشامل بقصد ترهيب الأعداء دليل على أفضلية جعله سبباً لمنع الحرب على جعله سبباً لإيقاد نارها، فالله عزّ وجلّ يقول استعدوا لمواجهة الأعداء عسى أن يمتنعوا عن الإقدام على قتالكم[127].

وجوب إظهار القدرة القتالية أمام العدو (الاستعراض): خوف العدو من القدرة العسكرية يستلزم معرفته بالقدرة القتالية لأهل الإيمان. وعليه يجب على المسلمين استعراض

قواهم بنحو ما في مقابل العدو[128].

هدف الاستعداد الدفاعي الشامل حفظ الإسلام والمسلمين: اقتران عبارة ﴿عَدُوَّ اللَّهِ بكلمة ﴿عَدُوَّكُمْ إشارة إلى عدم وجود منافع وأغراض شخصية في الجهاد والدفاع الإسلامي، بل الهدف هو حفظ رسالة الإسلام الإنسانية[129] والمسلمين[130].

وجوب الاستعداد العسكري لمواجهة العدو غير المعروف: يستفاد من هذه الآية وجوب عدم الاكتفاء بلحظ الأعداء المعروفين، وإنّما الالتفات أيضاً إلى العدو المجهول في الخطط والبرامج[131]. وأمّا المقصود من ﴿وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ ففيه خلاف. حيث ذكر المفسِّرون أقوالاً أشاروا فيها إلى يهود بني قريظة، الفرس، المنافقين[132]. وكلّ من لم يعرف المسلمون أنّه عدوّهم[133].

ترغيب المؤمنين على الجهاد بالمال لتحصيل الاستعداد الدفاعي الشامل: لمّا كان إعداد العدّة يقتضي أموالاً، وكان النظام الإسلامي كلّه يقوم على أساس التكافل، فقد اقترنت الدعوة إلى الجهاد بالدعوة إلى إنفاق المال في سبيل اللّه[134]. فحضّ الله تعالى في هذا المقام على إنفاق المال وغيره مما يعين على القتال فقال: ﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ أي:

ومهما تنفقوا من شيء نقداً كان أو غيره، قليلاً كان أو كثيراً في إعداد القوة للمجاهدين والمرابطين في سبيل الله، يعطكم الله جزاءه وافياً تاماً ولا ينقص من جزائه شيء[135].

توسيع نشاط المؤمنين لتحصيل الاستعداد الدفاعي الشامل: كلمة “شيء” ذات مفهوم واسع، وتشمل الروح، المال، الفكر…[136]؛ وهي أعمّ من كلمة “ خير “ في الآية 272 من سورة البقرة ﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ لأنّ الخير هنا منصرف إلى المال[137].

الجهوزية الدفاعية تصدّ الأعداء: احتمل بعض المفسرين أن جملة ﴿وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ معطوفة على جملة ﴿تُرْهِبُونَ، على هذا التقدير يكون معنى الآية أنّكم إذا ما أعددتم القوّة اللازمة لمواجهة الأعداء فسيخافون أن يهجموا عليكم، ولن يقدروا على ظلمكم وإيذائكم، وبناءً على ذلك فلن يصيبكم ظلم أبداً[138]

قال الله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انفِرُوا جَمِيعاً ( النساء / 71 ).

 

توضيح المعاني:

  1. انفِرُوا ثُبَاتٍ: إشارة إلى التوزّع على فرق متعدّدة.
  2. انفِرُوا جَمِيعاً: إشارة إلى الخروج دفعة واحدة.

 

الإشارات والمضامين:

ضرورة التيقّظ والاحتياط في مواجهة العدو: “الحِذر” و”الحَذَر” بمعنى واحد، يقال: أَخَذَ حِذرَه إذا تيقّظ واحترز من المخاوف، فيكون معنى الآية احذروا واحترزوا من العدو ولا تمكّنوه من أنفسكم[139]. ويؤكّد جزء من الآية 102 من سورة النساء ﴿أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ هذا المعنى[140].

ضرورة الاستعداد القتالي لمواجهة العدو: جملة ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ تدعو إلى التهيّؤ التام للخروج إلى الجهاد، فيكون المعنى خذوا أسلحتكم، أي أعدّوا للخروج واخرجوا إلى عدوّكم[141]. وكلمة “الحذر” أيضاً تستوعب بمعانيها الواسعة كل أنواع الوسائل المادية والمعنوية الدفاعية ويشتمل أمر “الحذر” أيضاً على الاستعداد النفسي والثقافي والاقتصادي، والإمكانيات

 البشرية والعسكرية[142].

وجوب إحداث تشكيلات لإعداد وتعبئة القوى العسكرية: الأمر الإلهي بتعبئة القوى العسكرية، يدلّ على وجوب إحداث تشكيلات وظيفتها إعداد القوى العسكرية وتعبئتها[143].

وجوب استعداد المقاتلين قبل التوجّه إلى قتال العدو: عطف عبارة ﴿فَانفِرُوا بحرف العطف فاء على جملة ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ تدّل على وجوب الاستعداد بداية ومن ثمّ الخروج لمواجهة العدو[144].

ضرورة اتخاذ التكتيك والتشكيل المناسب لمواجهة العدو: أحد الدروس المستفادة من الآية، أنّ التهيّؤ والإعداد يختلف باختلاف عدّة العدو وقوّته، فالترديد في قوله أو انفروا ليس تخييراً في كيفية الخروج، وإنّما الترديد بحسب تشكُّل العدوّ من حيث العدّة والقوّة، أي إذا كان عددهم قليلاً فيجب الخروج إليهم فرقةً فرقةً (سريّةً سريَةً) وإن كان كثيراً فيكون الخروج إليهم دفعة واحدة145

الفصل التاسع: الإمداد الغيبي في الجهاد

قال الله تعالى:

﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (آل عمران / 123).

 

توضيح المعاني:

أَذِلَّةٌ: ضعفاء عن المقاومة، قليلو العدد والعدّة.

الإشارات والمضامين:

النصرة الإلهية لمجاهدي معركة بدر: يبيّن الله تعالى في هذه الآية نصره لمجاهدي بدر بتقوية قلوبهم، وبما أمدّهم به من الملائكة، وبإلقاء الرُّعب في قلوب أعدائهم[146].

انتصار المسلمين في معركة بدر برغم قلّة الإمكانات: جملة ﴿وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ تشير إلى امتلاك عِدّة وعُدّة أقلّ من العدوّ، وعدم امتلاك القدرة على المقاومة في وجه العدو[147]. حيث كان المسلمون يعدّون في معركة بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً (مع القليل من العِدّة) وكان المشركون نحواً من ألف رجل (مع الكثير من العِدَّة)[148] ورغم ذلك فقد نصرهم الله على أعدائهم.

التوكّل على الله سبب إنزال النصرة الإلهية في معركة بدر: جملة ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ تدلّ على أنّ عامل الانتصار ببدر هو التوكّل على الله[149].

سبق التقوى موجب لنيل المجاهدين النصر الإلهي: تفريع جملة ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ على بيان النصرة الإلهية في معركة بدر، أي جملة ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ، بيان لسبب استحقاق المؤمنين لها؛ كما أنَّها تبيّن أنّ تقوى المسلمين في معركة بدر كانت السبب في جلب النصرة الإلهية لهم وانتصارهم فيها[150].

قال الله تعالى:

﴿إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (الأنفال / 11).

في هذه الآية يُذَكِّر الله عزَّ وجلّ مجاهدي معركة بدر ببعض نعمه وإمداداته الغيبية.

توضيح المعاني:

  1. يُغَشِّيكُمْ: يغطيكم، بمعنى يجعلكم تنامون.
  2. أَمَنَةً: أماناً من الأعداء.
  3. وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ: يشدّ على قلوبكم، بمعنى يشجّع قلوبكم ويزيدكم قوّة وثقة.

الإشارات والمضامين:

غلبة النعاس على المجاهدين قبل المعركة مددٌ غيبي: الضمير في “منه” عائد إلى الله، ومعنى الآية أنّ النصر والإمداد بالبُشرى واطمئنان القلوب (المشار إليه في الآية السابقة) كان في وقت أخذكم النعاس -بسبب الأمن الذي أفاضه الله على قلوبكم- فنمتم، ولو كنتم خائفين مرتاعين لم يأخذكم نعاسٌ ولا نومٌ[151].

تأثير النوم والاستراحة على أداء المقاتلين: من نتائج نعاس المجاهدين في معركة بدر أن قوّاهم الله -بواسطة هذه الاستراحة- على قتال العدو[152]، ولولا حصول هذا النعاس -وحصول الاستراحة حتى تمكنّوا في اليوم الثاني من القتال- لما تمّ النصر[153].

ضرورة التهيّؤ لمواجهة العدو حتى أثناء الاستراحة: التعبير بالنعاس من الممكن أن يكون إشارة إلى ضرورة عدم الغرق في النوم العميق حتى أثناء الاستراحة، لكي لا يستغلّ العدو الفرصة ويَغير عليكم[154]. ويمكن الاستنتاج من ذلك أنّه حتى أثناء الاستراحة يجب على المقاتلين التيقّظ والاستعداد لمواجهة العدو.

نزول المطر قبل معركة بدر إمداد غيبي: المراد من “الماء” المطر. فمن النعم والامدادت الإلهية على مجاهدي بدر، نزول الأمطار؛ لأنّ المشركين سبقوا إلى موضع الماء، واستولوا على الآبار، وطمعوا لهذا السبب أن تكون لهم الغلبة على المسلمين[155].

من أهداف الإمداد الغيبي لنزول المطر تطهير مجاهدي بدر: إنّ عدم ذكر “متعلّق” الفعل “يُطَهِّرَكُم” إشارة إلى عمومية هذا المتعلّق للنجاسات الظاهرة والباطنة[156].

من أهداف الامداد الغيبي بانزال المطر دفع وسوسة الشيطان لمجاهدي بدر: الرجز هو الرجس والقذارة والمراد برجز الشيطان القذارة التي تطرأ على القلب من وسوسته وتسويله[157]. فبعد استيلاء المشركين على آبار بدر، استغلّ الشيطان قلّة الماء للوسوسة وتخويف المجاهدين[158]. فعدّ الله دفع هذه الوساوس من أهداف إنزال المطر.

من أهداف الإمداد الغيبي بإنزال المطر تشجيع وتقوية روحية مجاهدي بدر: ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ كناية عن التشجيع[159]. وعليه يكون معنى الآية ليشدَّ على قلوبكم أي يشجِّعها، ويزيدكم قوّة قلب، وسكون نفس، وثقة بالنصر[160].

من أهداف الإمداد الغيبي بإنزال المطر تلبيد الرمل الناعم: إن هاء “به” في جملة ﴿… وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ تعود إلى المطر، على أحد الوجوه، وعلى هذا التقدير يكون معنى الآية أنّ الله أنزل ذلك المطر ليُلَبِّدَ ذلك الرمل تحت أقدامكم، وصيّره بحيث لا تغوص أرجلكم فيه، فتقدرون على المشي عليه كيف أردتم[161].

الاستقامة والثبات ثمرة الشجاعة والقوة المعنوية: يُحتمل أن تكون هاء “به” في جملة ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ، على وجه آخر، عائدة إلى “الربط” -في جملة ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ– وعلى هذا التقدير يكون معنى الآية أنّ الله أنزل المطر ليقوّي قلبكم، وقوّة القلب والشجاعة تبعثان على ثبات الأقدام والانتصار[162].

دور العناصر الجوية والطبيعية في القتال: لا يجب اعتبار العوامل الطبيعية مثل المطر، النعاس و… أموراً من قبيل الصدفة[163]. فالآثار المتعدّدة لنزول المطر التي ذُكِرَت في الآية حاكية عن تأثير العوامل الجوية في مصير المعركة.

لزوم استحضار الإمدادات الغيبية: من الممكن أن يكون العامل في جملة }إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ{ فعل محذوف (اذكروا)[164]. في هذه الحالة يوصي الله تعالى المؤمنين بذكر الإمدادات الغيبية التي أدّت إلى انتصارهم في معركة بدر.

 

 

 

الفصل العاشر: عوامل الإنتصار والهزيمة في الجهاد

قال الله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الأنفال / 45).

يشير الله عزَّ وجلّ في هذه الآية والآيتين التاليتين إلى عوامل النصر الحقيقية في القتال وهي عبارة عن: الاستقامة والثبات عند لقاء العدو، والاتصال بالله بالذكر، والطاعة لله والرسول، وتجنّب النّزاع والشّقاق، والصّبر على تكاليف المعركة، والحذر من البطر والرياء والبغي[165].

الإشارات والمضامين:

ضرورة ثبات المؤمنين عند لقاء العدو: كلمة (لقاء) المستفادة من ﴿لقيتم يكثر استعمالها في القتال. والفئة بمعنى الجماعة “جماعة المقاتلين” والمراد منها هنا الكفّار الحربيين أو الباغين[166].

(الثبات) في هذا المورد عكس الفرار من العدو، والثبات بحسب ما له من المعنى أشمل من الصَّبر الذي يأمر به في قوله: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.

عبارة (فاثبتوا) أمر بمطلق الثّبوت أمام العدو، وعدم الفرار منه[167]. ووجوب الاستقامة في هذه الآية لا يتنافى مع الآية 16 من سورة الأنفال -آية التحرّف والتحيّز أو آية تكتيكات المواجهة- ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً

إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، فهذه الآية توجب الثبات في الجملة، وآية التحرّف والتحيّز لا تعني عدم الثبات في الميدان، بل هي تجيز اللجوء إلى نوعين من أنواع القتال، ولا يتعارض ذلك مع الثبات، بل إنّ الثبات لا يحصل -في تلك الظروف- إلا بالتحرُّف والتحيُّز[168].

الثبات في مقابل العدو من لوازم الإيمان الواقعي بالله: المخاطب في هذه الآية هم المؤمنون، وفيه دلالة على أنّ الثبات في مقابل العدوّ من شروط الإيمان[169]؛ بمعنى أنّ ثبات القدم في جميع الميادين خاصّة في القتال مع أعداء الحقّ من العلامات البارزة للإيمان[170].

وجوب الذكر الدائم لله حين لقاء العدو وقتاله: ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ معطوفة على ﴿فَاثْبُتُوا. وهي في الواقع جواب الشرط ﴿إِذَا لَقِيتُمْ. وعلى هذا التقدير المقصود بالذكر في هذه الآية الذكر الكثير لله عند قتال العدو[171].

فلسفة ضرورة المداومة على ذكر الله في ميدان القتال: السبب الذي دعى إلى تقييد الذكر “بالكثير” هو تجدّد روح التقوى  عند المجاهدين كلّما لاح لهم ما يصرف نفوسهم إلى حبّ الحياة الفانية، والتمتّع بزخارفها، والخواطر النفسانية التي يلقيها الشيطان بتسويله. فالمداومة على ذكر الله تجدّد روح التقوى كلّ لحظة في قلوبهم[172].

الثبات عند لقاء العدو والمداومة على ذكر الله في ساحة القتال سبب فلاح المجاهدين: من الممكن أن يكون المقصود من الفلاح الفوز والوصول إلى الثواب في الآخرة[173]. في هذه الحال فالاستقامة وذكر الله في ساحة القتال موجبان للفلاح وفوز المجاهدين في الآخرة.

والتعبير بجملة ﴿لعلكم تفلحون -والذي يفيد أنّ الفوز الأخروي غير مؤكّد- لأنّ القتال إذا كان لأجل طاعة الله تعالى استوجب النصر أو الشهادة، أمّا إن كان القتال لأجل الثناء في الدنيا، وطلب المال، لم يكن ذلك وسيلة إلى الفلاح والنجاح[174].

قال الله تعالى:

﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال / 46).

توضيح المعاني:

لا تَنَازَعُوا: لا تختلفوا فيما بينكم.

وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ: تذهب قوتكم وهيبتكم.

الإشارات والمضامين:

ضرورة إطاعة المجاهدين لأوامر الله والرسول  صلى الله عليه واله وسلم  حول الجهاد والدفاع: ظاهر السياق أنّ المراد من جملة ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ… إطاعة وأداء ما صدر من ناحيته تعالى وناحية رسوله من التكاليف والأنظمة المتعلّقة بالجهاد والدفاع عن حومة الدين ووجود الاسلام؛ وهي ما اشتملت عليه آيات الجهاد وكذلك السنّة النبوية، كالابتداء بإتمام الحجّة قبل القتال، وعدم التعرّض للنساء والذراري (الأطفال)، وغير ذلك من أحكام الجهاد[175].

ضرورة إطاعة المجاهدين للقائد الأعلى في القتال: أي وأطيعوا الله ورسوله في هذه الأوامر المرشدة إلى أسباب الفلاح في القتال وفي غيرها، وأطيعوا رسوله فيما يأمر وينهى عنه من شؤون القتال وغيرها، من حيث إنّه هو المبيّن لكلام الله، والمنفّذ له بالقول والعمل والحكم. ومنه أيضاً ولاية القيادة العامة في القتال، فطاعة القائد العام هي أساس وقوام النِّظام الذي هو ركن من أركان الظفر؛ خاصّة إذا كان القائد العام هو رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  المؤيّد من لدنه بالوحي والتوفيق[176].

ضرورة اجتناب المجاهدين للإختلاف أثناء القتال: التَّنازع هو الميل إلى شيء ما. فكلّ واحد من المتنازعين في مسألة يميل إلى غير ما يميل إليه الآخر[177]. وفي هذه الآية ينهى الله عزَّ وجلّ المجاهدين المؤمنين عن الاختلاف والتنازع.

الضعف في القتال وفقدان الهيبة والاقتدار نتيجة اختلاف

المجاهدين: بيّن تعالى في هذه الآية أنّ النزاع يوجب أمرين: أحدهما: أنّه يوجب حصول الفشل والضّعف. والثاني: خسارة الحكم والدولة[178]. وعلى هذا التقدير يكون معنى جملة ﴿..وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ.. ولا تختلفوا بالنزاع فيما بينكم فيورث ذلكم ضعف إرادتكم، وذهاب عزّتكم ودولتكم، فإنّ اختلاف الآراء يخلّ بالوحدة ويوهن القوّة[179].

ضرورة صبر المجاهدين على مكاره القتال: الثّبات أعمّ من الصبر. الصبر ثبات قبال المكروه بالقلب بأن لا يضعف، ولا يفزع، ولا يجزع، وبالبدن بأن لا يتكاسل، ولا يتساهل، ولا يزول عن مكانه، ولا يعجل فيما لا يحمد فيه العجل، فالصبر ثبات خاصّ. وقوله: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ أي الزموا الصبر على ما يصيبكم من مكاره القتال مما يهدّدكم به العدو[180].

الله ناصر المجاهدين الصابرين: المراد من المعيّة في جملة ﴿… إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ النصرة والمعونة[181] بمعنى أنّه الضامن للفوز والنصر للصابرين[182].

الاعتقاد بمعيّة الله للمجاهدين الصابرين ممهّد للصَّبر على المكاره في القتال[183]: يستفاد من ورود جملة ﴿… إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بعد الأمر بالصَّبر مدى تأثير هذا الإعتقاد على صبر المجاهدين على مكاره القتال. وعلى هذا التقدير فجملة ﴿..إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ في نفسها محفّزة على الصبر.

قال الله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (الأنفال / 65).

توضيح المعاني:

حَرِّضْ: من الترغيب والحثّ على فعل الشيء بما يبعث على المبادرة.

الإشارات والمضامين:

ترغيب المؤمنين بقتال الكافرين من مهام قائد المجتمع الإسلامي: التحريض في اللغة مثل التحضيض ومعناه الترغيب والحثّ على شيء[184]. ويستفاد من هذه الآية أنّ من مهام القائد، حثّ الناس على الجهاد[185] وترغيبهم فيه بكافّة أسباب التحريض والترغيب، من ذكر الثواب الموعود على القتال، وبيان ما وعد الله لهم من النصر والظفر[186].

ضرورة تقوية روحيّة المقاتلين المؤمنين: مهما يكن مستوى الاستعداد لدى المقاتلين فيجب قبل بدء القتال (وبعده) تقوية البعد الروحي عندهم[187].

أهل الإيمان مكلّفين بمقاتلة الكفّار: يستفاد من جملة ﴿..مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا… في آخر الآية أنّ المراد من “القتال” قتال الكفّار[188].

الصبر والمقاومة في ساحة القتال من العوامل المهمّة لإنتصار المؤمنين على الكفّار[189]: يستفاد من توصيف المؤمنين بالصابرين، واشتراط الصّبر للانتصار على القوى الأكثر عدداً، أنّ الصّبر من العوامل المهمة للانتصار في ساحة القتال.

نفي المعادلة العددية على مستوى عدد المقاتلين المؤمنين مقابل الكفّار: هذه الآية تنفي المعادلة العددية، وتؤكّد على روحية الإيمان والصبر، وحتى لا يُعتَقد أنّ انتصار عشرين مؤمناً على مئتين فيه مبالغة، تكرّر أنّه إذا تحقّق فيهم الإيمان والصبر فإنّ مئة يغلبون ألفاً. وفي معارك صدر الإسلام مثل بدر، أُحُد، الأحزاب ومُؤْتَة، لم يكن هناك أيّ نوع من التعادل العددي[190].

عدم امتلاك البصيرة والمعرفة سبب هزيمة الكفّار في مواجهة المؤمنين الصابرين: الباء في جملة ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ للسببية، والجملة تعليلية متعلّقة بقوله: ﴿يَغْلِبُوا، وعليه معنى الآية: إن يغلب عشرون من المؤمنين الصابرين مائتين من الذين كفروا، أو يغلب مائة من المؤمنين الصابرين ألفاً من الذين كفروا؛ كلّ ذلك بسبب أنّ الكفّار قوم لا يفقهون. وفقدان الفقه  -أي العلم والبصيرة- في الكفّار لاتكائهم على هوى النفس، واعتمادهم على ظاهر ما يسوِّله لهم الشيطان. وعليه، فإنّ الكفّار متّفقون ما لم يلح لائح الموت حيث يرونه فناءاً، وأمّا

في المخاوف العامّة، والمهاول الشاملة فيتفرّقون ويفرّون بسبب الجهل الذي يلازمه الكفر والهوى[191].

البصيرة والمعرفة من عوامل الانتصار: فقدان العلم والبصيرة في الكفّار وبالمقابل ثبوته في المؤمنين هو الذي أوجب أن يغلب العشرون من المؤمنين المائتين من الذين كفروا، وإنّما يغلب المؤمنون على ما بُنيَ عليه الحكم في الآية، لأنّ المؤمنين إنّما يقدمون فيما يقدمون عن إيمان بالله، وهي القوّة التي لا يعادلها ولا يقاومها أيّ قوّة أخرى، لابتنائه على البصيرة والفهم الصحيح حيث يتم وصفهم بكلّ سجية نفسانية فاضلة كالشجاعة، والشهامة، والجرأة، والاستقامة، والوقار، والطمأنينة، والثقة بالله، واليقين بأنّه على إحدى الحسنيين. بعبارة أخرى، فإنّ فهم وبصيرة المؤمنين اللذان يترافقان مع العلم والايمان هما سبب الغلبة على الكفّار[192].

قال الله تعالى:

﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال/66 ).

أمرت الآية السابقة المسلمين بعدم الفرار من مقاتلة العدو حتى لو كان عددهم عشرة أضعاف المسلمين، بينما نزلت النسبة في هذه الآية إلى ضعفين. هذا الاختلاف الظاهري أدى إلى إعتبار البعض أنّ حكم الآية السابقة نُسِخ بهذه الآية، أو حمل حكم الآية السابقة على المستحبّ واعتبار حكم هذه الآية واجباً. واعتبر بعض المفسّرين أنّ هذا الاختلاف الظاهري ليس دليلاً لا على النسخ ولا على الاستحباب، وإنّما في كلّ آية حكم لمورد محدّد. فعندما كان المؤمنون ضعفاء كان مقياس النسبة ضعفي العدد ولكن هذه النسبة ترتفع إلى عشرة أضعاف عندما يصبح المؤمنون أقوياء ومدرَّبين. وعليه فالحُكمان المذكوران في الآيتين مرتبطان بمجموعتين مختلفتين في ظروف مختلفة[193]

الإشارات والمضامين:

الضعف الروحي من أسباب تدنّي القدرة على القتال: المراد بالضعف في عبارة ﴿وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً الضعف في الصفات الروحية الذي ينبع من ضعف الإيمان، لأنّ الإيقان بالحقّ فقط هو الذي ينبعث منه جميع السجايا الحسنة الموجبة للفتح والظفر، كالشجاعة والصبر والرأي المصيب. والدليل على

 أنّ المقصود ليس الضعف من حيث العدّة والقوّة هو أن المؤمنين كانوا يزدادون عدة وقوة في زمن النبي  صلى الله عليه واله وسلم  [194]. وعلّة الضعف الروحي للمسلمين أنه لما كَثُر عددهم اختلط بهم من كان أضعف يقيناً وبصيرة[195]. وعليه يُستفاد من هذه الآية أنّ الضعف الروحي يؤدّي إلى تدنِّي القدرة على القتال.

التخفيف إلى واحد مقابل اثنين ليتحقق النصر:  ظاهر قوله تعالى: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ… كما قيل كون الآيتين مسوقتين لبيان الحكم التكليفي، لأنّ التخفيف لا يكون إلاّ بعد التكليف، فالمراد في الآية الأولى: ليثبت الواحد منكم للعشرة من الكفّار وفي الآية الثانية: الآن خفّف الله في أمره فليثبت الواحد منكم للإثنين من الكفّار[196].

روي عن الامام الصادق  عليه السلام : “أما علمتم أنّ الله عز وجل قد فرض على المؤمنين في أول الأمر أن يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين، ليس له أن يولّي وجهه عنهم، ومن ولاَّهم يومئذ دبره فقد تبوَّء مقعده من النار، ثم حوَّلهم رحمة منه لهم، فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفاً من الله عز وجل للمؤمنين فخفّف الحكم السابق”[197].

انتصار المؤمنين الصابرين على العدو مناط بالاذن الإلهي: جملة ﴿… بِإِذْنِ اللَّهِ… تقييد لقوله ﴿يَغْلِبُوا، وعليه يكون معنى الآية أنّ الله أذن بالغلبة والنصر على الكفّار نتيجة

كونكم مؤمنون صابرون، وبذلك يظهر أن قوله: ﴿وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ يفيد فائدة التعليل بالنسبة إلى الإذن[198].

الله ناصر المجاهدين الصابرين: على الرغم أنّنا لا ندرك كنه وحقيقة المعيّة الإلهية للصابرين في الآية ﴿وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ إنّما نعلم علم اليقين أنّ من كان الله تعالى معه فهو الغالب المنصور ولن يغلبه أحد، وعليه يمكن أن نفسّرها بمعيّة المعونة والنصرة..[199]

قال الله تعالى:

﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (آل عمران / 152 ).

الوعد المذكور في الآية، كان يوم أُحُد، لأنّ المسلمين كانوا يقتلون المشركين، حتى إذا أخلّ الرماة بمكانهم الذي أمرهم الرسول  صلى الله عليه واله وسلم  بالبقاء عنده، فأتاهم خالد بن الوليد من ورائهم،

وقتل عبد الله بن جبير ومن بقي معه من الرماة، عندها رجع المشركون، وقتلوا من المسلمين سبعين رجلاً، منهم حمزة عم الرسول  صلى الله عليه واله وسلم  [200].

توضيح المعاني:

تَحُسُّونَهُمْ: تقتلونهم ، والحسّ هو القتل على وجه الاستئصال.

فَشِلْتُمْ: الفشل هو الجبن والضعف.

صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ: ردّكم عن الكفّار بعد أن أمكنكم منهم بسبب معصيتكم أمر النبي.

لِيَبْتَلِيَكُمْ: يمتحنكم ويختبر إيمانكم

الإشارات والمضامين:

تحقّق الوعد الإلهي بالنصرة في معركة أُحُد: وَعَد الله المسلمين بالنُّصرة قبل معركة أُحُد، إلا أنّه شرطها بصبر وتقوى المسلمين في قوله: ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (آل عمران / 125). في بداية المعركة كان المسلمون يلتزمون بالصبر والتقوى فصدقهم الله وعده وشملهم بنصره، ودليله على ذلك أنّ المسلمين كانوا يقتلون المشركين[201]. ولأنّ عبارة ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ متعلّقة بعبارة ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ [202].

إبادة العدو من الأهداف المشروعة للجهاد: كلمة “الحسّ”

تعني القتل على وجه الاستئصال[203]. لذا كان المسلمون يريدون في دفاعهم بوجه العدو المشرك إبادتهم بإذن الله وأمره.

التراخي، التنازع وعصيان أوامر القيادة من عوامل الهزيمة في الحرب: في معركة أُحُد أمر رسول الله   صلى الله عليه واله وسلم  جماعة من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير بحراسة الثغر الموجود في جبل “عينين” وقال لهم: “لا تبرحوا هذا المكان، فإنا لانزال غالبين ما ثبتم مكانكم”.  بعد بدء القتال وظهور علامات هزيمة المشركين، أدّت الوسوسة بجمع الغنائم إلى إيجاد أرضية التراخي، والتنازع وعصيان أوامر الرسول   صلى الله عليه واله وسلم   بين بعض الرماة، هذه العوامل أدّت بالنتيجة إلى هزيمة المسلمين في معركة أُحُد.

كلمة “فشل” تعني التراخي وضعف الرأي. والمراد من ﴿وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ الاختلاف بين الرماة؛ عبد الله بن جبير والقليل ممن كان معه قالوا يجب البقاء في الثغر وحراسته. الفئة الأخرى قالوا يجب اللحوق بالرسول   صلى الله عليه واله وسلم  لنيل الغنيمة. المراد من ﴿عَصَيْتُمْ مخالفة الفئة الأخيرة لأمر النبي  صلى الله عليه واله وسلم  بحفظ المكان[204].

الثبات، وإطاعة أوامر القيادة من أسباب تحصيل الإذن الإلهي بالنصر: كلمة “بإذنه” تفيد أنّ النصر رهن “إذن الله”، وأنّ المسلمين في المرحلة الأولى، أي قبل التراخي والتنازع وعصيان الأمر، أُذِنَ لهم بالنصر وحين تراخوا وتنازعو وعصوا رُفِعَ هذا الإذن، فيتضح إذاً أنّ الإذن الإلهي متعلّق بأداء المجاهدين[205].

انتصار المجاهدين مرتبط بالإذن الإلهي: فاعل ﴿أَرَاكُمْ هو

الله عزّ وجل، والمراد من “ما” في عبارة ﴿مَا تُحِبُّونَ النصر[206].

 طلب الدنيا يؤدي إلى التراخي، والتنازع وعصيان أوامر القيادة في الحرب: جملة ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا دليل جملة ﴿إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ[207]. وعليه يتبيّن أنّ طلب بعض المسلمين للدنيا في معركة أُحُد هيَّأ وأدى إلى التراخي والتنازع وعصيانهم لأوامر النبي  صلى الله عليه واله وسلم .

طلب الآخرة يؤدي إلى الثبات، الاتحاد وإطاعة أوامر القيادة في الحرب: بما أنّ طلب الدنيا ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا يؤدّي إلى الفشل ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ، فالصفات النقيضة للفشل هي خصائص طلاب الآخرة…[208] وبعبارة أخرى طلب الآخرة ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ يؤدي إلى الثبات والاتحاد وإطاعة أوامر القيادة في الحرب.

الانسحاب التكتيكي في الحرب أثناء الظروف الاضطرارية: بعد أن فتح المشركون الثغرة وقاموا بالهجوم المعاكس وبدء المسلمون بالانهزام انقسم المسلمون إلى فريقين: منهم من عصى بفراره من أرض المعركة لأنّه هرب مباشرة ، ومنهم من لم يعص بفراره ، لأن عددهم أصبح قليلاً بعد انهزام الفرقة الأولى، فانصرفوا بإذن الله، لئلا يقتلوا، لأن الله تعالى أوجب ثبات المائة للمئتين وهؤلاء كانوا أقل من نصف العدو، لذلك أُذِنَ لهم بالانسحاب[209].

الهزيمة في ساحة القتال امتحان إلهي: جملة ﴿صَرَفَكُمْ

عَنْهُمْ تعني أنّ الله رفع النصرة عنكم بسبب معصية أوامر الرسول  صلى الله عليه واله وسلم  ووكلكم إلى أنفسكم فانهزمتم[210]. فالهزيمة امتحان جعله الله لتتوبوا وترجعوا إليه وتستغفروه فيما خالفتم فيه أمره[211].

التراخي، التنازع وعصيان أمر النبي  صلى الله عليه واله وسلم  من الذنوب: يستفاد من جملة ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ أنّ التراخي، التنازع، وعصيان أمر النبي  صلى الله عليه واله وسلم  في معركة أُحُد من الذنوب، وكانت تستحقّ العقاب[212].

الفضل الإلهي منشأ نصرة المجاهدين والعفو عن الذنوب: منشأ جملة ﴿وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ متعلّقة بما تقدَّم من ذكر النعم الإلهية بالنصر في أول معركة “أُحُد” ثم العفو عن الذنوب التي أدّت إلى خسارة تلك المعركة[213].

الفصل الحادي عشر: أحكام الجهاد[214

قال الله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ (الأنفال / 15 ).

الإشارات والمضامين:

حرمة الفرار من وجه العدو: يُمكن أن نستفيد من الآية الكريمة حالتين من حالات حرمة الفرار من الزحف[215]. الحالة الأولى: النهي عن فرار المؤمنين إذا كان الكفّار قادمين إليهم (حالة الجهاد الدفاعي)[216]، والحالة الثانية: نهي عن فرار المؤمنين إذا كانوا ذاهبين إلى الكفّار (حالة الجهاد الابتدائي)[217].والخطاب في هذه الآية عام وحرمة الفرار من أمام العدو لا تختصّ بمعركة بدر.

فلسفة حرمة الفرار من وجه العدو: قال الإمام الرضا  عليه السلام  في بيان علّة وفلسفة حرمة الفرار من وجه العدو: “وحرّم الله تعالى الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين، والاستخفاف بالرسل والأئمة العادلة ، وترك نصرتهم على الأعداء، والعقوبة لهم على إنكار ما دُعُوا إليه من الإقرار بالربوبية، وإظهار العدل، وترك الجور، وإماتة الفساد، لما في ذلك من جرأة العدو على المسلمين وما يكون من السبي والقتل وإبطال دين الله عزَّ وجلّ وغيره من الفساد”[218]

قال الله تعالى:

﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (الأنفال / 16 ).

هذه الآية تكملة لما ورد من أحكام في الآية السابقة.

توضيح المعاني:

مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ: بأن يخدع العدو، ويوهمهم أنه ينسحب من المعركة لينصب لهم كميناً.

مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ: الالتحاق بجماعة من المقاتلين المسلمين لأنهم بحاجة إلى نصرته.

الإشارات والمضامين:

الفرار من وجه العدو من الذنوب الكبيرة وموجب لسخط الله: الفرار من الجبهة من الذنوب الكبيرة وفي هذه الآية أوجب الله للفارّ من الزحف القهر والعذاب[219]. والمنهزم يريد أن يأوي إلى مكان يأمن فيه من الهلاك، لكنّ الله يعاقبه على ذلك بأن يجعل عاقبته التي يصير إليها هي دار الهلاك والعذاب في جهنّم، أي أنه جُوزِيَ بعكس غرضه من معصية الفرار[220].

جواز الانسحاب التكتيكي في ساحة القتال: استُثني موردان في الفرار من وجه العدو لا حرمة فيهما ؛ أي أنّ الفرار من وجه العدو حرام، إلا في مثل هذين الموردين، والموردان هما: الأول: ﴿مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ ومعناه أن يذهب المقاتل من مكان إلى مكان

أفضل لجهة القتال عن طريق خدع العدو وإيهامه بفراره على الظاهر، وعندها يحمل عليه. والثاني: ﴿مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ عند فقدان المقاتل القدرة على قتال العدو، وللحصول على القدرة اللازمة يقوم بالالتحاق بفئة من قومه ليقاتل معهم[221].

قال الله تعالى:

﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (الأنفال / 67 ).

اتّفق المفسّرون على أنّ هذه الآية نزلت بعد واقعة بدر تُعاتب أهل بدر، و لأنّهم أخذوا الأسرى واقترحوا على النبي  صلى الله عليه واله وسلم  أن لا يقتل الأسرى ويأخذ منهم الفداء حتى يتفوّقوا على العدوّ من الناحية المادية ويُصلحوا أمورهم[222].

توضيح المعاني:

يُثْخِنَ: يشتد القتل ويكثر.

عَرَضَ الدُّنْيَا: متاع الدنيا.

 

الإشارات والمضامين:

منع أخذ الأسرى قبل السيطرة الكاملة على العدو: الأسرى جمع أسير، والإثخان معناه القوّة والشدّة. وعلى هذا التقدير يكون معنى عبارة ﴿حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ حتى يقوى ويشتدّ ويغلب ويقهر. وقال بعض المفسّرين إن المراد أن يبالغ في قتل أعدائه[223]. وهذه الآية تُنبّه المسلمين إلى مسألة عسكرية حساسة وهي أنّه لا يجب التفكير بأخذ الأسرى قبل الهزيمة الكاملة للعدو؛ لأنّ الانشغال بأخذ الأسرى ونقلهم إلى المكان المناسب يشغل المقاتلين عن الهدف الأصلي للقتال ويمكن أن يسمح للعدو الجريح أن يُجدِّد هجومه[224].

جواز أخذ الأسرى بعد السيطرة الكاملة على العدو: عبارة ﴿حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تدل على أن المسلمين لا يمكنهم أن يباشروا بأسر الأعداء، إلاّ بعد حصول السيطرة الميدانية على العدو[225].

عدم السعي للأسر بهدف الحصول على الفدية ومال الدنيا: المراد من ﴿عَرَضَ الدُّنْيَا مال الدنيا، لأنّه بمعرض الزوال. والخطاب ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا لمن دون النبي  صلى الله عليه واله وسلم  من المسلمين؛ لأنهم رغبوا في أخذ الفداء من الأسرى[226]. والخطاب توجّه لجميع المقاتلين لكون أكثرهم متلبّسين باقتراح الفداء على النبي صلى الله عليه واله وسلم  [227].

الهدف الأساسي من تشريع الجهاد حصول المجاهدين على المواهب الأخروية والمنافع المعنوية[228]: المسألة الأساسية في القتال في الإسلام هو الحصول على رضا الله وتقوية الحق ونجاة المستضعفين، وليس جمع الغنائم وأخذ الأسرى وافتداؤهم بالمال[229].

قال الله تعالى:

﴿يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون (الأنفال / 27 ).

سبب النزول:

قال بعض المفسّرين إن هذه الآية نزلت عندما خرج أبو سفيان من مكة، فأتى جبرائيل  عليه السلام  النبي  صلى الله عليه واله وسلم ، فقال: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا، فاخرجوا إليه واكتموا. قال: فكتب إليه رجل من المنافقين: إن محمداً يُريدكم فخذوا حِذْرَكُم، فأنزل الله هذه الآية. وقال آخرون أنّها نزلت في أبي لبابة الأنصاري الذي بعثه رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  لنصيحة يهود قريظة، فأتاهم، قالوا: ما ترى يا أبا لبابة أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار أبو لبابة بيده

إلى حلقه: إنّه الذبح فلا تفعلوا. فأتاه جبرائيل  عليه السلام ، فأخبره بذلك[230].

الإشارات والمضامين:

افشاء الأهداف والاسرار العسكرية للعدو خيانة لله، الرسول والمؤمنين: كان بعض المسلمين يُفشون أموراً من أسرار النبي  صلى الله عليه واله وسلم المكتومة عن المشركين، فنهى الله تعالى عن هذا الأمر، وعدَّه خيانة لله والرسول والمؤمنين[231].

النهي عن إفشاء الأسرار للعدوّ: النهي في ﴿لاَ تَخُونُواْفيه دلالة على المنع وحرمة الخيانة لله والرسول والمؤمنين. والتي يُعتبر إفشاء الأسرار العسكرية -بناءً على ما ذُكِر من أسباب النزول- من مصاديقها البارزة. وعلى هذا التقدير فإفشاء الأسرار العسكرية للعدوّ ممنوع وحرام.

حث المسلمين وتشجيعهم على عدم إفشاء الأسرار للعدو: المراد بقوله: ﴿وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَأنّكم تخونون الأمانات التي التزمتم بحفظها، وأنتم تعلمون أنّ كشفها يعود بالضرر عليكم، إذ يؤدي إلى ضعف المسلمين وانفضاح خططهم العسكرية أمام الأعداء. وأيُّ عاقل يُقدم على خيانة أمانة نفسه والإضرار بما لا يعود إلاّ إلى شخصه؟! فتذييل النهي بقوله ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾لتهييج العصبية الحقّة وإثارة قضاء الفطرة في هذا الأمر[232

المصادر

القرآن الكريم.

تفسير راهنما (ج1-6 و11) أكبر هاشمي رفسنجاني ومجموعة من المحقّقين، انتشارات دفتر تبليغات اسلامي حوزه علميه قم، الطبعة الأولى، 1371-1380، هـ.ش، قم.

تفسير القرآن الكريم (المنار)، محمد رشيد رضا، دار المعرفة للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، بيروت.

التفسير الكبير، الفخر الرازي، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية، طهران.

تفسير نمونه (تفسير الأمثل)، ناصر مكارم الشيرازي ومجموعة من المفكرين، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الحادية عشر، 1368 هـ.ش. طهران

تفسير نور (ج 1-4)، محسن قرائتي، مؤسسة در راه حق، الطبعة الأولى –  الرابعة، 1375 هـ.ش.، قم.

تفسير نور الثقلين، علي بن جمعة الحويزي، تحقيق على عاشور، مؤسسة التاريخ العربي، الطبعة الأولى، 1422 هـ.ق، بيروت.

في ظلال القرآن الكريم (تفسير)، سيد قطب، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الخامسة، 1386 هـ.ق، بيروت.

مجمع البيان في تفسير القرآن, الفضل بن الحسن الطبرسي، دار المعرفة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1406 هـ.ق، بيروت.

الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثانية، 1391 هـ.ق، بيروت.

[1] . تفسير نور، ج2، ص 196.

[2] . المصدر نفسه.

[3] . تفسير الميزان ، ج 4، ص 41.

[4] . التفسير الكبير، ج 9، ص 27.

[5] . تفسير مجمع البيان، ج 1-2، ص 855.

[6] . تفسير المنار، ج 4، ص 172-173.

[7] . التفسير الكبير، ج 9، ص 28.

[8] . تفسير راهنما، ج 3، ص 104.

[9] . تفسير مجمع البيان,  ج 7,  ص 138.

[10] . تفسير الميزان,  ج 14, ص 384. نص جملة الميزان:  ظاهر السياق أنّ المراد بقوله: (أُذِنَ) إنشاء الإذن لا الإخبار عن إذن سابق. كذلك إيراد جملة: }لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ{ بدل قوله: (الذين آمنوا) يدلّ على أنّ المأذون فيه هو القتال (مع المشركين).

[11] . المصدر نفسه.

[12] . تفسير الميزان,  ج 14, ص 384.

[13] . تفسير الميزان، ج 2، ص 164. نص عبارة الميزان: عبارة }كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ{ ظاهرة في الوجوب. وبما أنّ المخاطَب في هذه الآية المؤمنون كافّة، فالجهاد والدفاع واجب عليهم كافّة، إلا من استُثني لدليل معتبر مثل قوله تعالى: }لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ….{.

[14] . تفسير مجمع البيان، ج 1-2، ص 549.

[15] . المصدر نفسه.

[16] . تفسير الميزان، ج 2، ص 164-165.

[17] . تفسير مجمع البيان، ج 1-2، ص 549.

[18] . تفسير الميزان، ج 2، ص 166.

[19] . المصدر نفسه.

[20] . تفسير مجمع البيان، ج 1-2، ص 509-510، والتفسير الكبير، ج 5، ص 127-128.

[21] . االتفسير الكبير، ج5، ص 128.

[22] . تفسير مجمع البيان، ج 1-2، ص 510.

[23] . تفسير الميزان، ج2، ص 60.

[24] . تفسير الميزان، ج2، ص 61.

[25] . المصدر نفسه.

[26] . تفسير راهنما، ج1، ص 474.

[27] . تفسير مجمع البيان، ج 1-2، ص 510.

[28] . المصدر نفسه.

[29] . التفسير الكبير، ج5، ص 128.

[30] . تفسير الميزان، ج 2،  ص 61.

[31] . تفسير راهنما، ج1، ص 474.

[32] . تفسير راهنما، ج2، ص 195.

[33] . التفسير الكبير، ج 6، ص 188.

[34] . تفسير مجمع البيان، ج 1-2، ص 620.

[35] . تفسير راهنما، ج 2، ص 195.

[36] . تفسير الميزان، ج 2، ص 293-294.

[37] . تفسير نور، ج 1، ص 497.

[38] . تفسير الميزان، ج 14، ص 384.

[39]. تفسير الميزان، ج 14، ص 595.

[40] . تفسير الميزان، ج 14، ص 386.

[41] . المصدر نفسه.

[42]. كما في قوله تعالى: }وتلك الأيام نداولها{ (آل عمران: 140)، أي نُديرها ونصرفها بينهم نُديل لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى.

[43] . تفسير الميزان ، ج 4، ص 30.

[44]. تفسير راهنما، ج3، ص . والتفسير الكبير، ج 9، ص 19.

[45] . تفسير مجمع البيان، ج 5، ص 846.

[46] . تفسير الميزان،  ج 2، ص 62.

[47] . التفسير الكبير، ج 5، ص 133. و تفسير الميزان ج2، ص 62.

[48] . تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 513.

[49] . تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 513 و تفسير راهنما، ج 1، ص 480.\

[50]  . تفسير الميزان، ج 2، ص 62.

[51] . تفسير مجمع البيان، ج 1-2، ص 513.

[52] . تفسير الميزان، ج3، ص 470.

[53] . التفسير الكبير، ج 10، ص 181.

[54] . تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 116.

[55] . نفس المصدر.

[56] . تفسير راهنما، ج 3، ص 470.

[57] . تفسير الميزان، ج 4، ص 419.

[58] . تفسير نمونه، ج 4، ص 11 (تفسير الأمثل).

[59] . تفسير الميزان، ج 4، ص 419-420.

[60] . تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 117.

[61]. تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 163.

[62] . تفسير الميزان، ج 5، ص 41.

[63] . تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 146.

[64] . تفسير راهنما، ج 3، ص 523.

[65] . تفسير الميزان، ج 5، ص41.

[66] . تفسير نمونه، ج4، ص 74 (تفسير الأمثل).

[67] . تفسير الميزان، ج5، ص 41.

[68] . تفسير راهنما، ج 3، ص 525.

[69] . المصدر نفسه

[70] . تفسير الميزان، ج5، ص 41.

[71] . تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 843 / بتصرف.

[72] . تفسير المنار، ج10، ص 27.

[73].  التفسير الكبير، ج15، ص 173.

[74] . تفسير المنار، ج10، ص 26-27.

[75] . المصدر نفسه.

[76] . تفسير مجمع البيان، ج3-4، ص 843.

[77] . تفسير راهنما، ج6،ص512.

[78] . تفسير مجمع البيان، ج3-4، ص147.

[79] . تفسير الميزان، ج5، ص 45-46.

[80] . تفسير راهنما، ج3، ص528.

[81] . تفسير الميزان، ج5، ص 45-47.

[82] . تفسير راهنما، ج3، ص528، وتفسير نور، ج2، ص 416.

[83] . تفسير راهنما، ج 3، ص 528.

[84] . تفسير الميزان، ج5، ص46.

[85] . تفسير مجمع البيان، ج3، ص148، و التفسير الكبير، ج11، ص9.

[86] . تفسير راهنما، ج 3، ص 528.

[87] . التفسير الكبير، ج 15، ص 389.

[88] . تفسير المنار، ج10، ص 113.

[89] . تفسير نور، ج 4، ص 389.

[90] . تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 864.

[91] . تفسير نور، ج 4، ص 389.

[92] . تفسير راهنما، ج 6، ص 581.

[93] . التفسير الكبير، ج 15، ص 312.

[94] . تفسير نور، ج 4، ص 389

[95] . تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 115.

[96] . المصدر نفسه.

[97] . تفسير الميزان، ج4، ص 418

[98] . تفسير راهنما، ج3، ص468.

[99] . تفسير الميزان، ج4، ص 418 – 419.

[100] . التفسير الكبير، ج10، ص 181.

[101]. التفسير الكبير، ج1، ص181.

[102]. تفسير الميزان، ج4، ص 419.

[103]. تفسير مجمع البيان، ج3-4، ص 116.

[104]. تفسير الميزان، ج4، ص 88.

[105]. التفسير الكبير، ج9، ص 151

[106]. تفسير مجمع البيان، ج1-2، ص 914.

[107]. تفسير نور، ج2، ص263-264.

[108] . تفسير راهنما، ج3، ص 255.

[109]. تفسير الميزان، ج4، ص88.

[110]. تفسير مجمع البيان، ج1-2، ص433، والتفسير الكبير، ج4، ص145.

[111]. التفسير الكبير ج4، ص 145.

[112] . تفسير الميزان، ج1، ص 348.

[113]. تفسير راهنما، ج1، ص 393.

[114]. تفسير الميزان، ج1، ص 345-346.

[115] . المصدر نفسه، ص 347.

[116] . تفسير راهنما، ج1، ص 393.

[117] . المصدر نفسه.

[118] . تفسير نمونه، ج 1، ص 522 (تفسير الأمثل).

[119] . تفسير الميزان، ج 9، ص 114.

[120] . التفسير الكبير، ج 15، ص 185.

[121] . تفسير نمونه، ج 7، ص 222 (تفسير الأمثل).

[122] . تفسير المنار، ج 10، ص 62.

[123] . تفسير الميزان ، ج 9، ص 115.

[124] . تفسير المنار، ج 10، ص 61.

[125] . تفسير الميزان، ج 9، ص 116.

[126] . تفسير نمونه، ج7، ص 225 (تفسير الأمثل).

[127] . تفسير المنار، ج 10، ص 66.

[128] . تفسير راهنما، ج6، ص 542.

[129] . تفسير نمونه، ج 7، ص 226 (تفسير الأمثل).

[130] . تفسير نور، ج 4، ص 368.

[131] . تفسير نور، ج 4، ص 368

[132] . تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 853.

[133] . تفسير الميزان، ج 9، ص 116.

[134] . تفسير في ظلال القرآن، ج 4، ص 50.

[135] . تفسير المنار، ج 10، ص 67.

[136] . تفسير نمونه، ج7، ص 228-229 (تفسير الأمثل).

[137] . تفسير الميزان، ج 9، ص 117.

[138] . تفسير نمونه، ج 7، ص 229 (تفسير الأمثل).

[139] . التفسير الكبير، ج 10، ص 176.

[140] . تفسير نمونه، ج 4، ص 3 (تفسير الأمثل).

[141] . تفسير الميزان، ج 4، ص 416.

[142] . تفسير نمونه، ج 4، ص 3 (تفسير الأمثل).

[143] . تفسير راهنما، ج 3، ص 463.

[144] . المصدر نفسه.

[145] . تفسير الميزان، ج 4، ص 416.

[146] . تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 828.

[147] . تفسير مجمع البيان، ج 2،ص828، والتفسير الكبير، ج8، ص 209.

[148] . تفسير مجمع البيان، ج 2، ص828.

[149] . تفسير راهنما، ج3، ص 46.

[150] . تفسير راهنما، ج3، ص 47-48.

[151] . تفسير الميزان، ج9، ص 21-22.

[152] . تفسير مجمع البيان، ج3، ص 808.

[153] . التفسير الكبير،ج15، ص 132.

[154] . تفسير نمونه، ج7، ص105 (تفسير الأمثل).

[155] . التفسير الكبير، ج15، ص133.

[156]. تفسير راهنما، ج6، ص 433.

[157] . تفسير الميزان، ج9، ص 21

[158] . تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 808، والتفسير الكبير، ج15، ص 133.

[159] . تفسير الميزان، ج 9، ص 22

[160] . تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 809.

[161] . التفسير الكبير، ج15، ص 134، و تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 809.

[162] . المصدر نفسه.

[163] . تفسير نور، ج 4، ص 297.

[164] . تفسير مجمع البيان ج 3- 4 , ص 806.

[165] . تفسير في ظلال القرآن، ج 4، ص 25.

[166] . تفسير المنار، ج 10، ص 21.

[167] . تفسير الميزان، ج9،

[168] . التفسير الكبير، ج15، ص 171.

[169] . تفسير نور، ج4، ص 348.

[170] . تفسير نمونه، ج4، ص 348 (تفسير الأمثل).

[171] . تفسير راهنما، ج 6،  ص 508

[172] . تفسير الميزان، ج 9، ص 95.

[173] . تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 842، وتفسير المنار، ج 10، ص 22.

[174] . التفسير الكبير، ج 15، ص 171.

[175] . تفسير الميزان، ج 9، ص 95.

[176] . تفسير المنار، ج 10، ص 24.

[177] . المصدر نفسه.

[178] . التفسير الكبير، ج 15، ص 172.

[179] . تفسير الميزان، ج 9، ص 95.

[180]. المصدر نفسه، ص 94-96.

[181] . التفسير الكبير، ج 15، ص 172.

[182]. تفسير في ظلال القرآن، ج 6، ص 510.

[183] . تفسير راهنما، ج 6، ص 510.

[184] . التفسير الكبير، ج15، ص 192.

[185] . تفسير نور، ج 4، ص 376.

[186] . تفسير مجمع البيان، ج 3-4، ص 856.

[187] . تفسير نمونه، ج 7، ص 236 (تفسير الأمثل).

[188] . تفسير راهنما، ج 6، ص 554-555.

[189] . المصدر نفسه، ص 556.

[190] . تفسير نور، ج 4، ص 375-376.

[191] . تفسير الميزان، ج 9، ص 122-123

[192] . المصدر نفسه.

[193] . تفسير نمونه، ج 7، ص 238-239 تفسير الأمثل).

[194] . تفسير الميزان، ج 9، ص 123.

[195] . تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 856.

[196] .  تفسير الميزان، ج 9، ص 125.

[197] . تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 59.

[198] . تفسير الميزان، ج 9، ص 122.

[199] . تفسير المنار، ج 10، ص 80.

[200] . تفسير مجمع البيان، ج 1-2، ص 858.

[201] . المصدر نفسه.

[202] . تفسير راهنما، ج3، ص 116.

[203] . تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 858، والتفسير الكبير، ج9، ص 35.

[204] . تفسير الميزان، ج 4، ص 44، و تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 859.

[205] . تفسير راهنما، ج 3، ص 117.

[206] . المصدر نفسه، ص 118.

[207] . المصدر نفسه.

[208] . تفسير راهنما، ج 3.

[209] . تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 859.

[210] . تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 859.

[211] . التفسير الكبير، ج 9، ص 38.

[212] . تفسير راهنما، ج 3، ص 119، والتفسير الكبير، ج 9، ص 38.

[213] . التفسير الكبير ج 9، ص 39.

[214] . تمت الإشارة هنا إلى بعض الأحكام فقط.

[215] . التفسير الكبير، ج 15، ص 137.

[216] . تفسير راهنما، ج6 ، ص 441

[217] . تفسير المنار، ج 9، ص 617.

[218]  . تفسير نور الثقلين، ج3، ص 26.

[219] . تفسير نور، ج 4، ص 303.

[220] . تفسير المنار، ج 9، ص 617.

[221] . تفسير الميزان، ج 9، ص 37 وتفسير مجمع البيان، ج 3، ص 813.

[222] . تفسير الميزان ، ج 9، ص 134.

[223] . التفسير الكبير، ج 15، ص 201.

[224] . تفسير نمونه، ج 7، ص 244 (تفسير الأمثل).

[225] . التفسير الكبير، ج15، ص 201.

[226] . تفسير مجمع البيان، ج 3، ص 858.

[227]. تفسير الميزان، ج 9، ص 136.

[228] . تفسير راهنما، ج 6، ص 562.

[229] . تفسير نور، ج 4، ص 380.

[230] . تفسير مجمع البيان ج 3، ص 823 – 824.

[231] . تفسير الميزان، ج 9، ص 54-55.

[232] . تفسير الميزان، ج 9، ص 55.

المصدر: متابعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock