مظلوميّةُ الزهراءِ (عليها السلام)
رُويَ أنّ النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال: «يا فاطمة، إنّ اللهَ ليغضبُ لغضبكِ، ويرضى لرضاكِ»[1].
إنّ أعظمَ مقامٍ وصلتْ إليهِ السيّدةُ فاطمةُ سلامُ اللهِ عليها… هو مقامُ «يرضى اللهُ لرضاها، ويغضبُ لغضبِها»[2]. وعَظَمةُ هذا المقامِ عندما نلاحظُ أنّ الراضيَ هو اللهُ سبحانه وتعالى، جبّارُ السمواتِ والأرضِ، الذي له الأسماءُ الحسنى، مَلِكُ السمواتِ والأرض، مَلِكُ الدنيا والآخرة، اللهُ العظيمُ، الكبيرُ، القديرُ، العليمُ، الحكيم… وهذا يعني أنّها عليها السلامُ وصلتْ إلى مرتبةٍ كانَ كلُّ ما لديها هو للهِ عزَّ وجلَّ.
وفي روايةٍ أنَّ أحدَهم، ويُدعى (صندل) جاءَ إلى الإمامِ الصادقِ (عليه السلام)، فقال: «يا أبا عبدِ الله، إنّ هؤلاء الشبابَ يجيئونا عنكَ بأحاديثَ مُنْكَرَة»، فقالَ له جعفرٌ (عليه السلام): «وما ذاك، يا صندل؟» قال: «جاؤونا عنْكَ أنَّكَ حدَّثْتَهُم أنَّ اللهَ ليغْضَبُ لغَضَبِ فاطمة، ويرضى لرضاها». قال: فقالَ جعفرٌ (عليه السلام): «يا صندل، ألستُم رُوِّيتُم فيما تروونَ أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى ليغْضَبُ لغَضَبِ عبدِه المؤمن، ويرضى لرضاه؟» قال: «بلى»، قال: «فما تنكرونَ أنْ تكونَ فاطمةُ (عليها السلام) مؤمنةً يغضبُ اللهُ لغضبِها ويرضى لرضاها!» قال: فقال له: «اللهُ أعلمُ حيثُ يجعلُ رسالتَه»[3].
ومنْ خلالِ معرفةِ مكانةِ السيّدةِ فاطمةَ سلامُ اللهِ عليها ومنزلتِها، نعرفُ عظيمَ المصابِ بفقدِها، ولا سيَّما على أهلِ البيتِ (عليهم السلام) في ذلك الزمان؛ أي على أميرِ المؤمنين والحسنِ والحسين، تقول الرواية: ونزلَ عليٌّ عليه السلام إلى القبر، واستلمَ بضعةَ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآلِه، وأضْجَعَها في لحْدِها: وقال: «يا أرض، أستودِعُكِ وديعتي هذهِ بنتَ رسولِ الله»[4]، «بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم، بسمِ اللهِ وباللهِ وعلى ملّةِ رسولِ اللهِ محمّدِ بنِ عبدِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآلِه، سلّمْتُكِ -أيّتُها الصدّيقةُ- إلى مَن هو أولى بكِ منّي، ورضيتُ لكِ بما رضِيَ اللهُ تعالى لكِ»[5]، ثمَّ قرأَ: ﴿مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى﴾[6]، ثمَّ خرجَ مِنَ القبر، وتقدَّمَ الحاضرونَ وأهالوا الترابَ على تلك الدُرَّةِ النبويّة، وسوّى عليٌّ عليه السلام قبرَه.
وبمراجعةِ ما وردَ مِنْ رثاءِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) للزهراءِ سلامُ اللهِ عليها، ندركُ الألمَ العميقَ في نَفْسِه للزهراءِ (عليها السلام)؛ لأنَّ شهادتَها لم تكنْ عاديّة، بل رحلتْ وفي نفسِها غُصَّةٌ لم تتمكنْ مِنْ أنْ تبثَّها في الأشهُرِ الأخيرةِ من حياتِها، رثاها أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) بكلماتٍ قائلاً: «أَمّا حُزْني فَسَرْمَدٌ، وَأَمّا لَيْلي فَمُسَهَّدٌ، وَهَمٌّ لَا يَبْرَحُ الحُزْنُ مِنْ قَلْبي إِلى أَنْ يَخْتَارَ اللّهُ لي دَارَكَ الَّتي أَنْتَ بِهَا مُقيمٌ. كَمَدٌ مُقَيِّحٌ، وَهَمٌّ مُهَيِّجٌ. سُرْعَانَ مَا فَرَّقَ اللّهُ بَيْنَنَا، فَإِلَى اللّهِ أَشْكُو. وَسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَيَّ وَعَلى هَضْمِهَا حَقَّهَا، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ، وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ، فَكَمْ مِنْ غَليلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلى بثَهِّ سَبيلًا. وَسَتَقُولُ، وَيَحْكُمُ اللّهُ، وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمينَ»[7].
ختاماً، نرفعُ آياتِ العزاءِ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجَّلَ اللهُ تعالى فَرَجَه) ولوليِّ أمرِ المسلمينَ وللمجاهدينَ جميعاً بذكرى شهادةِ الصدِّيقةِ الزهراءِ صلواتُ اللهِ عليها.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج43، ص44.
[2] المصدر نفسه، ج43، ص21.
[3] المصدر نفسه، ج43، ص22.
[4] المصدر نفسه، ج43، ص215.
[5] المصدر نفسه، ج79، ص27.
[6] سورة طه، الآية 55.
[7] راجع: الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص459 (قريب منه).