مجتمع

الجامعة حاضنة المعنويات

الجامعات هي بيئة تتراكم فيها الطاقات وتتضافر، وهذه الطاقات ناشئةٌ من عنصرين أساسيين، أحدهما الفتوّة والشباب، فالكثير من الشباب أنفسهم لا يقدّرون نعمة الشباب وطاقته، أي أنّهم لم يكتشفوا في أنفسهم الطاقات اللامتناهية، والتي لا حدّ لها، الموجودة في البيئة الشبابيّة. إنّ الشباب منبعٌ فيّاضٌ لا ينتهي من الطاقات.

*التوجّه إلى العلم قوّة
والعنصر الثاني هو نفس قضية العلم والمعرفة والجامعة. فإنّ كون الإنسان جامعيّاً يمنحه القدرة. فالتوجّه إلى العلم والاعتناء بالمعرفة، هو بحدّ ذاته مانحٌ للقوّة ومضاعفٌ لها. أي أنّ حالة النشاط والحيويّة والبعد عن الفتور والثقة بالنفس هي كثيرة في البيئة الجامعية. لهذا إنّ كلّ ما نتوقّعه من الجامعيين والأعمال الصعبة التي نطلبها منهم ليست مبالغة، لأنهم تيّارٌ متدفّقٌ وطاقاتٌ لا تنضب، ولو تحرّرت ووُجّهت توجيهاً صحيحاً لأمكنها أن تُعمر الأمة بصورة كاملة.

*محورية القيم والمبادئ
إنّ من الأمور التي نتوقّعها من الجامعيين – وهو أمرٌ موجودٌ بصورة طبيعية في الجامعات وفي البيئة الشبابية – هو التوجّه إلى القيم [محورية القيم والمبادئ].
فالتوجّه إلى القيم سواءٌ في السياسة أم في الميادين الأخرى هو – كالتوجّه إلى القيم في العلم – مورد اهتمام. ففي مجال القضايا العلميّة يجب أن يكون هذا التوجّه سعياً إلى القمّة، وأن يثمر بشكلٍ جيّد، في توجّه الطلاب إلى الدراسة. لأن جهاد الجامعي اليوم هو في وظيفته الأساس: الدراسة، والتعلّم، والتحقيق والجدّية. وكذلك يجب أن يكون التوجّه نحو القيم في مجال المعنويات والأخلاق، فالبيئة الجامعية والبيئة الشبابية يجب أن تكون بيئةً طاهرةً صافية وهي بحاجة إلى التقيّد بالدين والتمسّك به وبالأخلاق وأمثالها، وليس كما يتصور بعض الناس.
لقد كان بعض الناس يتصوّر في السابق أنّ الذهاب إلى الجامعة يتلازم مع التحرّر واللامبالاة، خاصة في قضايا الدين والأخلاق والحجاب والطهارة والعفّة الدينية والأخلاقية. وهذا رأيٌ خاطئٌ تماماً؛ لأنّ الجامعة هي المكان الحاضن للمعنويّات، والعلم قيمة معنوية وروحية. البيئة الجامعية هي بيئة شبابية، إيمانية، خاصة في بلدنا، فالجامعيون هم أكثر الناس تديّناً، بل إن الالتزام بالدين يقوى مع الدخول إلى الجامعة. لهذا فإنّ التوجّه إلى القيم والمعنويات والأخلاق هو أمرٌ معتبرٌ، كما في السياسة، كذلك في العلم وفي جميع أمور الحياة.

*التوجه إلى القيم
وفيما يتعلّق بشأن التوجّه إلى القيم أعرض، باختصار، أمرين.
– أولاً: لا ينبغي أن يشتبه علينا الأمر بين تلازم التوجّه إلى القيم وبين الشدّة والعنف. فلا ينبغي أن نتصوّر أنّ كل من كان ذا نزعةٍ قيميَّة هو أكثر حدّةً، ففي الآية الشريفة يقول تعالى: ﴿أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ﴾ (الفتح: 29). والشديد هو الصلب الذي لا يمكن أن ينفذ إليه شيء. فإذا احتكّ بجسمٍ آخر فإنّه يؤثّر فيه دون أن يتأثّر. قد تتغلّب العواطف على الإنسان أحياناً فيرغب القيام بعملٍ ما. وهذه المرحلة الشبابية هي مرحلة المشاعر والأحاسيس، التي تنبغي السيطرة على بعضها (الأحاسيس) أحياناً.
فاتّخاذ القرار أحياناً على أساس إحساسٍ ما، ودون أي مطالعة دقيقة ودراسة معمّقة وعلميّة له، سيكون حتماً قراراً خاطئاً.
في الأساس يجب ملاحظة المصلحة، والحقيقة نفسها هي من المصالح. والمصلحة نفسها هي من الحقائق أيضاً، فلو كان هناك تفكّرٌ صحيحٌ في الحقيقة فيجب رعاية المصلحة.
يجب الالتفات إلى معنى التوجّه نحو القيم وعمقه. فباختصار إنّ التوجّه إلى القيم والمبادئ يعني التمسّك بالقيم والأصول والمبادئ والحصانة أمام الأعداء.

*الجامعة وضرورة المشاركة المادية والفكرية
– ثانياً: إن الحضور المادّيّ والفكريّ في القضايا العامّة للبلد من جانب الفئة الجامعية يُعدّ ضرورياّ حتماً. فالمشاركة الفكرية ضرورية أيضاً من خلال التجمّعات الجامعية والتصريحات والمواقف التي تظهر هنا وهناك. إنّني أؤيّد بعض التجمّعات الجامعية، التي تكون من أجل القضايا الاقتصادية، والثقافية، والقضايا المختلفة.

لا يوجد أي تعارض بين القيام بالواجبات التي يمليها عنفوان الشباب والتوجّه للقيم عند الإنسان وبين رعاية المصالح الإدارية للبلد والقانون ورعاية التدبير والدراية الإدارية. فمن الممكن أن يكون الأمر لا يتعارض مع القيم وملبّياً لعنفوان الشباب ويعمل طبق مقتضياتهما وفي نفس الوقت لا يكون هناك أي تعارض مع مصالح البلد والمصلحة الإدارية فيه. لهذا، فإنّ رأيي أنّ ما يُنتظر ويُتوقّع من الفئة الجامعية هو من المعقول.

*اجتنبوا القول بغير علم

أما في قضية الأخلاق، فأعرض لهذه النقطة بالقول: اجتنبوا القول من غير علم، واجتنبوا الغيبة والتّهمة. إنّني أرجو منكم أيّها الشباب الأعزّاء أن تولوا هذه القضية اهتماماً مثلما أنّه في المجالات المختلفة لديكم اهتمامٌ بالطهارة العملية ـ تهتمّون بالصلاة والصيام ـ فاهتمّوا بهذه القضية أيضاً. فلو أنّنا نسبنا إلى شخصٍ ما شيئاً ليس فيه فإنّ هذا يُعد تهمةً (بهتاناً). لو أنّنا قلنا شيئاً عن غير علم، هذا يُعدّ إعانة على الشائعة وهي إشاعةٌ وقولٌ بغير علم. والكلام بغير علم بحدّ ذاته مشكلة، وفيه إشكال، ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ (الإسراء: 36). ولا تقفُ “أي لا تتّبع” ما ليس لك به علم. فالاتّباع يكون في مجال العمل وفي مجال القول. لهذا يقول مباشرةً:﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ (الإسراء: 36).

*التنافس على المناصب: أكبر المنزلقات

لهذا التفتوا وانتبهوا، إنّ أكبر المزلّات التي نقع فيها نحن البشر هو التنافس على المناصب والمواقع والشأنية، والتي يمكن أن تصرع حتى الأشخاص المتمرّسين. بالطبع إنّ عقيدتي هي أنّكم أيّها الشباب، مثلما تتفوّقون علينا نحن الشيوخ في الطاقة الجسديّة، فأنتم أفضل منّا أيضاً في قوّة الإرادة والقدرة على ضبط النفس. لو أنّ الشابّ بذل الهمّة وكان لديه الدافع وأراد أن يعمل فإنّه يكون في المجالات المعنوية والروحية ومجاهدة النفس أفضل من الشيوخ والكهول والعجّز أمثالنا، وأكثر اقتداراً.

 

 

الإمام الخامنئي دام ظله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock