مقالات

 الطبابة والتمريض مهـنـةٌ إنســانيّة

الشيخ بسّام محمّد حسين  

الطبابة حاجةٌ اجتماعيّةٌ وإنسانيّةٌ عامّةٌ، لا يشكّ أحد في ضرورتها للبشريّة، بل إنّ البشر كلّما تقدّموا في حضارتهم وتمدّنهم، كلّما زاد اهتمامهم بهذه المهنة، وتوسّعوا في أبحاثهم ودراساتهم حولها.

ومضافاً إلى ذلك، فإنّ الواجب الشرعيّ الكفائيّ، يُملي على المجتمع أن يتصدّى بعض أبنائه للقيام بهذه المهنة، التي لا يستغني عنها مجتمعٌ من المجتمعات، في كلّ زمان ومكان.

وقد وردت الروايات الشريفة التي تؤكّد على ذلك، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “لا يستغني أهل كلّ بلدٍ عن ثلاثة يُفزع إليهم في أمر دنياهم وآخرتهم، فإن عُدموا ذلك كانوا همجاً(1): فقيهٌ عالمٌ ورعٌ، وأميرٌ خيِّرٌ مُطاع، وطبيبٌ بصيرٌ ثقة”(2).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: “العلم علمان: علم الأديان، وعلم الأبدان”(3).

ومن بين أسمائه تعالى: “الطبيب”؛ لكونه سبحانه الذي أعطى الدواء للداء؛ فهو الطبيب الحقيقيّ، لا غيره. لكنّه سبحانه أجرى في خلقه أسباباً ومسبّبات، وخلق الداء ابتلاءً وجعل له الدواء، فكان من سنّته في خلقه أن يتعرّف المخلوق في سعيه الدنيويّ على هذه العلاقة ليضع الدواء على الداء، ومنه تحقّقت إحدى أهمّ الوظائف الاجتماعيّة والإنسانيّة وأعظمها قدراً، فسُمّي صاحبها طبيباً وحكيماً، تخلّقاً بأخلاق الله تعالى، في إعطاء الدواء للداء، ووضع الأمور في مواضعها.

ومن هنا، كان التطبيب مسؤوليّة أمام الله تعالى، على من يمارسه أن يؤدّيها إلى المريض، لا وظيفة يتكسّب منها فحسب، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: “من تطبَّب فليتّقِ الله، ولينصح، وليجتهد”(4).

وممّا يدعو إلى الأسف، ما نشاهده هذه الأيّام من تحوّل الطبابة، وما يتعلّق بها من تمريض وصناعة أدوية وغير ذلك، من مسؤوليّة إلهيّة وإنسانيّة كبرى، إلى وظيفة هدفها جمع المال وجني الأرباح في معظم أنحاء العالم، في الوقت الذي لا بدّ فيه أن تكون الأولويّة في ذلك كلّه، تخفيف آلام الناس ومعاناتهم وأوجاعهم. فأيُّ عمل أعظم من تسكين ألم إنسان، أو علاجه من مرض يعاني منه ويؤرّقه في ليله ونهاره؟! فهنيئاً لمن لا يُغفِل هذا الجانب الإنسانيّ والعمل الإلهيّ الربّانيّ في عمله، طبيباً كان أم ممرّضاً.

وتكريماً لشريحة من الطاقم الطبيّ الذي يلبّي هذه الحاجة الإنسانيّة، أعلن الإمام الخمينيّ قدس سره يوم الممرّضة المسلمة في الخامس من جمادى الأولى، يوم ولادة السيّدة زينب عليها السلام، باعتباره أحد الأدوار التي قامت بها في أرض كربلاء؛ إذ كانت عليها السلام تمرّض الإمام زين العابدين عليه السلام وتعتني به في مرضه، فحريٌّ بها أن تكون قدوة لكلّ من يحتذي طريقها ويهتدي بهديها.

وكلّ أملنا أن يحظى هذا اليوم بالاهتمام اللازم بتكريم الممرّضات والممرّضين وبقيّة الطاقم الطبيّ، الذي يقوم بواجباته دائماً، إلّا أنّ ما يميّزه في هذه الأيّام أنّه أصبح في جبهة تقدّم التضحيات على أكثر من صعيد، وصولاً إلى ارتقاء شهداء، الأمر الذي لم يكن متوقّعاً أو معهوداً في السابق في غير ساحات الجهاد والقتال، بينما هو كذلك في ظلّ وباء أو جائحة “كورونا”، التي لعلّها من أصعب ما مرّت به البشريّة على المستوى العالميّ.

نسأله تعالى أن يثيب العاملين والعاملات منهم، ويرحم شهداءهم، ويتقبّل أعمالهم، إنّه سميع مجيب.

1.يُقال: قوم همج؛ أي لا خير فيهم.
2.بحار الأنـوار، المجلسيّ، ج75، ص235.
3.(م.ن)، ج1، ص220.
4.(م.ن)، ج59، ص74.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock