مقالات

عشر نصائح لأمومة رائعة

السيّد عبّاس نورالدين

الأمومة فرصة للمرأة لكي تشاهد دفق الرّحمة والعاطفة الإلهيّة وهي تسري في وجودها بصورة مذهلة. إنّها فرصة اختبار مزيج المشاعر الفريدة التي تجعل العالم أجمل وأعذب. ومع كلّ

المشاعر الفريدة التي تجعل العالم أجمل وأعذب. ومع كلّ متاعبها، فهي فرصة عظيمة أيضًا لكي تسمو المرأة إلى آفاق الكمال، بصبرها وتحمّلها وعملها التربويّ الفريد.

إلّا أنّ الأمومة في عصرنا الحالي باتت ترزح تحت وطأة النّمط الغربيّ للعيش، والذي يريد أن يفرض نفسه على كلّ المعمورة، فيسلب الأمّهات تلك الفرص الجميلة التي لا مثيل لها. فإليك هذه النّصائح العشر التي يمكن أن تساهم في استعادة هذه التجربة الرائعة.

 

١. استعدّي للأمومة قبل الإنجاب

الكثير من الأمّهات يتفاجأن بالحمل وبسرعة يقترب موعد الإنجاب. وهكذا يتكرّر هذا المشهد مع كلّ مولود، وكأنّ الإنجاب أمرٌ طارئ أو شيءٌ ينبغي أن ينقضي بسرعة. إنّ إقبالك على الأمومة قبل موعدها يساهم كثيرًا في تحمّل معاناتها وآلامها باعتبارها فرصة عظيمة للحصول على الكثير من الأجر والثواب. تمامًا كما يتهيّأ المجاهد في سبيل الله قبل وقوع المعركة، فيكون مستعدًّا بالجسد والرّوح.

وباختصار، الأمومة هي شيء نستقبله بالبُشرى ونُعدّه توفيقًا إلهيًّا ونعمة كبيرة. وهذا ما يتطلّب منّا الالتفات إلى العديد من الآداب والمستحبّات التي تخفّف العبء وتزيد من النتائج الطيّبة.

لقد أثبتت التّجارب الكثيرة أنّ الأم التي تستعد بالقلب والفكر والعمل، تخفّف عن كاهلها الكثير من أعباء التربية فيما بعد.

 

٢. أولادك أمانة لا ممتلكات

رُغم الارتباط والانتماء الشديدين بين الأم ووليدها (فهو قد خرج من رحمها وكان جزءًا منها) لكن على الأمّهات أن يتعاملنَ مع أبنائهنّ باعتبارهم أمانات إلهيّة. والمؤمن يؤدّي الأمانة إلى أهلها. والله تعالى هو صاحب الأمانة، قد أودعها في بيئة الأم الرائعة لكي يضمن للإنسان أفضل فرصة للنشوء. وقد كان الله تعالى قادرًا على خلقنا من تُراب كما فعل بآدم نبيّه. فهو تعالى الخالق الحقيقيّ. وحين نشعر أنّ أبناءنا هم أمانات عندنا وليسوا ممتلكات لنا، تعظم المسؤولية ويكبر الهمّ ويتّضح الاهتمام.

أكثر أخطاء التربية الأسريّة تنبع من نظرة الوالدين إلى أبنائهما على أنّهم لهم، وينبغي أن يكونوا كذلك.

 

٣. عاطفتك قوّتك الكبرى

لا تحتاج الأم إلى أكثر من عاطفتها لكي تحقّق كل ما تريد لصلاح أبنائها. فحاجة الأولاد إلى عاطفة الأمّهات هو أمرٌ راسخٌ جدًّا وشديد. ويكفي أن تلهم الأم أبناءها بوجود مثل هذا المصدر الدّائم إلى جانبهم فتنال بذلك قوّة هائلة من التأثير.

الاحتياج هو الذي يذلّل. وقد جاء في كلام أمير المؤمنين عليه السلام: ” احْتَجْ إِلَى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَسِيرَهُ”.[1] ولا يمكن أن يستغني الأولاد عن عاطفة الأم. لكن هذه العاطفة قد تختفي أحيانًا في نظر الأبناء وراء بعض الحدّة أو الصّرامة أو العقل. وهذه خسارة للأم والأولاد.

تستطيع الأم من خلال عاطفتها أن تؤثّر بصورة تفوق بدرجات كل أساليب التّربية الأخرى. والحياة ليست عقلًا بحتًا، فإنّ الإنسان يُدار بالعاطفة أكثر ممّا يُدار بالعقل. ولا تعارض بين العاطفة والعقل.

 

٤. علّمي بالسّلوك لا بالقول

أبناؤنا يتعلّمون منّا بواسطة الفعل والسّلوك أكثر مما يتعلّمون من أقوالنا. ولهذا، يجب على الأمّهات أن يكنّ قدوة في كلّ شيء يردنه من أبنائهنّ وبناتهنّ. وحين يرى الأبناء تعارضًا واضحًا بين القول والفعل، تسقط عندهم الأقوال وتصبح مجرّد أصوات مزعجة.

إذا كنتِ تحبّين أن يكون أبناؤكِ من أهل المطالعة والكتاب، فاحرصي على أن يكون الكتاب رفيقك في كلّ الأحوال.

 

٥. تواصلي بصورة فعّالة

نشاهد الكثير من الحالات التي تنقطع فيها قناة التّواصل بين الأمّهات والأبناء في سنوات المراهقة والشباب. فما الذي يحصل هنا؟ ولماذا تشعر الفتاة أنّ أمّها لن تفهم عليها ولا يمكن أن تبوح لها بأسرارها؟

إنّ هذه المشكلة ترجع إلى مرحلة ما قبل المراهقة، حيث تعجز الكثير من الأمّهات عن بناء جسرٍ قويّ للتّواصل والمصارحة. والسبب الأوّل هو التوقّعات الزائدة عن حدّها ونسيان طبيعة سنوات الطفولة وما يليها من مرحلة الانتقال إلى سنّ البلوغ.

التشدّد الزّائد والمحاسبة الدّقيقة تبعث إلى الأبناء رسالة مفادها أنّني لن أتقبّل أي نوع من الخطأ. وهذا ما يقطع الطريق أمام التّواصل الفعّال بين الأم والأبناء.

 

٦. اصنعي عالمًا آمنًا ومشرقًا

 

أهم ما يحتاج إليه الأبناء في مرحلة الطفولة هو الشّعور بالأمن. وهذا ما يتطلّب حضورًا قويًّا من قِبل الأم، وخصوصًا في الأيّام الأولى. فالطّفل يعجز عن تصوّر أسباب المخاطر التي تحدق به. لهذا يتملّكه الخوف ويسيطر عليه من دون أن يستطيع التعبير عنه، فيصبح جزءًا من شخصيّته. فالبكاء المتواصل أو البكاء الفجائيّ (الذي لا نرى له مبرّرًا) يدلّ على مشكلة من هذا النّوع. والتعلّق الزّائد يشير إلى الخوف وفقدان الشّعور بالأمان.

وإذا أرادت الأم أن تصبغ حياة أطفالها بالأمن والأمان فعليها أن تكون حاضرة بقوّة في حياتهم. والقوّة لا تعني هنا المدّة. فرُبّ أمٍّ تبقى مع طفلها ليلَ نهار، لكنّها تكون شاردة الذّهن معظم الوقت أو غير مقبلة عليه في أكثر الأوقات التي يمكن أن يتفاعل فيها معها.

إنّ نجاح الأمومة في هذه المرحلة يكمن في تحوّل الأشخاص والأشياء المحيطة بالطّفل إلى عناصر إيجابيّة مفرحة.

خوف الطّفل من الآخرين هو مؤشّرٌ على كون عالمه غير آمن

٧. انسجمي مع الأب

العديد من المشاكل التربويّة والنّواقص في شخصيّة الأبناء مردّها إلى عدم الانسجام بين الأم والأب. الازدواجيّة في القرارات وفي التّعامل والتّعاطي مع الأمور، يتسبّب في ضياع الأبناء وصعوبة تحديد منظومة القيم.

ينبغي أن يتّفق الوالدان على ما هو حسن وما هو قبيح، لكي تترسّخ هذه القيم منذ السّنوات الأولى للتربية. وحين يُشاهد الأبناء اختلاف الوالدين فسوف يتصوّرون أنّ كلّ الأشياء في الحياة هي أمور نسبيّة وأنّها مجرّد وجهات نظر.

أخطر شيء أن نجعل أبناءنا محلًّا لتسوية خلافاتنا.

 

٨. أمومتك معراجك الأكبر

الاستهانة بشأن الأمومة أمرٌ شائعٌ في المجتمع المادّيّ. والاستخفاف بعظمة الأمومة يحرم الأم من إدراك الكثير من عناصر القوّة فيها. فحين ترى الأم أنّ عملها ومهنتها أهم من أمومتها وتربيتها لأبنائها، فهذا يعني أنّها تجهل نظام القيم الإلهيّة. وغالبًا ما ينعكس ذلك على أداء الأمومة ومشاعر الأم وقلّة الصبر والتحمّل.

رُغم أنّ عاطفة الأم هي أقوى المؤثّرات التربويّة، لكن فقدانها للصّبر وإظهارها للجزع أمام مشاغبات الأبناء يجعلها ضعيفة في أنظارهم. وهذا ما يقلّل من تأثير الأمومة بالدّرجة الأولى.

 

٩. النتائج على الله

ليس المطلوب النّجاح وإن كان أمرًا جميلًا. والكثير من نجاحات الأمومة قد يأتي لاحقًا. فالأمومة تزرع عميقًا في نفوس الأبناء. ولهذا قد تتفتّح أشجارها بعد مرحلة الشباب. فلا تستعجلي ثمار أمومتك، بحيث لو لم تكن ابنتك كما تحبّين، فهذا يعني فشل الأمومة. كلّا، إنّ على الإنسان العمل والباقي على الله.

المطلوب هو أن تركّزي على دورك وعلى الأعمال الصّحيحة والتربية السليمة، ولن يضيع عند الله أيّ عملٍ صالح ولو بعد سنين.

 

١٠. أعظم التربية في المرحلة الأولى

بخلاف أكثر التصوّرات، فإنّ المرحلة الأولى من عمر الإنسان هي أكثر مرحلة تأثّرًا بالتربية والبيئة. صحيح أنّ الأطفال لا يعبّرون بالصّراحة عن تأثّرهم بما يحدث معهم. لكن القسم الأكبر من التعلّم يحدث في الأيّام الأولى؛ وهي المرحلة التي تتولّى فيها الأم القسم الأكبر من التربية.

يمكن للأمّهات أن يزرعنَ الكثير من الأمور الطيّبة في نفوس الأبناء منذُ اللحظات الأولى التي تدبّ فيها الحياة في قلب جنينها. وفي العديد من النّصوص الشّريفة إشارة واضحة إلى ما قبل هذه المرحلة أيضًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock