مقالات

تربية: يا بُنيّ تطوّع خيراً

الشيخ سامر توفيق عجمي

قد يحصل أن تقع أرضاً وأنت تسير فتمتدّ مجموعةٌ من الأيدي؛ لتعينك على النهوض. كم سيكون المشهد مؤسفاً برأيك حين تبحث عن هذه الأيدي ولا تجدها؟! الفارق هو: حسّ المبادرة والاندفاع للمساعدة وخدمة الآخرين. فكيف نصنع شخصيّة المبادر؟
تلك يا عزيزي مهمّة التربية، وهي موضوع مقالنا هذا.

* الإنسان لا يستغني عن الآخرين
يميل الإنسان -بطبعه- إلى التشكّل داخل وحدات اجتماعيّة مع أبناء نوعه. فغريزة حبّ الاجتماع مغروسة في نفس الطفل بأصل الخلقة، ويضاف إلى ذلك، شعور الإنسان بافتقاره إلى الآخرين لإشباع حاجاته، وتأمين متطلّباته الحياتيّة في مختلف المجالات والميادين. فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “إنّ أحداً لا يستغني عن الناس حياته، والناس لا بدّ لبعضهم من بعض”(1).

وقد شهدت الحضارة البشريّة طريقين لإشباع حاجات الأفراد في المجتمع:
الأوّل: إشباع حاجة مقابل ثمن ما.
والثاني: إشباع حاجة دون مقابل، يقدّمه الإنسان من تلقاء ذاته دون أن يلزمه قانون؛ لخدمة الآخرين وقضاء حوائجهم. وهذا هو معنى التطوع.

وقد حثّ الإسلام على تنمية حسّ المبادرة، والتطوّع، وخدمة الناس، وقضاء حوائجهم في آيات وأحاديث كثيرة؛ لما للتطوع من آثار إيجابية على الفرد والمجتمع، وتحديداً على الطفل.

* آثار التطوّع على شخصيّة الطفل
يعمل التطوّع على تنمية العديد من المعارف والمهارات والمشاعر في شخصيّة الطفل، مثل:
ـ التعرّف على قضايا مجتمعه عن قرب، من خلال الانخراط فيه.
ـ التعرّف على أشخاص جدد يختلفون عنه في القدرات، والعمر، وغير ذلك.
ـ تقدير الذات من خلال الإحساس بقدرته على إحداث تغيير إيجابيّ في مجتمعه.
ـ التفاعل الإيجابي مع الآخرين والمشاركة الفعالة في عمليات معالجة المشكلات التي تواجه أفراد المجتمع.
ـ الشعور بحسّ المسؤوليّة الاجتماعيّة وبآلام الآخرين.
ـ التعرف على أنّه ليس كلّ فعلٍ يقوم به الإنسان ينبغي أن يكون له مردود ماديّ، بل ثمّة أفعال يقوم بها مجاناً، ودون مقابل.

* تربية الطفل على التطوع
يمكن للمربّي اعتماد أصول وأساليب عدّة لتنمية روح التطوّع في نفس الطفل، وتنمية الإحساس بالأنا الاجتماعيّة فيه، بدلاً من القيام بما من شأنه إغراقه في نزعة الأنانيّة السلبيّة والحالة الذاتيّة التي تؤدّي به إلى النظر إلى مصالحه الشخصية فقط، منها:

1- تنمية مبدأ الأخوة الإيمانية، انطلاقاً من قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: 10). فإذا تربّى الطفل على أن كلّ إنسان مؤمن يعيش معه في المحيط الاجتماعي هو أخ له، سيتآلف مع أفراد مجتمعه ويتعامل معهم انطلاقاً من هذه الروحية الأخويّة، فيشعر بآلامهم، ويتعاطف معهم، ويندفع لخدمتهم، وهذا ما نلاحظه في الروايات.
عن الإمام الصادق عليه السلام: “المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده…”(2).
وعنه عليه السلام: “المؤمنون في تبارّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى تداعى له سائره بالسهر والحمى(3).

ويمكن الاستفادة من هذا الشعور بالأخوة مع الأطفال الذين يحبّون الانتماء إلى المقاومة، ويعشقون المجاهدين، فكم نسمع من أطفالنا أنّهم يحبون المشاركة في الأعمال الجهادية مع المقاومين، فنقول لهم: “بإمكانكم أن تكونوا مجاهدين، وذلك من خلال خدمة الناس، والتطوع في قضاء حوائجهم”. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ومَن مشى في عون أخيه ومنفعته فله ثواب المجاهد في سبيل الله”(4).

2- تنمية مبدأ النظائريّة في الإنسانيّة؛ في ضوء أنّ البشر مخلوقون من نفس واحدة، ﴿خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ (النساء: 1)، وكما عن أمير المؤمنين عليه السلام: “فإنّهم -أي الناس- صنفان: إمّا أخ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق”(5).
وحينها يتفاعل الطفل مع الناس انطلاقاً من الإحساس الإنسانيّ، فإنّه يتفاعل مع المستضعفين منهم، ويتعاطف معهم، وتصدر عنه الأعمال التي تشبع حاجاتهم، وتؤمن متطلباتهم.

ويمكن تحقيق هذا المبدأ من خلال:
ـ تعويد الطفل على خدمة والديه كمنطلق للخدمة العامّة للناس، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أفضل الخدمة خدمتهما -أي الأم والأب-“(6).
ـ مبادرة المربّي إلى القيام بأعمال تطوعية تشاركية مع الطفل، انطلاقاً من التربية بالنموذج السلوكيّ والقدوة.
ـ تشجيع الطفل على الانتماء إلى الجمعيات التطوعية، ككشافة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ـ تحفيزه على المشاركة في الأنشطة التطوعية التي تنظمها بعض الجهات، كالبلديات، أو المدرسة التي ينتمي إليها.
ـ تنمية روح التعاون الاجتماعي ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: 2)، بتعويد الطفل على إعانة من يطلب منه الإعانة مع قدرته على ذلك، كالمسارعة إلى مساعدة امرأة مسنّة في حمل أغراض يثقل عليها حملها، التبرع بالطعام، فرز ملابسه التي أصبحت ضيّقة، والتبرّع بها لمن يستحقّها… إلخ.
ـ تعويده على مساعدة زملائه، الذين يواجهون صعوبات في فهم الدرس، وفي الدراسة، وشرح الدرس لهم.
ـ بيان آثار التطوع في الخدمة الاجتماعية، وربطه بالعطاء الإلهي يوم القيامة، كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أيّما مسلم خدم قوماً من المسلمين إلّا أعطاه الله مثل عددهم خدّاماً في الجنة”(7).
ـ تعويد الطفل على القيام بالأنشطة الاقتصاديّة ذات الطابع التكافليّ، خصوصاً إذا كان من بيئة مقتدرة ماليّاً. فعن الإمام عليّ عليه السلام: “من آتاه الله مالاً فليصل به القرابة، وليحسن منه الضيافة، وليفكّ به الأسير والعاني، وليعطِ منه الفقير والغارم…”(8).
ـ تربية الطفل على التصدق. فعن الإمام الرضا عليه السلام: “مُرِ الصبي فليتصدق بيده بالكسرة والقبضة والشيء وإن قل فإن كل شيء يراد به الله وإن قل بعد أن تصدق النية فيه عظيم”(9).

* لياقات العمل التطوعي
من المهمّ أن يلتفت المربّي أيضاً إلى ضرورة إيلاء أدبيّات العمل التطوّعيّ ولياقاته حيّزاً مهمّاً أثناء عمليّة تربية الطفل عليه، منها:
1- الالتزام بمواعيد المشاركة في الأعمال التطوعية.
2- الاعتذار قبل المشاركة في حال أراد التخلّف عنها.
3- تأدية المهمّة بمودّة، ودون تذمّر أو منّة، أو كما نقول بلغة شعبية (مع تربيح جميلة).
4- الالتزام بقوانين الجمعيّة أو المؤسّسة الخيريّة التي يساهم معها في الأعمال التطوّعيّة.
5- الخضوع للدورات التأهيلية التي تمكّنه من ممارسة أعمال التطوع بإتقان، وترفع من مستوى جودة أدائه.
6- عدم استغلال التطوع لأهداف شخصية.

* خدمةٌ فثواب
التطوّع من أكثر العوامل التي تساهم في تكوين شخصيّة الطفل، فتغرس فيه قيم التضحية، والإيثار، والعطاء، وتحوّله إلى فردٍ نافعٍ في مجتمع. فلنشجّع أبناءنا عليه، ولنكرّسه فيهم كسلوكٍ إنسانيٍّ، ينتهي بحصد الكثير من الأجر والثواب.

1- الكافي، الكليني، ج2، ص635.
2- (م.ن)، ج2، ص166.
3- حسين بن سعيد الكوفي، المؤمن، ص39.
4- ثواب الأعمال، الصدوق، ص288.
5- نهج البلاغة، ص427.
6- تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص322.
7- الكافي، (م.س)، ج2، ص207.
8- نهج البلاغة، ص 198.
9- الكافي، (م.س)، ج4، ص4.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock