مقالات

حتميات نبوية

📍 حتميات نبوية
📢 رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “مَنْ بَاتَ كَالاً مِنْ طَلَبِ الحَلالِ بَاتَ مَغْفُوراً لَهُ”

ما عَظَّمَ الإسلام عَملاً كما عَظَّم العَمَل والسَّعي في طلب الرزق الحلال، حتى أنه اعتبر أن عمل الإنسان هو إحدى أهمِّ غايات وجوده، قال تعالى: “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ”﴿2/ الملك﴾. إن وجود الإنسان في الدنيا ليس مصادفة بلا تدبير، وليس جزافا بلا غاية، إنما هو موجود ليُظهر ما أودع الله في تكوينه من الطاقات والقدرات المكنونة، ومن ثُمَّ يبني حياته وفق إرادة الله بسعيه وجهده ويستحق على ذلك الجزاء والثواب المتناسبين.
والله سبحانه وهو اللطيف الخبير والعليم الحكيم هيأ للإنسان جميع الأسباب التي تعينه على السَّعي في الأرض والحصول على حاجاته المختلفة من الطريق الذي أباحه الله وأحله، فذَلَّلَ له الأرض رغم كُرَويتها، ورغم جبالها وأوديتها وبحارها، وأعطاه القدرة على النفاذ إلى أعماقها واستخراج ما أودع فيها من ثروات، وأعطاه القدرة كذلك على فهم قوانينها والتعامل معها، كل ذلك تسهيلا لعمله وسعيه، قال تعالى: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ”﴿15/ الملك﴾. إن الآية الكريمة تصور الكرة الأرضية كأنها دابَّةٌ مُذَلَّلةٌ للإنسان ومهيَّأة له، وواجبه أن يمشي في مناكبها كالجبال والهِضاب، وبالأولى أن يمشي في سُهولها وأوديتها يطلب رزق الله وخيره وفضله.

ولأن الإنسان لم يُخلَق إلا ليعمل، ويسعى، ويكدَّ ويكدحَ، وذلك يجعله محتاجاً إلى ما يقيم حياته ويسُدُّ حاجاته، كان السَّعي في طلب الرزق واجباً، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “طَلَبُ الحَلالِ فَرِيْضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ”. وقال (ص): “طَلَبُ الحَلالِ فَرِيْضَةٌ بَعْدَ الفَرِيْضَةِ”. والسّاعي في طلب الحَلال يقوم بذلك الواجب، ويؤدي تلك الفريضة العالية الشأن، فإن تقرَّب بهما إلى الله كانا عبادة خالصة، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) قال: “العِبَادَةُ عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةٌ أَجْزَاءٍ في طَلَبِ الحَلالِ”. وعنه (ص) أنه قال: “إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يَرى عَبْدَهُ تَعِباً في طَلَبِ الحَلالِ”.

ويرى الإسلام أن الذي لا يسعى في طلب الرزق الحلال لا خير فيه، فقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق (ع): “لا خَيْرَ فِيْمَنْ لا يُحِبُ جَمْعَ المَالِ مِنَ الحَلالِ، فَيَكُفّ بِهِ وَجْهَهُ، وَيَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ” وإنما يرى الإسلام أنه لا خير فيه لأنه لا يستجيب لأمر الله أولاً، ولأنه يُعَطِّلُ قدراته ثانياً، ولأنه لا يستثمر طاقاته ثالثاً، والله وهبه جميع ذلك ليستفيد منها في حياته، ولأنه يصبح كَلاً على مجتمعه رابعاً، والكَلُّ يعيقُ حركة المجتمع نحو غاياته، فيكون عبئاً في هذه الحالة بدل أن يكون فَرداً مُنتجاً، ولأنه إن لم يطلب الحلال وقع في الحاجة والفقر، وقد يدعوه ذلك إلى الوقوع في الحرام.

ولأن الإسلام يُعَظِّمُ العمل والسَّعي فقد كان رسول الله (ص) يُقَبِّلُ يَدَ العاملِ ويقول: “هَذِهِ يَدُ يُحِبُّها اللهُ”. وكيف لا يحب الله يداً تَكِدُّ وتعمل، وتسعى في طلب رزقها، تطلبه من حيث أحلَّ الله؟! ولقد كان جميع أنبياء الله ورسله وأوليائه الصالحين والصَّفْوَة الطَّيِّبَة من عباده يعملون بأيديهم الكريمة يسعون وراء رزقهم يبتغون فضلا من الله ورضواناً، وقد روى الإمام جعفر الصادق (ع) فقال: “إِنَّ مُحَمَّدَ بْنُ المُنْكَدِرْ كانَ يَقُولُ: ما كنت أرى أنَّ مِثلَ عَلِيّ بْنِ الحُسَيْنِ (ع) يَدَعُ خَلَفاً لِفَضْلِ عَلِيّ بْنِ الحُسَيْنِ حَتّى رَأَيْتُ ابْنَهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيّ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِظَهُ فَوَعَظَني، خَرَجْتُ إِلى بَعْضِ نَواحي المَديْنَةِ في سَاعَةٍ حَارَّةٍ، فَلَقِيْتُ مُحَمَّدَ بن عَلِيّ (الباقر) وَكانَ رَجُلاً بَدِيْناً، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلى غُلامَيْنِ لَهُ، فَقُلْتُ في نَفْسِي: شَيْخٌ مِنْ شُيُوخِ قُرَيْشٍ في هَذِهِ السَّاعَةِ عَلى هَذِهِ الحَالِ في طَلَبِ الدُّنْيا!، واللهِ لَأَعِظَنَّهُ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَسِلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ بِنَهْرٍ وَقَدْ تَصَبَّبَ عَرَقاً، فَقُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، شَيْخٌ مِنْ أَشْيَاخِ قُرَيْشٍ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا؟! لَوْ جَاءَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ. قَالَ: فَخَلَّى عَنِ الْغُلَامَيْنِ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ تَسَانَدَ (ع) وَقَالَ: “لَوْ جَاءَنِي وَاللَّهِ الْمَوْتُ وَأَنَا فِي هَذِهِ الْحَالِ، جَاءَنِي وَأَنَا فِي طَاعَةٍ مِنْ طَاعَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، أَكُفُّ بِهَا نَفْسِي عَنْكَ وَعَنِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا كُنْتُ أَخَافُ الْمَوْتَ لَوْ جَاءَنِي وَأَنَا عَلَى مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، أَرَدْتُ أَنْ أَعِظَكَ فَوَعَظْتَنِي”.
✍ السيد بلال وهبي
فجر يوم الأربعاء الواقع في: 8/6/2022 الساعة (03:30)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock