مقالات

مفاتيح الحياة: ولا تنسَ نصيبك من الدنيا

آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “عَلَى العَاقِلِ مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوباً عَلَى عَقْلِهِ، أَنْ يَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ… سَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا بِحَظِّ نَفْسِهِ مِنَ الحَلالِ، وَإِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ عَوْنٌ لِتِلْكَ السَّاعَاتِ، وَاسْتِجْمَامٌ للقُلُوبِ وَتَفْرِيغٌ لَهَا”(1).
من عوامل صحّة الإنسان أن تكون له ساعة حظّ يخلو فيها بنفسه، ويمارس خلالها الترفيه السليم والرياضة. وقد عُنيت روايات أهل البيت عليهم السلام بهذا النوع من اللهو عنايةً خاصّة، وذكرت له أمثلة عديدة. وأحد آثار نعمة الترفيه السليم والحلال، تعزيز قدرة الإنسان على أداء القضايا الدينيّة والحياتيّة.

• أهميّة الترفيه السليم
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أُلهُوا وَالْعَبُوا، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُرَى فِي دِينِكُم غِلظَةٌ”(2). وقال أمير المؤمنين عليه السلام في تفسير الآية الكريمة: ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ (القصص: 77)؛ أَيْ لا تَنْسَ صِحَّتَكَ وَقُوَّتَكَ، وفَرَاغَكَ وشَبَابَكَ، ونَشَاطَكَ وَغِنَاكَ أَنْ تطْلُبَ بِهِ الآخِرَة”(3).
وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: “إنَّ فِي حِكْمَةِ آلِ دَاوُدَ: يَنْبَغِي للمُسْلِمِ العَاقِلِ أَنْ لا يُرَى ظَاعِناً إِلّا فِي ثَلاثٍ: مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ، أَوْ تَزَوُّدٍ لِمعَاٍد، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ ذَاتِ مُحَرَّمٍ”(4).
وقال الإمام موسى الكاظم عليه السلام: “اجْتَهِدُوا فِي أَنْ يَكُونَ زَمَانُكُمْ أَرْبَعَ سَاعَاتٍ: سَاعَةً لِمُنَاجَاةِ اللهِ، وَسَاعَةً لأَمْرِ المَعَاشِ، وَسَاعَةً لِمُعَاشَرَةِ الإِخْوَانِ وَالثِّقَاتِ الَّذِينَ يُعَرِّفُونَكُمْ عُيُوبَكُمْ، وَيُخْلِصُونَ لَكُمْ فِي البَاطِنِ، وَسَاعَةً تَخْلُونَ فِيها للَذَّاتِكُمْ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ”(5).
وعنه عليه السلام أيضاً: “… اجْعَلُوا لأنْفُسِكُمْ حَظّاً مِنَ الدُّنْيَا بِإِعْطَائِهَا مَا تَشْتَهِي مِنَ الحَلالِ، وَمَا لا يَثْلِمُ المُرُوَّةَ، وَمَا لا َسَرَف فِيهِ، واسْتَعِينُوا بِذَلِكَ عَلَى أُمُورِ الدِّينِ، فَإنَّهُ رُوِيَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَرَكَ دُنْيَاهُ لِدِينِهِ”(6).

• تأثيرات الترفيه السليم
قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: “أَوْقَاتُ السُّرُورِ خُلْسَةٌ”(7)، وكذلك قال عليه السلام: “السُّرُورُ يَبْسُطُ النَّفْسَ وَيُثِيرُ النَّشَاطَ”(8).

• أمثلة على الترفيه
1. ركوب الخيل والرماية: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أَحَبُّ اللَّهْوِ إِلَى اللهِ تَعَالى إِجْرَاءُ الخَيْلِ والرَّمْيُ”(9)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: “ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبَّ إِليَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا…” (10).
وعن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: “… الرُّكُوبُ نُشْرَةٌ”(11).

2. السباحة والغزل: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “خَيْرُ لَهوِ المُؤْمِنِ السِّباحَة، وَخَيْرُ لَهْوِ المَرْأةِ المِغْزَل”(12).
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه أن يكون الرجل سابحاً رامياً(13)، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: “عَلِّمُوا أبناءكُمُ الرَّمْيَ والسِّباحَة”(14).

3. الممازحة والمفاكهة: قال الإمام محمّد الباقر عليه السلام: “لَهْوُ المُؤْمِنِ في ثَلاثَةِ أَشْياءَ: (منها) ومُفَاكَهَةِ الإِخْوَانِ”(15).

• الرياضات غير المستحبّة (التسليات المنبوذة)
قال الإمام محمّد الباقر عليه السلام: “يَدْخُل في المَيْسِرِ اللَّعِب […] والنّرد وغير ذلِكَ مِنْ أنْواعِ القِمَار… ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ (المائدة: 90)”(16).
وقال الإمام الرضا عليه السلام: “وَاعْلَمْ يَرْحَمُكَ اللهُ أنَّ اللهَ تبارَكَ وتَعَالى نَهَى عَنْ جَمِيعِ القِمَارِ وأَمرَ العِبَادَ بالاجْتِنَابِ مِنْهَا وَسَمَّاها رِجْساً، فقال: ﴿رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾ (المائدة: 90)”(17).

• اغتنام فرصة الشباب
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنَّ لربّكم في أيّام دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لها”(18)، وكذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: “فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، وفي الشبيبة قبل الكِبَر، وفي الحياة قبل الموت”(19)، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: “الفرصة سريعة الفَوْتِ بطيئة العَوْد”(20). وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: “الفرصة تمرُّ مرَّ السحاب فانتهزوا”(21).
وقال الإمام محمّد الباقر عليه السلام: “بادر بانتهاز البُغِية عند إمكان الفرصة، ولا إمكان كالأيّام الخالية مع صحّة الأبدان”(22)، وقال عليه السلام أيضاً: “وإيّاك والتفريط عند إمكان الفرصة، فإنّه ميدان يجري لأهله بالخسران”(23). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: “إنَّ الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما، ويأخذان منك فخُذْ منهما”(24).
(*) مقتطف من كتاب مفاتيح الحياة، الفصل 12، ص 187-192.
1. الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص 334.
2. السيوطي، الجامع الصغير، ج 1، ص 239.
3. العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 68، ص 267.
4. الشيخ الكليني، الكافي، ج 5، ص 87.
5. الحراني، تحف العقول، ص 409.
6. المصدر نفسه، ص 410.
7. الشيخ الريشهري، ميزان الحكمة، ج2، ص1290.
8. المصدر نفسه، ج 2، ص 1290.
9. السيوطي، مصدر سابق، ج 1، ص 38.
10. المصدر نفسه، ج 1، ص 146.
11. الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص 263.
12. السيوطي، مصدر سابق، ج 1، ص 627.
13. السيوطي، الدرّ المنثور، ج 3، ص 193.
14. الشيخ الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج 11، ص 115.
15. الشيخ الصدوق، الخصال، ص 161.
16. الشيخ الطبرسي، مجمع البيان، ج 3، ص 411.
17. القمّي، فقه الرضا عليه السلام، ص 284.
18. العلّامة المجلسي، مصدر سابق، ج 68، ص 221.
19. الشيخ الكليني، مصدر سابق، ج 2، ص 70.
20. العلّامة المجلسي، مصدر سابق، ج 75، ص 114.
21. الشيخ الريشهري، مصدر سابق، ج3، ص2398.
22. الحراني، مصدر سابق، ص 286.
23. المصدر نفسه، ص 286.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock