فكريةمجتمعمقالاتمنوعات

الـشـهـادة مـيـراثـنـا مـن ڪـربـلاء”

عاشورائيات

 

•تلعب القيم دورًا مهمًّا
وأساسيًّا في نظم حركة المجتمعات وتوجيهها، إذ عندما تترسّخ قيمةٌ من القيم في مجتمعٍ ما تصير هي المعيار الذي يحدّد المقبول والمطلوب والمرغوب فيه. والمجتمع الذي يعيش لأجل قضيّةٍ ويجاهد في سبيلها، يحتاج إلى القيم التي تخدم هذه القضيّة.*
وإذا نظرنا إلى الجماعة الشيعيّة، التي تربّت على مبادئ التوحيد والعدل والولاية ومواجهة الظالمين والجهاد لأجل إعلاء راية الحقّ، نجد أنّه لا يستقيم سيرها العمليّ لتحقيق أهدافها إلّا باستعداد أفرادها للتضحية في سبيل هذه الأهداف، بل بطلب هذه التضحية واعتبارها الدرجة العليا من البرّ والفضيلة، وهنا تأتي محوريّة قيمة “الشهادة”. فعندما يصبح الاستشهاد في سبيل الله هدفًا فرديًّا مطلوبًا باعتباره بابًا نحو الكمال وتجسيدًا لأعلى درجات البذل البطوليّ، تصير الجماعة قادرةً على تجاوز العوائق والتهديدات التي تقف في طريقها بفضل وصول الدافعيّة الفرديّة إلى أعلى درجاتها.

يقول الإمام الخميني قدّس سرّه: “إنّ ما تمّ من إنجازٍ كان إلهيًّا، وقد تحقّق لأنّ مجتمعنا أصبح بوضعٍ آخر وتحوّل تحوّلًا إسلاميًّا، بحيث أصبحت الشهادة بالنسبة إليه فوزًا عظيمًا”.
كما يصف الشهادة في كلامٍ آخر بأنّها “ميراث الشيعة”.

ومن المعلوم أن ترسيخ
قيمةٍ في مجتمعٍ ما لا يحصل بسهولةٍ، بل يحتاج إلى عملٍ تربويٍّ مدروسٍ حثيثٍ هادفٍ. فيحقّ لنا أن نتساءل عن هذه قيمة الشهادة كيف أصبحت ميراث الشيعة؟
والجواب عن هذا السؤال لا يمكن أن يقتصر على عاملٍ واحدٍ، إذ إنّ الثواب العظيم الذي أخبر الوحي عن إعطائه للشهيد، وترغيب المؤمنين بالانتقال من الدنيا إلى جنان الله، وتخصيص الشهيد بأحكامٍ فقهيّةٍ خاصّةٍ، وغيرها من الأمور التي تضمّنتها المنظومة الإسلاميّة، لعبت دورًا كبيرًا في غرس هذه القيمة في وجدان المسلمين.
لكنّ لدينا أمرًا آخر أثّر بشدّةٍ في رفع قيمة الشهادة وتعزيز مكانتها لدى شيعة أهل البيت عليهم السلام، وهي أنّ أئمّة هذا المذهب جميعهم استشهدوا في سبيل رفع راية الحقّ وتحقيق الأهداف الإلهيّة. والمعصوم باعتباره (في نظر الناس) المجسّد الأكمل للقيم والمثل والمبادئ، يصير لفعله أبلغ الأثر في تربية الناس على هذه القيم.
ثمّ إنّنا إذا تأمّلنا في شهادات الأئمّة عليهم السلام، نجد أنّهم صلوات الله عليهم اغتيلوا اغتيالًا، فمن أمير المؤمنين إلى الإمام العسكريّ عليهما السلام كان الإمام يُغتال بالسمّ أو يُقتل بالسيف في محراب صلاته أو يستشهد في السجن، فهو وإن كان في أصل حركته الجهاديّة قد أقدم على مسارٍ يعلم أنّ خاتمته الشهادة والتضحية بالنفس، إلّا أنّ نفس فعل الاستشهاد لم يُقدم عليه الإمام بنفسه مباشرةً.

•أمّا كربلاء الحسين فتظهر خارجةً عن هذا السياق، في كربلاء كان الخيار المباشر للإمام المعصوم وأهل بيته وأصحابه هو الإقدام على الشهادة في سبيل الله. لقد اختاروا “السلّة” طواعيةً في قبال خيار “الذلّة”، وقد دخلوا حرم الموت والقتل بقدمٍ ثابتةٍ وطمأنينةٍ قلّ نظيرها. كانوا يكتبون رسالتهم إلى العالم كلّه وكلّ الأجيال القادمة بدماء نحورهم، ويعلنون أنّ الشهادة والتضحية بالنفس في سبيل الله والدين والمبادئ قيمةٌ نفيسةٌ، وأن أعلى درجات البطولة وأرقى مراتب البرّ أن ينال المؤمن لقب “الشهيد”.

•هذه المشهديّة العظيمة التي رُسمت بالدم في كربلاء، وإحياء الشيعة ذكرى عاشوراء عامًا بعد عامٍ، هو الذي جعل الشهادة بهذه المكانة وهذه القيمة في وجدان الجماعة الشيعيّة. الشهادة ميراثنا الذي ورثناه عن الحسين وأصحابه، ولذا ارتبط في الذهنيّة الشيعيّة ذكر الشهداء بذكر كربلاء، ولذا صارت عاشوراء المرتكز والمستند الذي تُبثّ قيم التضحية والفداء والشهادة على أساسه، ولذا صار صبر أهل الشهيد على مصابهم يُستمدّ ممّا تعلّموه في مدرسة عاشوراء.

#إن_معي_لبصيرتي🖤

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock