دينيةمقالات

مع إمام زماننا: أيّام الفرج السعيدة

آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ

لا شكّ في أنّ النصر سيكون من نصيب حزب الله: ﴿فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (المائدة: 56)، كما أنّ هذا النصر سيمثّل ارتفاع راية التوحيد عالية خفّاقة في سماء المجتمع الإنسانيّ على يد بقيّة الله عجل الله تعالى فرجه الشريف. إلّا أنّ الوصول إلى فتح الفتوح لن يكون بالأمر اليسير؛ إذ سيواجه هذا الظهور مقاومةً من قِبَل المعاندين والأعداء الألدّاء من أصحاب المنطق الفرعونيّ، فيقفون في وجه من ينادي بالتوحيد وإحياء العدالة في الحياة الإنسانيّة، وتحرير البشريّة من استعباد الظَلمة، ودعوتهم إلى عبادة الواحد الأحد، وإنقاذ الناس من أطماع فراعنة العصر واستغلالهم. ولن يتورّع هؤلاء الطغاة عن ارتكاب أيّ جريمة في سبيل إطفاء نور الله، كما لن يتوانى الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف في القضاء على هؤلاء الظَلمة.

 

* أنصاره هم المضحّون

إنّ تحقيق النصر الإلهيّ يتطلّب تضحياتٍ جساماً وحروباً وصراعاتٍ مريرة؛ فمن ينتظر بصدق طلوع شمس الحكومة المهدويّة، عليه أن يهيّئ نفسه لهذه التضحيات والفداء. ولا يتوهّم أحدٌ أنّ الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف سيقوم وحده -على نحوٍ خارقٍ للعادة- بإصلاح الأوضاع الفاسدة، فيجلس الناس على مائدة الفتح، ليتذوّقوا ثمرة الرحمة والعطف المهدويّ دون أن يبذلوا سعياً وجهداً في سبيل الله. إنّ هذا مجرّد توهّم، بل هو زعمٌ باطل، شبيهٌ بما وقع فيه بعض بني إسرائيل، ممّن أراد أن يتحرّر من ظلم فرعون وبطشه، دون أن يكلّف نفسه أيّ عناء وجهد، فكانوا ينشدون النصر دون ثمن، فطلبوا العافية، وقالوا للنبيّ موسى عليه السلام: ﴿فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ (المائدة: 24).

 

إنّ أولئك الذين ينتظرون حكومة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهم قاعدون ولم يستعدّوا للجهاد معه، ليسوا في الحقيقة إلّا محبّي الإمام الغائب فقط، لا من منتظري الإمام القائم بالحقّ. ولذا، فأوّل من يعارض الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ويخالفه، سيكون أولئك الذين يحملون هذا الفكر القائم على طلب الراحة والعافية والدّعة، والمبنيّ على التعصّب والتحجّر.

 

* ذوو الشهامة والحرّية

في المقابل، ثمّة فئةٌ من ذوي الشهامة والحريّة، وهبوا أرواحهم فداءً لانتظار الموعود المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ فحملوا كتاب الله في يدٍ والسلاح في الأخرى، واستعدّوا للطوافّ حول ذلك الوجود المبارك، كالفراش المبثوث حول الزهرة؛ لنصرته ومجاهدة العدوّ بأموالهم وأنفسهم.

 

إنّ هؤلاء هم المنتظرون الحقيقيّون، الذين ارتقوا إلى أسمى مراتب الانتظار، ففاضت قلوبهم بنور الشمس المهدويّة. ثمّ إنّ عدد المنتظرين الحقيقيّين من فئة الشباب إلى سائر أصحاب الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف وأتباعه، من الكثرة بمكان بات معه الشيوخ مثل كحل العين أو كالملح في الطعام.

 

عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: “أصحاب المهديّ شباب، لا كهول فيهم، إلّا مثل كحل العين والملح في الزاد، وأقلّ الزاد الملح”(1).

 

* قوّة الشباب

إنّ اشتياق الشباب الكبير إلى سنّة الوحي والعترة الطاهرة، مع صفائهم الباطنيّ واستنارة ضمائرهم، وتوفّر الأرضيّة اللازمة لديهم لقبول بذرة الهداية، من العوامل المؤثّرة في قبولهم الهداية اللائقة بفيض الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وبركاته على أساس قوله تعالى: ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ (الأنبياء: 73)، والتحوّل والتغيّر بواسطة ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ (يس: 82). ومعه، فلن يتوانوا عن السير الحثيث خالصاً لوجهه تعالى، في طريق إعلاء كلمة الله، وكلمة إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذي سيمثّل ظهوره تحقيق آمال الأنبياء والأولياء عليهم السلام، فساروا بسيرة أولياء الله في القول الليّن والعمل الصالح في سائر حالاتهم، إلى أن يتحقّق رفع راية التوحيد عالية خفّاقة في سماء المجتمع الإنسانيّ.

 

* بظهوره.. يتحقّق الوعد

ثمّ إنّ آثار الرحمة الإلهيّة ستشهد بظهوره تجلّياً آخر، فيتحقّق الوعد القرآنيّ القائل: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾ (الأعراف: 96)؛ فلن يلحظ المسافر من العراق إلى الشام إلّا المناطق الخضراء: “لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها.. حتّى تمشي المرأة بين العراق والشام، لا تضع قدميها إلّا على النبات”(2).

 

وحين يظهر الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، تظهر معه الأمانات والودائع الظاهريّة والباطنيّة للإمامة والرسالة؛ كقميص يوسف، وخاتم سليمان، وعصا موسى، ولواء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما تتجلّى في وجوده الشريف الهيبة الموسويّة، والصبر الأيوبيّ، والحِكَم الداوديّة، والجمال والبهاء العيسويّ، ولباس الولاية العلويّة. قال تعالى حكايةً عن يعقوب عليه السلام: ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ﴾ (يوسف: 94)، الذي بيَّن الإمام الصادق عليه السلام للمفضل الجعفيّ أنّه: “فهو ذلك القميص الذي أُنزل من الجنّة”.

 

قلت (الجعفيّ): “جعلت فداك، فإلى من صار ذلك القميص؟ قال الإمام عليه السلام: إلى أهله، وهو مع قائمنا إذا خرج. ثمّ قال عليه السلام: كلّ نبيّ ورث علماً أو غيره، فقد انتهى إلى محمّد صلى الله عليه وآله وسلم”(3)، وعن الإمام الباقر عليه السلام: “إذا ظهر القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف ظهر براية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخاتم سليمان، وحجر موسى وعصاه”(4)، وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “منّا مهديّ هذه الأُمة، له هيبة موسى، وبهاء عيسى، وحكم داود، وصبر أيّوب”(5)، وعن الإمام الصادق عليه السلام: “إنّ قائمنا من لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم”(6)، وعن قوله عليه السلام: “غير أنّ قائمنا أهل البيت عليهم السلام إذا قام، لبس ثياب عليّ عليه السلام، وسار بسيرة عليّ عليه السلام”(7).

 

 

(*) من كتاب: الإمام المهديّ الموجود الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف

(1) الباب الثالث: من الظهور إلى المدينة الفاضلة – الفصل الثاني – بتصرّف.

(2) الغيبة، الطوسي، ص 477.

(3) تحف العقول، الحرّاني، ص 115.

(4) كمال الدين، الصدوق، ص 674.

(5) الغيبة، النعماني، ص 244.

(6) بحار الأنوار، المجلسي، ج 36، ص 303.

(7) بصائر الدرجات، الصفّار، ص 196.

(8) الكافي، الكليني، ج 1، ص 411.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock