دينيةسياسة

الإمام الكاظم (عليه السلام) ونشاطه السياسيّ

بدأ الإمام الكاظم عليه السلام بدور مهم جداً تجلّى في المواجهة السياسيّة، وبدأ بخطوات عمليّة عديدة في هذا الإطار. وأمّا الجهاد العسكريّ فلم تكن الأمّة جاهزة لمثل هذا الخيار، وهذا ما نجده في كلمته لشهيد فخّ الحسين بن عليّ عندما رآه عازماً على الخروج: “إنّك مقتول فأجدّ الضراب، فإنّ القوم فسّاق يظهرون إيماناً ويضمرون نفاقاً وشركاً فإنّا لله وإنّا إليه راجعون وعند الله أحتسبكم من عصبة”[1].

وقد ارتسم هذا العمل السياسيّ غير المسلّح في العديد من الأمور:

1- بيان حقّ الإمام عليه السلام بالخلافة:
هذا البيان الّذي انتقل من إطاره العلميّ إلى إطار التحدّي وصناعة الجوّ السياسيّ. وممّا ينقل أنّه لمّا زار هارون قبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقد احتفى به الأشراف والوجوه والوزراء وكبار رجال الدولة، أقبل على الضريح المقدّس ووجّه للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم التحيّة قائلاً: السلام عليك يا بن العمّ، قاصداً الافتخار على من سواه برحمه الماسّة من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم داعماً خلافته من خلال ذلك، وكان الإمام عليه السلام موجوداً فسلّم على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: “السلام عليك يا أبتِ”.

ففقد الرشيد صوابه وانتفخت أوداجه وقال: لِمَ قلت إنّك أقرب إلى رسول الله منّا؟

فقال عليه السلام: “لو بُعث رسول الله حيّاً وخطب منك كريمتك هل كنت تجيبه إلى ذلك؟”.

فقال هارون: سبحان الله! وإنّي لأفتخر بذلك على العرب والعجم.
فقال عليه السلام: “ولكنّه لا يخطب منّي، ولا أزوّجه، لأنّه والدنا لا والدكم فلذلك نحن أقرب إليه منكم”[2].

2- النفوذ إلى السلطة والتأثير من داخلها:
لقد استطاع الإمام أن ينفذ من خلال بعض شيعته إلى مركز القرار واضعاً عيوناً له تنقل التوجّهات للاتّقاء منها من جهة ولمحاولة التأثير في تلك القرارات من جهة أخرى، أو على الأقلّ لخدمة المؤمنين ورفع الظلم عنهم بالقدر الممكن. ومن تلك الشخصيّات عليّ بن يقطين، الّذي كان وزيراً لهارون الرشيد، وقد قال له الإمام الكاظم عليه السلام: “يا عليّ إنّ لله تعالى أولياءَ مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا عليّ”[3].

وكان الإمام عليه السلام حريصاً على أمن عليّ بن يقطين وعدم كشفه من قبل هارون وأعوانه. ومرّة أهدى الرشيد إلى ابن يقطين ثياباً فاخرة فيها درّاعة فاخرة فقام من فوره وأهداها إلى الإمام عليه السلام فردّها الإمام عليه السلام وكتب إليه: “احتفظ بها ولا تخرجها عن يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه”[4].

وبعدها جاء ساعٍ إلى هارون يقول له إنّ عليّ بن يقطين يقول بإمامة موسى الكاظم، وإنّه قد حمل إليه في هذه السنة تلك الدرّاعة السوداء التي أكرمته بها، فاستدعى هارون عليّ بن يقطين وقال له: ما فعلت بالدرّاعة السوداء الّتي كسوتك بها وخصصتك بها من بين سائر خواصّي؟

فقال ابن يقطين: هي عندي يا أمير المؤمنين، في سفط من طِيْبِ مختومٌ عليها، فطلب إحضارها، فأرسل من يحضرها من مكانها. وعندما رآها هارون قال: ردّها إلى مكانها وخذها وانصرف راشداً فلن نصدّق بعدها عليك ساعياً[5].

3- مواجهة السلطة وفضح ظلمها:
كان الإمام عليه السلام يُظهر عدم شرعيّة هذه السلطة. ومما يُنقل أنّ هارون قال لأبي الحسن الكاظم عليه السلام حين أُدخل عليه: ما هذه الدار؟
فقال عليه السلام: “هذه دار الفاسقين”.
فقال له هارون: فدار من هي؟
قال: “هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة”.
قال: فما بال صاحب الدار لا يأخذها؟
فقال عليه السلام: “أُخذت منه عامرة ولا يأخذها إلّا معمورة”.
قال: فأين شيعتك؟
فقرأ أبو الحسن عليه السلام: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾[6]. فقال له: فنحن كفّار؟
قال عليه السلام: لا، ولكن كما قال الله ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾[7].
فغضب عند ذلك وغلظ عليه[8].

دروس تمهيدية في سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم والأئمة المعصومين عليهم السلام، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص 366، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة، ح18.
[2] الشيخ القرشي، محمد باقر شريف، حياة الإمام الرضا عليه السلام، ج1، ص 78.
[3] العلامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج72، ص 349.
[4] م. ن، ج 48، ص 137.
[5] م. ن، ص 138.
[6] سورة البيّنة، الآية 1.
[7] سورة إبراهيم، الآية 28.
[8] العلامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 48، ص 156.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock