مجتمعمقالات

علم البلاغة في سورة «العلق»

القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة لنبينا محمد صلي الله عليه و آله وسلم ، ويعتبر اعجازاً من نواحي متنوعة، من المعاني القيمة التي لا تصل اليها الافهام، خاصة في تلك البيئة وفي ذلك العصر، ومن اخباره عن اسرار هذا العالم التي كشف عنها العلم الحديث، ومن كونه مبدأ لعلوم مختلفة، ولكن الأهم من ذلك كله هو البلاغة، والعرب مع أنها امتازت وبلغت الذروة فيها، حارت امام بلاغة القرآن ولم تتمكن من منافسته وسندرس في هذا المقال بايجاز سورة «العلق» التي تحتوي مع قصرها علم البلاغة، من أقسام الخبر، والأحوال المتنوعة للمسند اليه والمسند ومتعلقاته، والمجاز العقلي ووضع الظاهر موضع الضمير والعدول عن مقتضي الظاهر والالتفات والقصر والفصل والوصل والايجاز والاطناب والمساوات والمجاز المرسل والاستعارة والمجاز المركب بغير الاستعارة والكناية فانك لا تجد مسئلة من مسائل البلاغة الا ولها شاهد من هذه السورة ومع ذلك فان اعاظم المفسرين لم يتعرضوا لبلاغتها والزمخشري مع اهتمامه بجانب البلاغة في تفسيره «الكشاف» أشار الي بعض مواردها.

 

بسم اللّه الرحمن الرحيم

 

إقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الانسان من علق (2) إقرأ وربُّك الأكرم (3) الذي علَّمَ بالقلم (4) علَّم الانسان ما لم يعلم (5) كلاّ ان الانسان ليطغي (6) أن رآه استغني (7) إنّ الي ربِّك الرُجعي (8) أرأيت الذي ينهي (9) عبداً إذا صلّي (10) أرأيت إن كان علي الهدي (11) أو أمر بالتقوي (12) أرأيت ان كذَّب وتولّي (13) ألم يعلم بان اللّه يري (14) كلاّ لئن لم ينتَهِ لنسفعاً بالناصية (15) ناصية كاذبة خاطئة (16) فليدعُ ناديه (17) سندعُ الزبانية (18) كلاّ لا تُطعْهُ واسجد واقترب (19)

 

«فضلها: محمد بن حسان عن ابي عبداللّه قال من قرأ من يومه او في ليلته «إقرأ باسم ربك» ثم مات في يومه أو في ليلته مات شهيداً وبعثه اللّه شهيداً وأحياه كمن ضرب بسيفه في سبيل اللّه مع رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم ».

 

«أكثر المفسرين علي ان هذه السورة اول ما نزل من القرآن وأول يوم نزل جبرئيل عليه السلام علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم وهو قائم علي حراء علّمه خمس آيات من أول هذه السورة.(1)

ويجب قبل دراسة السورة أن نلاحظ أنّ في علم البلاغة بحوثاً خارجة عنه وهي التشبيه وانما تعرضوا له لابتناء الاستعارة عليه، والاستعارة المكنية والتخييلية، وذلك لان الاستعارة المكنية في الحقيقة تشبيه حذفت اركانه سوي المشبه والقرينة علي التشبيه هي اثبات ما ليس للمشبه له وتسمي هذه القرينة بالاستعارة التخييلية كقول ابن زيدون:

 

ويا نسيم الصبا بلّغ تحيتنا من لو علي البعد حيّا كان يحيينا

شبه الشاعر نسيم الصبا بالانسان وطلب منه «ابلاغ التحية وأثبت صفته وهي ابلاغ التحية للمشبه والاستعارة في «نسيم الصبا» مكنية وفي «بلّغ تحيتنا» تخييلية.

 

وكذلك علم البديع فهو خارج عن علم البلاغة لانه علم تعرف به طريق تحسين الكلام وتنميقه ولا دخل له في بلاغة الكلام.(2)

وأمّا المجاز المركب بالاستعارة او قل التمثيل بكلام العرب فهو مما لا يليق بالقرآن الكريم الذي هو في اعلي درجة البلاغة. وبعد هذا نبدأ بالبحث عن بلاغة السورة.

 

(بسم اللّه ) أي بسم اللّه أقرأ.

 

(ايجاز الحذف) الايجاز هو التعبير عن المقصود بلفظ ناقص عنه واف بالمقصود وينقسم الي ايجاز قصر وحذف وايجاز الحذف هو ما كان سبب الايجاز حذف شيء من الكلام.

 

المحذوف هنا متعلق الجار والمجرور أي أقرأ والقرينة علي اصل الحذف هو قواعد النحو من لزوم المتعلق للجار والمجرور وعلي المحذوف أي أقرأ بدأك بالقراءة كما ان المحذوف في البدء بغيرها هو الفعل الذي بدأت به ففي قولك عند السفر الي بلد «بسم اللّه » المتعلق هو أسافر وهكذا.

 

(القصر الحقيقي) القصر تخصيص شيء بشيء آخر بطريق خاص ومن طرقه تقديم ما مكانته التأخير سواء كان المقدم عليه مذكوراً او محذوفاً. وينقسم الي الحقيقي والاضافي. القصر الحقيقي هو تخصيص شيء بشيء بحيث لا يتعداه الي غيره نحو «لا اله الا اللّه » خصصنا الالوهية باللّه تعالي وليس اله غيره والقصر الاضافي هو تخصيص شيء بشيء بالنسبة الي شيء آخر لا علي الاطلاق نحو ما زيد الا قائم أي ليس بقاعد لا أنه ليست لزيد صفات أخري وايضاً قسم القصر الي قصر الموصوف علي الصفة وهو تخصيص الموصوف بصفة واحدة ونفي غير تلك الصفة عنه والي قصر الصفة علي الموصوف وهو تخصيص الصفة بموصوف معين ونفيها عن غيره.

 

قوله تعالي «بسم اللّه » قصر لان متعلق الجار والمجرور يقدر بعده لا قبله أي بسم اللّه أقرأ والدليل علي سوق الكلام للحصر هو ان المشركين كانوا يبدأون افعالهم بأسماء آلهتهم فيقولون باسم اللات والعزّي والموحّد يختص اسم اللّه بالابتداء للرد عليهم وهو من قصر الصفة علي الموصوف وذلك لتخصيص القراءة باسمه تعالي دون غيره والقصر حقيقي لان القراءة مختصة باسمه تعالي دون غيره.

 

(الاهتمام) ومن اغراض تقديم لفظ علي لفظ آخر هو الاهتمام بالمقدم فيقدم ما هو شأنه أهمّ كقولك عند رؤية الأمير: الأمير رأيت.(3)

متعلّق الجار والمجرور المحذوف واقع بعد اسمه تعالي كما مر أي بسم اللّه أقرأ فيدل تقديم اسمه علي الاهتمام به.

 

(الاضافة الي العلم) اضيف «باسم» الي لفظ الجلالة دون سائر المعارف لان العلم أعرف المعارف.

 

(الرحمن الرحيم) صفتان لاسم الجلالة جيء بهما لمدحه تعالي.

 

(المجاز المركب بغير الاستعارة) هو الكلام المستعمل في غير معناه لعلاقة غير المشابهة.

 

«بسم اللّه الرحمن الرحيم» جملة خبرية لم تستعمل في معناها وهو الاخبار بل استعملت في انشاء معناها.

 

(اقرأ باسم) «القراءة ضم الحروف والكلمات بعضها الي بعض في الترتيل وليس يقال ذلك لكل جمع لا يقال قرأت القوم اذا جمعتهم ويدل علي ذلك أنه لا يقال للحرف الواحد اذا تفوّه به قراءة».

 

الباء زائدة أي اقرأ اسم كقوله تعالي عيناً يشرب بها عباد اللّه أي يشربها تحذف «الف» «بسم اللّه » اذا افتتحت بها كتاباً او ابتدأت بها كلاماً وعند الفزع والجزع وعند الخبر يرد، والطعام يؤكل وتثبت فيما اذا توسطت في الكلام نحو ابدأ باسم اللّه ونحو اقرأ باسم اللّه ونحو إقرأ باسم ربك.(4)

(الإنشاء الطلبي) ينقسم الكلام الي خبر وانشاء والانشاء الي الطلبي وغيره ومن الطلبي الأمر وهو موضوع للدلالة علي طلب الفعل بنحو الاستعلاء اي للمعني الاسمي علي ما ذهب اليه البلغاء وغيرهم ومذهب الاصوليين المتأخرين هو ان الأمر موضوع للمعني الحرفي أي للنسبة الطلبية القائمة بين المتكلم والمخاطب والمادة.

 

الأمر في الآية الكريمة مستعمل في معناه الوضعي علي كلا القوانين.

 

(ذكر المفعول، حذفه او تركه) كررت «إقرأ» في الآية الثالثة وفي مفعولهما وجوه بل أقوال:

 

الاول تنزيل «إقرأ» الاول منزلة الفعل اللازم والقول بترك مفعولها فمعناه أوجد القراءة كما تقول فلان يعطي أي يوجد الاعطاء وأمّا «اقرأ» الثاني فمفعولها مذكور وهو «اسم ربك» والباء الداخلة عليه دالة علي التكرار والدوام كقولك اخذت بالخطام.

 

الثاني تنزيل كلا الفعلين منزلة الفعل اللازم.

 

الثالث حذف المفعول في كليهما وهو القرآن أي إقرأ القرآن والباء للاستعانة او الملابسة أي مستعيناً باسم ربك او متبركاً ومبتدءاً به.

 

الرابع أن يجعل باسم ربك مفعولاً ل «اقرأ» الثاني ومفعول «اقرأ» الاول قوله تعالي «بسم اللّه ».

 

والحق بمقتضي الظاهر ان المفعول ل «اقرأ» هو «اسم» والباء زائدة ول «اقرأ» الثاني هو نفس المفعول وحذف لدلالة المفعول الأول عليه.(5)

(ربّك) الرب في الأًل التربية وهو انشاء الشيء حالاً فحالاً الي حد التمام يقال ربه ورباه وربّبَهُ وقيل لان يَرُبَّني رجل من قريش أحب الي من أن يربني رجل من هوازن فالرب مصدر مستعار للفاعل ولا يقال الرب مطلقاً الا للّه تعالي المتكفل بمصلحة الموجودات.

 

أضيف الاسم الي الرب دون اسم الجلالة للاشارة الي المعني الوصفي وان العلة لقراءة اسمه هي أنه تعالي ربك.

 

(العدول عن مقتضي الظاهر، ايراد اسم الظاهر موضع الضمير) العدول عن مقتضي الظاهر هو ما كان كلامك مطابقاً لمقتضي الحال ولم يكن مطابقاً لمقتضي ظاهر الحال ومن موارد العدول وضع الاسم الظاهر موضع الضمير وهو أن يكون مقتضي الظاهر ايراد الضمير بان كان لمقام مقام التكلم او الخطاب او الغيبة ولكن المتكلم يعدل عن ذلك ويأتي باسم الظاهر.

 

مقتضي الظاهر في الآية ان يقال «اقرأ باسمي الذي خلقت» أي ايراد ضمير المتكلم لان المقام مقام التكلم ولكنه عدل عنه بايراد اسم الظاهر وذلك لتقوية داعي النبي في امره بالقراءة.

 

(الذي) الموصول في موضع جر نعت ل «ربّ» والغرض منه مدح اللّه تعالي.

 

(خلق) الخلق أصله التقدير المستقيم ويستعمل في ابداع الشيء من غير اصل ولا احتذاء.

 

(ذكر المفعول حذفه او تركه) الفرق بين ترك المفعول وحذفه هو ان المفعول في الترك منسيّ وليس بمقدّر وفي الحذف منوي ومقدر. يترك المفعول ويؤتي بالفاعل فقط اذا كان غرض المتكلم افادة من صدر عنه الفعل لا الواقع عليه الفعل فينزل الفعل المتعدي منزلة الفعل اللازم ولا يقدر المفعول نحو سرق الناطور فان المهم للمتكلم هو بيان ان السرقة وقعت ممن لا يترقب منه لا ان المسروق ما هو. يذكر المفعول اذا تعلق الغرض بافادة من وقع عليه الفعل نحو قتل زيد الأمير.(6)

«خلق» فعل متعد وفي مفعولها وجوه.

 

الأول تقدير المفعول بان يراد خلق كل شيء فيتناول كل مخلوق لانه مطلق فليس بعض المخلوقات أولي بتقديره من بعض والغرض من حذفه التعميم مع الاختصار ومن ذلك قوله تعالي «الرحمن علّم القرآن » أي علّم الناس كلهم.

 

الثاني عدم تقدير المفعول وتنزيل الفعل المتعدي منزلة الفعل اللازم فمعني «الذي خلق» أي الذي حصل منه الخلق.

 

الثالث تقدير المفعول وهو «الانسان» أي الذي خلق الانسان كما قال اللّه تعالي «الرحمن علم القرآن خلق الانسان »(7).

والحق هو القول الثاني وذلك لان الحذف خلاف الأصل ولان الموصول وصلته يشيران الي علّة وجوب قراءة اسمه أي اقرأ اسمه لان الخلق حصل منه.

 

(خلق الانسان من علق) «علق» مفردها علقة وهي القطعة الجامدة من الدم التي تعلق لرطوبتها بما تمر به فاذا جفت لا تسمي علقة والمراد هنا الدم الجامد بعد النطفة.(8)

(لام الاستغراق) تنقسم لام التعريف الي اربعة اقسام لام العهد الخارجي ولام الحقيقة ولام العهد الذهني ولام الاستغراق والمراد ب «لام الاستغراق» ما أريد بها جميع افراد الحقيقة ويصح لك ان تضع «كلّ» موضعها.

 

«اللام» في «الانسان» للاستغراق ولذا يصح ان تقول خلق كل انسان من علق (الإطناب، ذكر الخاص بعد العام أو الايضاح بعد الابهام) الاطناب هو التعبير عن المراد بلفظ زائد عليه لفائدة وله انواع منها ذكر الخاص بعد العام للتنبيه علي فضل الخاص ومنها الايضاح بعد الابهام وهو ذكر المعني الواحد بصورة مبهمة أولاً ثم بصورة واضحة وذلك لان ايراد المعني بنحو ما مر اوقع في النفس من ايراده بصورة واضحة ابتداءً.

 

قوله تعالي «خلق الانسان من علق» من ذكر الخاص بعد العام لو كان معني «خَلَقَ» الأولي هو خلق شيء فخص الانسان من بين ما يتناوله الخلق لانه أشرف ما علي الارض ومن الايضاح بعد الابهام لو كان معني «خلق» الاولي هو خلق الانسان فلم يبين الاولاَ من اي شي ء خلقه بل اكتفي بذكر خلقه ثم بين بأن خلقه من العلق.

 

(الخبر الابتدائي والغرض منه) ينقسم الخبر الي ابتدائي وطلبي وانكاري. الخبر الابتدائي هو ما كان الخبر خالياً عن التأكيد وذلك لخلو ذهن السامع من الانكار فلا حاجة لتأكيده.

 

الخبر هنا خال عن التأكيد لان السامع عالم ومعترف به ولذلك ليس الغرض من الخبر الاخبار بل الغرض بيان قدرته وانه تعالي خلق أكمل الموجودات مما هو في غاية القصوي.

 

(الفصل، كمال الاتصال) الوصل عطف جملة علي جملة اخري بالواو والفصل تركه ومواضعه أربعة منها كمال الاتصال وهو ان تكون الجملة الثانية بالنسبة الي الجملة الاولي بمنزلة التأكيد او عطف البيان او البدل.

 

لم تعطف «خلق الانسان من علق» علي «خلق» الأولي لكمال الاتصال اما لانها بمنزلة عطف البيان ان قلنا بان «خلق» الاولي بمعني خلق الانسان او بمنزلة البدل علي الوجهين الآخريين.

 

(السجع) هو اتفاق الفاصلتين في الحرف الأخير.

 

بين «خلق» و«علق» سجع لاتفاقهما في «القاف».

 

(لزوم ما لا يلزم) هو الالتزام بحرف قبل الحرف الأخير من القافية او الفاصلة، ومن ذلك قوم أبي تمام:

 

إذا ما امتطي الخمس اللطاف وأفرغت عليه شعاب الفكر وهي حوافل
أطاعته أطراف القنا وتقوّضت لنجواه تقويض الخيام الجحافل

بين «علق» و«خلق» لزوم ما لا يلزم لاتفاقهما فيما قبل الحرف الأخير وهو «اللام».

 

(إقرأ) (الاطناب، الكترير) ومن أنواع الاطناب التكرير وهو ذكر الشيء مرتين أو مرات لغرض.

 

كرّر «إقرأ» لتأكيد الأمر بالقراءة ويشهد لذلك شأن نزول الآيات، فان الملك حينما أمر النبي بالقراءة بقوله «اقرأ» اجاب النبي صلي الله عليه و آله وسلم ما أنا بقاري فكرر ثانياً وثالثاً الأمر بالقراءة، واليك ما جاء في تفسير الميزان. «في الدرّ المنثور أخرج عبدالرزاق واحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن الانباري في المصاحف وابن مردويه والبيهقي من طريق ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أمّ المؤمنين أنها قالت: أوّل ما بدي به رسول اللّه من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يري رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل ان ينزع الي أهله ويتزوّد لذلك ثم يرجع الي خديجة فيتزوّد لمثلها حتي جاء الحق وهو في غار حراء فجاء الملك فقال اقرأ قال قلت ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتي بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني الثالثة حتي بلغ مني الجهد ثمَّ ارسلني فقال: إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق إقرأ وربّك الأكرم الذي علّم بالقلم الآية».(9)

(الفصل) لم تعطف «إقرأ» علي «خلق الانسان من علق» لعدم المناسبة بينهما ولم تعطف علي «اقرأ» لانها تأكيد بالنسبة اليها أي لأجل كمال الاتصال.

 

(وربّك الاكرم) الكرم اذا وصف اللّه تعالي به فهو اسم لاحسانه وانعامه المتظاهر كقوله تعالي «إنّ ربي غنيّ كريم» واذا وصف به الانسان فهو اسم للاخلاق والافعال المحمودة التي تظهر منه ولا يقال هو كريم حتي يظهر ذلك منه.

 

«الاكرم» أي اعظم كرماً فلا يبلغه كرم كريم لانه يعطي من النعم ما لا يقدر علي مثله غيره فكل نعمة توجد من جهته تعالي إمّا بأن اخترعها واما بان سببها وسهل الطريق اليها.(10)

(لام الجنس) من أقسام لام التعريف لام الجنس وهي ما اريد بها نفس الحقيقة بدون النظر الي افراده كقولك العالم أفضل من العابد وهي الأصل والغالب في اللام والمراد فيما يأتي ما لم نصرح بخلافه.

 

«اللام» في «الأكرم» للجنس فتدل علي أنّ هذه الحقيقة هي للّه تعالي.

 

(قصر المسند علي المسنداليه) «وربك الاكرم» جملة حالية ولابد لها اذا كانت جملة من رابط يربطها بصاحبها واذا خلت من ضمير يربطها بصاحبها فالرابط هو الواو.

 

«ربّك» مسنداليه معرف بالاضافة «الأكرم» مسند معرف باللام والأصل في المسند اليه التعريف لانه محكوم عليه ولا معني للحكم علي ما لا يعرف كما ان الأصل في المسند التنكير ويعرف لأغراض منها قصر المسند علي المسند اليه كقوله تعالي وهو العليم القدير.

 

الغرض من التعريف هنا هو القصر فتدل الآية علي أنّ الأكرم هو اللّه تعالي فقط.

 

(العدول عن مقتضي الظاهر، وضع الاسم الظاهر موضع الضمير) مقتضي الظاهر هنا ايراد ضمير المتكلم بان يقال «وأنا الأكرم» ولكن عدل عنه بايراد اسم الظاهر وذلك لتقوية داعي النبي في أمره بالقراءة وقد مر عليك مثله.

 

(فائدة الخبر، الخبر الابتدائي) الغرض من الاخبار افادة الحكم وليس فيه تأكيد فيكون خبراً ابتدائياً من قسم فائدة الخبر.

 

(الذي علّم بالقلم) نبّه علي فضل الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها الا هو وما دوّنت العلوم ولا قيدت الحكم ولم تضبط أخبار الاولين ومقالاتهم ولا كتب اللّه المنزلة الا بالكتابة ولو لا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا ولو لم يكن علي دقيق حكمة اللّه ولطيف تدبير، الاّ امر القلم والخط لكفي.(11) ويكفي في فضله قوله تعالي «ن والقلم وما يسطرون».

 

(الذي) في موضع رفع لانها نعت ل «ربّ» جيء به لمدحه تعالي.

 

«علم» تتعدي الي مفعولين فاعلها ضمير مستتر يعود علي اللّه والمفعولان الانسان والكتابة أي علّم اللّه الانسان الكتابة بسبب القلم حذف المفعولان للاختصار ودلالة القرنية عليهما.

 

(المجاز العقلي) هو اسناد الفعل او معناه الي غير ما هو له مع قرينة مانعة من ارادة الانساد الي ما هو له نحو فتح الأمير البلد اسند الفتح الي الامير مع ان الفاتح جنوده لا نفسه نعم هو سبب الفتح لأمره بذلك والقرينة تكون لفظاً وغير لفظ.

 

أسند تعليم الكتابة الي اللّه تعالي مع أنّه تعالي لم يعلّمك الكتابة ولذلك تقول تعلذمت الكتابة عند أبي ولا تقول تعلمت الكتابة عند اللّه تعالي نعم هو سبب لذلك بايداع القدرة عليها في الانسان والقرينة علي المجاز عقلية.

 

«علّم الانسان ما لم يعلم» من أنواع الهدي والبيان وأمور الدين والشرائع والاحكام فجميع ما يعلمه الانسان من جانبه سبحانه اما بأن اضطره اليه واما بأن نصب الدليل عليه في عقله واما بأن بيّنه له علي السنة ملائكته ورسله فالعلوم جميعها تضاف اليه تعالي.(12)

(لام استغراق) اللام في الانسان للاستغراق ولذلك يصح وضع «كل» موضعها.

 

(ايجاز القصر) هو ما لم يكن سبب الايجاز حذف شيء من الكلام بل لدلالة ألفاظ الكلام علي معان اكثر منها ومن ذلك قوله تعالي «ما لم يعلم» لدلالتها علي جميع أنواع العلوم التي مر ذكرها.

 

(الفصل) لم تعطف «علم الانسان ما لم يعلم» علي «علّم» الأولي أي علي الصلة لاتحادهما في المسند والمسند اليه وكمال الاتصال بينهما.

 

(الاطناب، ذكر العام بعد الخاص) ذكر سبحانه أولاً نعمة تعليم الكتابة ثم ذكر جميع ما علّمه الانسان بقوله علّم الانسان ما لم يعلم.

 

(السجع المطرّف) وهو ما اختلفت الفاصلتان في الوزن واتفقتا في الحرف الأخير بين «الأكرم» و«القلم» و«لم يعلم» سجع مطرّف لان الحرف الأخير فيها هو «الميم» وأوزانها مختلفة.

 

(فائدة الخبر، الخبر الابتدائي) الآية جملة خبرية خالية عن التأكيد جيء به لغرض افادة الحكم.

 

(لزوم ما لا يلزم) وذلك بين «القلم» و«لم يعلم» لاتفاقهما فيما قبل الاخير أي اللام.

 

(الاشتقاق) هو ما كان في الكلام لفظان من اصل واحد كما في «علّم» و«لم يعلم».

 

(رد العجز علي الصدر) هو في النثر وقوع احد اللفظين المكررين أو المتجانسين أو ما جمعهما الاشتقاق او شبه الاشتقاق في آخر الفقرة واللفظ الآخر في أولها نحو اترك الشر يتركك.

 

بين «علّم» في صدر الفقرة و«لم يعلم» في آخرها شبه الاشتقاق.

 

(كلاّ) وردت في القرآن ثلاثة وثلاثين موضعاً حرف معناه الردع في جميع هذه المواضع عند سيبويه والخليل والمبرّد وأكثر البصريين وذهب الكسائي الي استعمالها في غير الردع وبمعني حقاً وأبو حاتم الي استعمالها في غير الردع وبمعني «ألا» الاستفتاحية.

 

«كلاّ» في الآية ردع عما يستفاد من الآيات السابقة من أنه تعالي أنعم علي الانسان بنعم عظيمة مثل التعليم بالقلم وسائر ما علم والتعليم من طريق الوحي، فعلي الانسان أن يشكره علي ذلك، لكنه يكفر بنعمته تعالي ويطغي.(13)

هذا ان قلنا بنزول السورة مرة واحدة وأما لو قلنا بوقوع «كلاّ» في ابتداء الكلام وذلك لنزول الآيات الخمسة السابقة أي من أول السورة «الي ما لم يعلم» قبل سائر آيات هذه السورة كما ذهب اليه بعض المفسرين فهي بمعني «حقاً».

 

«إنّ الانسان ليطغي» الطغيان تجاوز الحد في العصيان.

 

(لام الحقيقة) «اللام» في «الانسان» للجنس لا للاستغراق ولذلك لا يصح وضع «كل» موضعها.

 

(العدول عن مقتضي الظاهر، ايراد اسم الظاهر موضع الضمير) وذلك لان الأصل ان يقال انه ليطغي لتقدم ذكر «الانسان» هذا علي القول بنزولها مرة واحدة.

 

(فائدة الخبر، الخبر الانكاري) الخبر الانكاري هو ما أكّد مضمونه بمؤكد أو أكثر علي حسب مراتب الانكار قوة وضعفاً ويستعمل فيما اذا كان السامع منكراً للحكم فيؤكد ليرتفع انكاره.

 

الآية كلام خبري استعمل في معناه الوضعي اي افادة السامع مضمون الحكم وان الانسان ليجاوز الحد في الخروج عن طاعته لاستغنائه بماله او ولده او غيرهما والخبر انكاري وفيه ثلاث مؤكدات وهي «انّ» و«اللام» و«اسمية الجملة» وانما كان الخبر انكارياً لان السامع منكر للطغيان عند الاستغناء اذا كان ذلك بسبب انعامه تعالي عليه من خلق العالم له وتعليمه جميع العلوم.

 

(المسند، الجملة الفعلية) يأتي المسند فعلاً للدلالة علي حدوثه ويأتي اسماً للدلالة علي ثبوت المسند للمسند اليه فقط.

 

«ليطغي» مسند وفعل فيدل علي حدوث الطغيان بسبب الاستغناء وان الانسان ليس كذلك بحسب ذاته.

 

(الفصل، كمال الانقطاع) من موارد الفصل بين الجملتين كمال الانقطاع بينهما وذلك اما لاختلافهما في الخبر والانشاء بان تكون احدي الجملتين خبرية معني او معني ولفظاً والاخري انشائية كذلك واما لعدم المناسبة بينهما في المعني كقولك: درس الاستاد هرب اللص.

 

فصّل «ان الانسان ليطغي» عن الآية السابقة لعدم المناسبة بينهما في المعني وذلك لان المسند فيهما هو الطغيان والتعليم ولا مناسبة بينهما كما لا مناسبة بين المسند اليهما اي بين الانسان وبين اللّه تعالي وما ذكرنا مبني علي القول بنزول السورة مرة واحدة وأما لو قلنا بنزول هذه الآية وما بعدها مرة أخري فليس لنا جملتان لنبحث عن الوصل أو الفصل بل هي واقعة في أوّل الكلام.

 

«أن رآه استغني» أي لان رآه نفسه مستغنية عن ربه بعشيرته وأمواله وقوته «أن رآه» في محل نصب لانه مفعول له ومعني الرؤية العلم لا الإبصار. الضمير المستكن في «رآه» عائد الي الضمير المستكن في «يطغي» والهاء في «رآه» عائد الي الضمير المستكن فيه ولا يجوز عود ضمير المنصوب الي ضمير الفاعل الا في باب «علمتُ» وأخواتها ولا يجوز في غيره الا بواسطة النفس تقول ضربت نفسي ولا تقول ضربتُني و«استغني» جملة في موضع النصب لكونها مفعولة ثانية: «رآه» والتقدير لان رآه مستغنياً.(14)

(الفصل، شبه كمال الاتصال) من موارد الفصل شبه كمال الاتصال وهو ان تكون الجملة الثانية جواباً عن سؤال مقدر يفهم من الجملة الاولي.

 

فصّل الآية عن الآية السابقة لانها جواب عن سؤال يفهم من الآية السابقة فكأنه قيل لماذا يطغي الانسان فاجيب لانه يري نفسه مستغنياً.

 

«إنّ الي ربّك الرجعي» الرجعي مصدر كالبشري بمعني الرجوع خطاب للانسان الطاغي وتهديد وتحذير له من عاقبة الطغيان وأنه سيرجع الي اللّه تعالي فيجازيه علي عمله.

 

(تقديم المسند علي المسند اليه) «إلي ربك» مسند و«الرجعي» مسند اليه قدم المسند لتعجيل المساءة ولان فواصل الآيات علي الالف فقدّم المسند لرعايتها.

 

(وضع الظاهر موضع الضمير) لان الأصل ان يقال «إنّ اليّ رجوعه» فعدل عن الضمير الي اسم الظاهر.

 

(الالتفات من الغيبة الي الخطاب) الالتفات هو التعبير عن معني بطريق التكلم او الخطاب او الغيبة ثم التعبير عنه بطريق آخر منها، كقوله تعالي ربّنا انك جامع النوم ليوم لا ريب فيه ان اللّه لا يخلف الميعاد عبّر عنه تعالي أوّلاً بضمير الخطاب ثمَّ عبّر عنه ثانياً باسم الظاهر الذي هو طريق غيبة وينقسم الي ستة أقسام منها العدول من الغيبة الي الخطاب.

 

في الآية التفات من الغيبة الي الخطاب وذلك لان الاصل ان يقال «انّ الي ربه الرجعي»لتقدم اسم الظاهر ولكن عدل عنه الي كاف الخطاب.

 

(استعمال ضمير الخطاب في غير المخاطب المعيّن) وذلك لان الأصل في ضمير الخطاب استعماله في مخاطب معين لانه من المعارف ولكن قد يستعمل في غير المعين ليعم كل مخاطب بنحو البدل كقول بشار بن برد:

 

اذا أنت لم تشرب مراراً علي القذي ظمئت واي الناس تصفو مشاربه

استعمل ضمير المخاطب في الآية في غير المخاطب المعين ليعمّ كل انسان طاغ.

 

ولكن هذا مبني علي ان يكون الخطاب للانسان الطاغي لا لأبي جهل وكذلك «الالتفات» المتقدم.

 

(لام العهد الخارجي) هي ما اريد بها فرد أو اكثر معلوم للمتكلم والمخاطب كقوله تعالي كيف نكلم من كان في المهد صبياً اريد من المهد المهد الذي كان فيه ولد مريم ومواضعه أربعة منها ما اذا كان مدخول اللام معلوماً للمخاطب بالقرينة.(15)

أريد من الرجوع في الآية الكريمة رجوع خاص المعلوم للمخاطب وهو الرجوع اليه من عالم الدنيا الي عالم الآخرة.

 

(الخبر الانكاري) الآية كلام خبري انكاري والمؤكِّد هو «انّ» وانما أكد. لان الانسان الطاغي لا يعتقد بعالم الآخرة ويشهد لذلك استكباره علي ربه واسرافه علي نفسه بالمعاصي.

 

(المجاز المركب بغير الاستعارة) وذلك لاستعمال الخبر في الوعيد لا في الاخبار.

 

(الفصل، كمال الانقطاع) لم تعطف الآية بل فصلت عما قبلها وذلك لعدم لمناسبة في المعني بين الرجوع الي اللّه تعالي وبين طغيان الانسان عند الاستغناء لا بحسب المسند ولا بحسب المسند اليه.

 

«أرأيت الذي ينهي عبداً إذا صلّي» تقرير للنبي واعلام له بما يفعله بمن ينهاه عن الصلاة فقد جاء في الحديث أنّ ابا جهل قال هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم قالوا نعم قال فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنَّ علي رقبته فقيل له ها هو ذلك يصلّي فانطلق ليطأ علي رقبته فجأهم إلاّ وهو ينكص علي عقبيه ويتّقي بيده فقالوا مالك يا أبا الحكم قال إنّ بيني وبينه خندقاً من نار وهولاً وأجنحه وقال نبي اللّه والذي نفسي بيده لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضواً عضواً فانزل اللّه سبحانه أرأيت الذي ينهي الي آخر السورة رواه مسلم في الصحيح.(16)

(ايجاز الحذف) وذلك لان معني الآية أرأيت ما صنع اللّه تعالي بالذي ينهي عبداً إذا صلّي.

 

(العدول عن مقتضي الظاهر، الالتفات) وذلك لأنّ المراد ب (العبد) هو المخاطب أي النبي صلي الله عليه و آله وسلم فمقتضي الاصل ان يقال «الذي ينهاك عن الصلاة أي ايراد ضمير المخاطب لا اسم الظاهر الذي هو طريق غيبة ويأتي نفس البيان في الآية اللاحقة.

 

(المجاز المركب بغير الاستعارة) الهمزة في «أرأيت» للاستفهام وهو طلب العلم بشيء عند الجهل به وذلك محالٌ عليه تعالي فالجملة الاستفهامية مستعملة في غير معناها أي في انشاء التعجيب للمخاطب.

 

(الفصل، كمال الانقطاع) لم تعطف الجملة الاستفهامية علي الآية السابقة لكمال الانقطاع وذلك لاحتلافهما بحسب المسند والمسند اليه ولاختلافهما في الخبر والانشاء.

 

«أرأيت ان كان علي الهدي أو أمر بالتقوي».

 

(ايجاز الحذف) وذلك لان المعني أرأيت ان كان العبد علي طريق الهداية أو كان آمراً بالتقوي ماذا يصنع اللّه تعالي ب «أبي جهل» في عالم الدنيا.

 

(الجملة الاستفهامية) العبرة في الخبرية او الانشائية في الجمل الشرطية بجوابها فالجملة الشرطية هنا انشائية باعتبار جزائها واستعملت الجملة الاستفهامية في الوعيد مجازاً ويأتي نفس البيان في الآية التالية.

 

(الاطناب، التكرير) «أرأيت» تأكيد ل «أرأيت» الأولي جيئي به لغرض التأكيد في التعجيب.

 

(الاستعارة) هي استعمال اللفظ في غير معناه مع علاقة المشابهة وقرينة مانعة من ارادة معناه وتنقسم الي الأصلية والتبعيّة هي ما كان اللفظ المستعار اسماً مشتقاً او فعلاً او حرفاً.

 

«علي» في «علي الهدي» استعارة لعدم استعمالها في معناه الوضعي أي الاستعلاء الحسي وتبعية لأن اللفظ المستعار حرف.

 

(الجملة الشرطية والغرض منها) تستعمل «ان» في الكلام عند جهل المتكلم بحصول الشرط وقد تستعمل مع علم المتكلم به وذلك لأغراض منها عدم جزم السامع بالشرط كما اذا كان استادك منكراً لنجاحك في الامتحان وانت تعلم به فقلت له ان نجحت فماذا تقول جيء ب «إن» في الآية الكريمة مع علمه تعالي بان النبي مهدي وآمر بالتقوي لعدم جزم المخاطب أي أبا جهل بذلك ويأتي نفس البيان في الآية التالية.

 

(الفصل، كمال الاتصال) لم تعطف «أرأيت» علي «أرأيت» الأولي لدلالة الواو علي الجمع واقتضاء الجمع المغايرة من جهة والمناسبة من جهة اخري مع أنّ الجملتين متحدان بحسب المسند والمسند اليه ويأتي نفس البيان في الآية التالية.

 

«أرأيت إن كذّب وتولّي».

 

(ايجاز الحذف) لان المعني أرأيت الذي كذب وتولي ماذا صنع اللّه به في عالم الدنيا.

 

(الإطناب، التكرير) جيء ب «أرأيت» مرة ثالثة لتأكيد التعجيب.

 

«ألم يعلم بأنّ اللّه يري»

 

(المجاز المركب بغير الاستعارة) وذلك لأنّها جملة استفهامية لم تستعمل في معناها أي طلب العلم بشيء للجهل به لانه محال في حقه تعالي بل استعملت في الوعيد والهمزة فيها لطلب التصديق ولذلك يصح ان يجاب بنعم أو لا.

 

(الفصل، كمال الانفصال) لم تعطف علي قوله «أرأيت إن كذّب وتولّي» مع أنهما انشائيتان لعدم المناسبة بينهما في المعني لا بحسب المسند اليه لأن المسند اليه هنا هو «ابو جهل» وفي «أرأيت» النبي صلي الله عليه و آله وسلم ولا بحسب المسند لعدم المناسبة بين الرؤية بمعني الابصار والعلم.

 

(السجع المطرّف) بين يطغي، استغني، الرجعي، ينهي، صلّي، هدي، تولّي، يري، سجع مطرف لان الحرف الأخير في الجميع «الألف» وتختلف أوزانهما.

 

«كلاّ لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية» كلاّ ردع لأبي جهل. السفع الأخذ والقبض علي الشيء وجذبه بشدة، وهي من باب «قطع»، والناصية شعر مقدم الرأس، لأنها متصلة بالرأس.(17)

(الجملة الشرطية والغرض من ايراد «ان») الآية جملة شرطية خبرية لان العبرة فيها بالجزاء والشرط قيد له فمرجع الآية الي قولك لنسفعاً بالناصية مع عدم الانتهاء والغرض من ايراد «انّ» الشرطية مع علمه تعالي بحصول الشرط الوعيد ب «نار جهنم» مع عدم الانتهاء.

 

(فائدة الخبر، الخبر الانكاري) «لنسفعاً بالناصية» خبر انكاري لتأكيده باللام والنون الخفيفة ودليل التأكيد هو انكار ابي جهل البعث. والغرض من الخبر الاعلام بما يصيبه من عمله.

 

(الفصل) لم تعطف علي قوله «ألم يعلم بأن اللّه يري» لاحتلافهما في الخبر والانشاء مضافاً الي عدم المناسبة بينهما في المعني.

 

(لام العهد) أريد من «الناصية» ناصية أبي جهل وذلك لعلم المخاطب به.

 

«ناصية كاذبة خاطئة» ناصية بدل من «الناصية».

 

(الصفة والغرض من ايرادها) كاذبة خاطئة نعتان للبدل جيء بهما لذم المنعوت.

 

(المجاز العقلي) أسند الكذب والخطأ الي الناصية مع أنها لا تكذب ولا تخطأ بل يتصف صاحبها بهما وذلك لان الافعال تستند الي الانفس لا الي الجوارح فيكون اسنادهما الي المنعوت اسناداً مجازياً أي مجازاً عقلياً في النسبة الناقصة.

 

«فليدع ناديه» النادي والمنتدي والنديّ المجلس ومنه سمّيت دار الندوة بمكّة وهو المكان الذي كانوا يجتمعون فيه.(18)

(استعمال الأمر في التعجيز) ومن صيغ الأمر الفعل المضارع الذي دخل عليه لام الامر ويدل علي طلب الفعل بنحو الاستعلاء كما مر وقد يستعمل في غير معناه مع القرينة وهنا أستعمل الأمر في التعجيز اي فليدع اهل مجلسه يعني عشيرته فليستصربهم ولكنهم عاجزون عن نصره.

 

(المجاز المرسل) هو كلمة استعملت في غير معناها مع علاقة غير المشابهة وقرينة مانعة من ارادة الحقيقة. ومن علائقه علاقة المحلية وهي ذكر لفظ المحل وارادة الحال.

 

«ناديه» مجاز مرسل وذلك لان النادي لا يُدعي أهله أطلق المحلّ وأريد الحال كما قد يطلق الحال ويراد المحل كقول الشاعر:

 

ما أقدر اللّه أن يدني علي شحط سكّان دجلة من سكّان جيحاناً

«سندع الزبانية» «قال أبو عبيدة واحد الزبانية زبينه وقال الكسائي واحدهم زبني وقال الأخفش واحدهم زابن وقيل زبينة والزبن الدفع والناقة تزبن الحالب أي تركضه برجلها».(19) والمراد بالزبانية الملائكة الموكّلين بالنار الغلاظ الشداد الذين لا ينفع معهم أي ناصر.

 

(الكناية) هي اللفظ الذي أريد به لازم المعني الوضعي مع صحة ارادته او قل هي ذكر الملزوم وارادة اللازم.

 

دعاء الزبانية عند استنصاره من عشيرته كناية عن حتمية العقوبة والعذاب وعدم الفائدة في استنصاره، وأنه لا ينجو منه.

 

(المجاز المركب بغير الاستعارة) وذلك لاستعمال الجملة الخبرية في الوعيد.

 

(الانشقاق) بين «فليدع» و«سندع» شبه الاشتقاق لانهما مشتقان من أصل واحد.

 

(الفصل) لم تعطف الآية علي الآية السابقة لاختلافهما في الخبر والانشاء فان الآية السابقة جملة انشائية أمرية وهذه الآية جملة خبرية.

 

«كلاّ لا تطعه واسجد واقترب» أي لا تطع هذا الكافر أي أبا جهل وأطع اللّه واقترب من ثوابه بطاعته.(20)

عطفت «اسجد» و«اقترب» علي لا تطعه لاتحاد المسند اليه والمناسبة في المسند.

 

مصادر البحث :

1 ابن قتيبة، عبداللّه ، (1423ه) أدب الكاتب، دار احياء التراث العربي، بيروت.

 

2 التفتازاني، مسعود بن عمر، (1374ه) المطوّل، مكتبة العلمية الاسلامية، طهران.

 

3 الدرويش، محي الدين، (1417ه) اعراب القرآن الكريم وبيانه، ج10، ط5، دار الارشاد، حمص.

 

4 الراغب الاصفهاني، حسين بن محمد، (1404ه) المفردات في غريب القرآن، خدمات چاپي.

 

5 الزمخشري، جار اللّه ، محمود بن عمر، (1416ه) الكشاف، ج4، مكتب الاعلام الاسلامي.

 

6 الطبرسي، فضل بن الحسين، مجمع البيان، ج10، مكتبة العلمية الاسلامية، طهران.

 

7 الطباطبائي، محمد حسين، الميزان، ج20، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

 

8 الطوسي، محمد بن الحسين، التبيان، ج10، دار احياء التراث العربي.

 

9 الفقيهي، علي، (1382ه)، أصول البلاغة في المعاني والبيان والبديع، انتشارات مبعث.

 

10 الانصاري، ابن هشام، جمال الدين، (1291ه) مغني اللبيب، المكتبة العلمية الاسلامية، طهران.

 

الهوامش :

 


1. مجمع البيان، ج10، ص512، 513، 514.

 

2. أصول البلاغة، ص 144، 233، 2.

 

3. المطوّل، ص 158، 231. أصول البلاغة، ص103، 101، 100.

 

4. المفردات في غريب القرآن، ص402. أدب الكاتب، ص 109، 239.

 

5. المطول، ص 158، 159.

 

6. أصول البلاغة، ص 30، 90. المفردات في غريب القرآن، ص184، 157.

 

7. الكشاف، ج4، ص775.

 

8. مجمع البيان، ج10، ص513.

 

9. الميزان في تفسير القرآن، ج20، ص327.

 

10. المفردات في غريب القرآن، ص428. مجمع البيان، ج10، ص514.

 

11. الكشاف، ج4، ص779.

 

12. مجمع البيان، ج10، ص515.

 

13. مغني اللبيب، ص98، الميزان في تفسير القرآن، ص324.

 

14. مجمع البيان، ج10، ص513، 515.

 

15. أصول البلاغة، ص44، 55.

 

16. مجمع البيان، ج10، ص515.

 

17. اعراب القرآن الكريم وبيانه، ج10، ص528، مجمع البيان، ج10، ص513.

 

18. المفردات في غريب القرآن، ص478.

 

19. التبيان، ج10، ص382.

 

20. نفس المصدر السابق، ص383.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock