مقالات

كونوا كالشامَةِ في الناس

الشيخ بلال حسين ناصر الدين
هل دعا الإسلام إلى الاهتمام بالمظهر، أم اكتفى بإصلاح الباطن فحسب؟ وهل ثمّة ارتباط بين المظهر والإيمان؟ وكيف يمكن استخلاص النظرة الإسلاميّة من خلال النصوص؟

إنّ المتأمّل في النصوص الإسلاميّة: الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة؛ لا يبقى لديه أيّ شكّ أو ريب في أنّ اهتمام الإسلام بمظهر الإنسان وحياته العامّة كان جليّاً وواضحاً، ويجد أنّ الحثّ على ذلك لم يقلّ بأهميّته عمّا ورد في إصلاح النفس والباطن. ويكفي في إدراك مكانة الاهتمام بالمظهر في الإسلام أنّ بعض النصوص قد عدّت التجمّل -وما يدور في فلكه من نظافة وترتيب وأناقة- من الأخلاق الطيّبة، إذ ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: “التجمّل من أخلاق المؤمنين”(1).

وفي الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “أحسنوا لباسكم وأصلحوا رحالكم حتّى تكونوا كأنّكم شامة(2) في الناس”(3). وهذا الحديث يختصر لنا مفهوماً أساسيّاً ومهمّاً للغاية، وهو أنّ المسلم المؤمن ينبغي له أن يظهر بمظهر حسن، ولا يقتصر ذلك على ملبسه ومظهره الشخصيّ فحسب، إنّما أيضاً على المجتمع الذي يعيش فيه، فكما أنّ الاهتمام بمظهره الشخصيّ مطلوبٌ، فكذلك الاهتمام بنظافة الشارع والمسكن وهيئتهما، وأيّ موضع يعود إليه مطلوب أيضاً. والعبارة الواردة في الحديث الآنف: “حتّى تكونوا كأنّكم شامة في الناس”، فيها تعليل لسبب هذا الإرشاد، وهو أن يكون المؤمنون كالشامة في الناس؛ أي يُعرفون بهيئتهم الحسنة، ومن ذلك مظهر البلد والمسكن والشارع وكلّ ما ينسب إليهم. ومن هذا المنطلق، فإنّ ضرورة اهتمام المسلم بالنظافة والأناقة، ينبغي أن تتعدّى حدوده الشخصيّة حتّى تشمل بيئته ومجتمعه عامّة.

ومن دواعي الأسف، أنّ الكثير من الناس قد يهتمّون بأنفسهم أو بداخل بيوتهم فحسب، لكنّهم في الوقت عينه لا يُعيرون أيّ اهتمامٍ بمحيطهم، وكأنّ ما حولهم لا علاقة لهم به، وهذا يتناقض مع روح الإسلام الذي دعا إلى التماسك والتعاضد والحرص على كلّ ما فيه خير المجتمع وصلاحه. ومن الخير والصلاح أن يسهم الإنسان المؤمن في تحسين مظهر بيئته ومحيطه، ولو على قدر استطاعته. وليس هذا ممّا يحتاج إلى المال كما يتصوّر بعضنا، ذلك أنّنا نرى بيوتاً فقيرة بالمعايير الماديّة؛ إلّا أنّها تبهر العين لشدّة أناقتها ونظافتها، ونرى أيضاً قرى فقيرة إلّا أنّها تشدّ القلوب إليها، بل يقصدها السائحون للترويح عن أنفسهم.

أخيراً، هذا الذي يعدّه بعضهم ثانويّاً إنّما هو من صلب الدين، بل هو علامة الإيمان. ويكفي أن ننظر إلى بديع خلق الله تعالى، كيف ركّب مخلوقاته وصمّمها وزيّنها حتّى أبهر العيون وأذهل العقول بجميل ما صنع وأبدع، كي ندرك مكانة الاهتمام بالمظهر الحسن على الصعيد الفرديّ والجماعيّ، ونسعى في أن تكون ثقافة الجمال متجذّرة في سلوكنا أينما كنّا وحللنا.

(1) الشيخ الريشهري، ميزان الحكمة، ج 1، ص 416.
(2) الشامة: الخالُ في الجَسد. (لسان العرب، ج 12، ص316).
(3) المصدر نفسه، ج 1، ص 414.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock