مقالات

قلوبٌ لا تشيخ

السيد: ربيع أبو الحسن

أولت الشريعة الإسلاميّة الغرّاء مرحلة الشباب مزيد عناية، متحدّثةً عن إيجابيّاتها التي على الشاب اغتنامها، وعن سلبيّاتها التي يجدر به الابتعاد عنها؛ ورغبته في التزوُّد منها قبل أن ﴿يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ (النحل: 70).

والشباب هم الركيزة الأساس في التقدّم والتطوّر في الميادين كافّة؛ المادّيّة والمعنويّة، وهم الحصن المنيع الذي يذود عن بلاد المسلمين ويدفع عنها الأخطار والأهوال وطمع الطامعين، حيث إنّ النسبة الغالبة من الشهداء البررة هم من الشباب.

وإنّ أهمّ ما يتميّز به الشباب من غيرهم، هو امتلاكهم قلوباً طاهرة نقيّة، مؤهّلة لتلقّي العلم والمعرفة، وسهلة الانقياد لطاعة الله ونيل مرضاته، وتُشكِّل أرضاً خصبة لزرع بذور الإخلاص فيها. فهذا نبيُّ الله إبراهيم (على نبيّنا وآله وعليهم السلام)، أبو التوحيد، واجَه قومَه، وحطّم الأصنام التي يعبدونها وهو فتى لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾(الأنبياء: 6).

إنّ قلوب الشباب المفعمة بالإخلاص والإيمان الحقيقيّين لله سبحانه وتعالى لا تشيخ، ولا يزيدها طول العمر إلّا شباباً ونضارةً. وقد حدّثنا القرآن الكريم، وذكرت لنا السيرة، وأرشدتنا كذلك المسيرة إلى أُناسٍ لم يعرف طولُ العمر طريقاً إلى قلوبهم؛ فأهل الكهف مع كونهم كانوا كهولاً إلّا أنّ القرآن الكريم قال عنهم:﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ﴾ (الكهف: 13)،فقد جاء في الأثر عن سليمان بن جعفر الهمدانيّ قال: قال لي جعفر بن محمّد عليه السلام : “يا سليمان: من الفتى؟ فقلتُ له: جُعلت فداك، الفتى عندنا الشابّ، قال لي: أما علمت أنّ أصحاب الكهف كانوا كهولاً فسمّاهم الله فتيةً بإيمانهم. يا سليمان، من آمن بالله واتّقى فهو الفتى”(1).

وهذا أمير المؤمنين عليه السلام اضطلع وحده –على كبر سنّه– بما لم يجرؤ عليه أحد عندما واجه الخوارج، وهو القائل: “أَيُّهَا النَّاسُ أَنَا فَقَأْتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِئَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي بَعْدَ أَنْ مَاجَ غَيْهَبُهَا، وَاشْتَدَّ كَلَبُهَا”(2).

وفي زمانٍ ليس ببعيد، قام العبد الصالح الإمام روح الله الموسويّ الخمينيّ قدس سره بثورةٍ مدوّية في وجه العالم، متسلّحاً بإخلاصه لله سبحانه. وعن ذلك يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله : “لم يلحظ أحدٌ في الإمام، وحتّى آخر أيّام حياته، أيّ أثرٍ للكآبة والتردّد، والتعب والإهمال والاستسلام. إنّ كلام الإمام، في سنوات عمره الأخيرة، كان أحياناً أكثر ثوريّةً من عام 1963م، وأشدّ وأقوى. كان يشيخ لكنّ قلبه ظلّ شابّاً، وروحه توّاقة، إنّها الاستقامة التي جاءت في القرآن الكريم: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا﴾ (الجنّ: 16)، ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ (فصّلت: 30)”(3).

فمن الضروريّ أن يسعى الشابّ لتحصيل الإخلاص، الذي هو سرّ من أسرار الله، كما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرئيل عن الله عزّ وجلّ: “الإخلاص سرٌّ من أسراري، استودعته قلب من أحببتُ من عبادي”(4).

نسأل الله تعالى أن ينير قلوبنا بضياء الإخلاص، لتكون كزُبُر الحديد، تنصر قائم آل محمّد عجل الله تعالى فرجه الشريف في غيبته وبعد ظهوره، إنّه سميع عليم.

1.البرهان في تفسير القرآن، البحرانيّ، ج3، ص614.
2.نهج البلاغة، الخطبة 93/ الغيهب: الظلمة، والكَلَب: الفتنة المُهلكة.
3.كلمته دام ظله في مراسم الذكرى الـ 24 لرحيل الإمام الخمينيّ قدس سره في تاريخ 04/06/2013م.
4.منية المريد، الشهيد الثاني، ص133.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock