مجتمع

الأخلاق والتقوى والعمل الصالح هي المراقي التي ترتقي بالإنسان إلى المجد

إن الأخلاق والتقوى والعمل الصالح هي المراقي التي ترتقي بالإنسان إلى المَجدِ عند الله، وهي متيَسِّرة ومتاحة، وما على العبد إلا أن يسعى لتكميل أخلاقه، وتقوية ملكة التقوى في نفسه، وأن يزيد من وتيرة العمل الصالح.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “آفَةُ الْمَجْدِ عَوائِقُ الْقَضاءِ”.

المَجدُ: العِزُّ، والعُلُوُّ، والرِّفْعَةُ، والشَّرَف الواسِع، وقيل: هو بلوغ النهاية في الكرم. والله الماجِدُ والمَجيد إذ لا كَرَمَ يعلو كرمه. والقُرآن المَجيد، لأنه يتضَمَّن أعلى المكارم الدنيوية والأخروية. والمَجد ضِدّ الصَّغار أَوِ الذُّلِّ، أو المَهانة والحقارة.

معظم البشر يرغب بالمجد والسُّمُّو، وكلهم يسعون إلى ذلك بشتى الطرق، وهم بين ناجح في مسعاه فائز في تحقيق رغبته، وبين فاشل فيه مُخفق في بلوغها، تبقى قِلَّة من الناس قد تقبل بدون المجد، أو بدون الدُّون، لعدم لافتقادها الهِمَّة العالية.

الحَقُّ أن في إمكان المَرء أن يبلغ ذُرى المَجد، أو مرتبة سامية من مراتبه، والطريق إلى ذلك التَّخَلُّق بأخلاق الله تعالى، والإنسان أخلاق، وهي هويته المعنوية الحقيقية وليس البدن، وبها يتفاضل الناس، فيتقدم واحد ويتخَلَّف آخر، البَدَن قد يولَد وفيه عَيب، وقد يحدث العَيب فيه بعد الولادة، قد يحدث له حادث يُفقِده حواسه أو واحدة منها، لكن إن كانت أخلاقه عظيمة سَما في أعين الناس، وسَما بالناس، وسما عند الله تعالى. وإن ساءت أخلاقه فلا مَجد ولا منزلة، ولا مكانة ولا كرامة، ولو كان بدنه سليماً جميلا قوياً.

إضافة إلى التخلُّق بأخلاق الله تعالى، يأتي العمل الصالح كواحد من المَراقي التي ترتقي بالإنسان إلى المَجد، فكما أن الإنسان أخلاق، فهو عمل كذلك، إذا صَلح عمله صَلح، والعكس صحيح. العمل الصالح يرفع الإنسان ويسمو به، يقرِّبه من الله تعالى من جهة، ويفتح له أبواب قلوب الناس من جهة أخرى. وليس بعد هذا المَجد مَجد.

وإذاً فالأخلاق والتقوى والعمل الصالح هي المراقي التي ترتقي بالإنسان إلى المَجدِ عند الله، وهي متيَسِّرة ومتاحة، وما على العبد إلا أن يسعى لتكميل أخلاقه، وتقوية ملكة التقوى في نفسه، وأن يزيد من وتيرة العمل الصالح.

غير أن البعض من الناس قد يرغب في المَجد الدنيوي البحت، أي يرغب في أن يكون صاحب جاه ومنزلة عند الناس، فهؤلاء قد يسعون بكل جهدهم ليرتقوا إلى تلك المرتبة ولكنهم يخفقون في ذلك، لأن الأمر بيد الله الذي إن رآهم جديرين بالوجاهة عند الناس أعزَّهم، وإن رآهم غير جديرين بذلك خلّى بينهم وبين أنفسهم، فالله تعالى هو المُعِزُّ وهو المُذِلُّ، قال تعالى: “قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”﴿26/ آل عمران﴾.

إن ذلك يُلزِمُ المؤمن أن يُخلصَ لله في كل أحواله وشؤونه، وفي كل مواقفه وأفعاله، وأن يطلب المنزلة عند الله وحده لا عند سواه من الخلق، الذين لا يقدِّمون ولا يؤخِّرون، ولا يُعِزُّون ولا يُذِلّون، فمن شاء الله أن يُعِزَّه في الدنيا أَعَزَّه ولو اجتمع الخلق كلهم على إذلاله واحتقاره، ومن شاء الله أن يُذِلَّه أذَلَّه ولو اجتمع كل الخلق على أن يُعِزُّوه، ومن يقبله الله له عبداً جعل الله له في قلوب الناس وُدّاً، وأرضاهم عنه، وعطف قلوبهم عليه، وجعلهم طوع أمره.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock