مقالات

مع الامام الخامنئي: ثمرات رمضانية

أهنئ بمناسبة عيد الفطر السعيد جميع الشعوب المسلمة والأمة الإسلامية العظيمة في كلِّ أرجاء العالم. إنَّ ليوم عيد الفطر خصوصيتين مميّزتين: الأولى هي حالة الطهارة والنزاهة والنقاء التي تتفاعل في قلوب وأرواح المؤمنين نتيجة الرياضات الشرعية الإلهية في شهر رمضان المبارك. والصيام أحد هذه الرياضات حيث يترك الإنسان باختياره وإرادته الملذَّات الماديَّة على امتداد ساعات طويلة، ويتغلَّب على أهوائه وميوله النفسية طوال أيام الصيام. أضف إلى ذلك الاستئناس بالقرآن الكريم وتلاوة كلام الخالق والتعرّف إلى المفاهيم والمعارف القرآنية. كما أنَّ حالات الذكر والدعاء والتضرع والتوجه واستئناس الإنسان بالله تعالى في أيام وليالي شهر رمضان خصوصاً ليالي القدر المباركة، كل هذا يبعث في قلب الإنسان النور، ويُضفي على روحه نزاهة وطهراً. وثمَّة طبعاً في هذه الأعمال البالغة الأهمية لشهر رمضان المبارك دروس كبيرة لنا لا بدَّ من الانتفاع منها.

*قهر التجليات المغرية
من هذه الدروس أنَّ إرادة الإنسان الباحث عن الله بوسعها التغلّب على كافّة النزوات والأهواء والملذَّات المادية التي تستقطب إليها نفس الإنسان. هذه نقطة مهمة جداً بالنسبة لنا. أحياناً يلقّن الإنسان نفسه: إنني لا أستطيع الانتصار على هوى نفسي. صيام شهر رمضان يثبت للإنسان أنه قادر-إذا ما عقد عزيمة راسخة وأراد فعلاً-أن يتغلَّب وينتصر على أهوائه. يمكن بفضل الإرادة المتينة والتوكّل على الله تعالى قهر التجليات المغرية، والعادات القبيحة الذميمة فينا، وتحرير أنفسنا منها. بوسع هذه الإرادة القوية-وتأثير هذه الإرادة درس كبير لنا-أن تحرّرنا من عاداتنا الذميمة الشخصية وكذلك عاداتنا الاجتماعية وخصالنا المحلية التي تتسبَّب في تأخرنا على الصعد الماديّة والمعنويّة. إذاً، من هذه الدروس انتصار الإرادة الراسخة على كافَّة العقبات.

*استضافة عباد الله
تشيع أيضاً في شهر رمضان روح مساعدة الناس والتعاون فيما بينهم. أنانيات الإنسان تنهزم لصالح حبِّه للآخرين. حالة التعاون وطلب الخير للناس شيء له قيمة بالغة تفضي إلى طهارة نفس الإنسان. كم جرت مساعدة المعوزين في هذا الشهر؟ هذه هي حالة تغلّب حب الآخرين على الأنانية وحب الذات. تغلّب مصالح الآخرين على مصالح الذات، وهي طبعاً ناجمة بدرجة كبيرة عن الروح المعنوية لشهر رمضان.

*أجواء الذكر ألطاف إلهيّة
الأجواء مفعمة بالذكر والدعاء والتضرع، خصوصاً في ليالي القدر. في تلك الساعات المباركة هرع الجميع ولا سيما الشباب ومن كافة المشارب الاجتماعية والفردية والسياسية المتنوعة وأحيوا مجالس الدعاء والتوجه والذكر. جاء الجميع ورفعوا أيديهم بالدعاء وربطوا قلوبهم بخالقهم. هذا التوجه والتوسل والتوفيق الذي يكتسبه الإنسان يعد لطفاً إلهياً. إنّه نظرة الخالق لنا والتي يشير لها الإمام السجاد عليه السلام في دعاء وداع شهر رمضان المبارك حيث يقول: “تشكر من شكرك وأنت ألهمته شكرك.. أنت الذي ألهمت الشكر لقلوب من يشكرونك.. وتكافئ من حمدك وأنت علّمته حمدك..” أنت الذي وفقت وعلّمت عبدك فاستطاع أن يحمدك. الحقيقة أنك بمجرد أن تقول يا الله وبمجرد أن يستأنس الإنسان بالباري تعالى ويتكلم معه فهذا لطف من الله وتوفيق يمنّ الله به على الإنسان. كلمة “يا الله” بحد ذاتها تنطوي على إجابة الرب. لقد ذقتم هذه اللذة المعنوية بقلوبكم الطاهرة النورانية. فلا تخسروا هذه اللذة ولا تتركوها. انتفعوا من فرصة الصلوات الخمسة، وتلاوة القرآن، والمساجد، والأدعية الواردة، والصحيفة السجادية، وغير ذلك لكي يتواصل هذا الطهر وهذا النور. هذه خصوصية بارزة ليوم عيد الفطر أن تحملوا في نفوسكم هذا النور المشع من شهر رمضان.

*واعتصموا بحبل الله
والخصوصية الثانية تتجلَّى في الاعتصام الجماعي بحبل الله. علينا الاحتفاظ بهذا الشيء كدرس رمضاني وهو كذلك من ثمار الواقع المعنوي لشهر رمضان. خصوصاً وأنَّ شهر رمضان لدى المسلمين يتضمَّن يوم القدس الذي يعد من التجلّيات الحقيقية لاتِّحاد العالم الإسلامي وانسجامه. حيث تترسّخ هذه الحركة العظيمة في العالم الإسلام وتأخذ بالنمو والاتساع يوماً بعد يوم. هذا دليل على أنَّ قضية فلسطين تتفاعل وتعظم أكثر فأكثر في العالم الإسلامي على الرغم مّما يريده غاصبو فلسطين وحماتهم. كما أرى من الضروري الإشارة إلى أنَّ العالم الإسلامي يواجه في الوقت الراهن هجوماً سياسياً وثقافياً وإعلامياً شاملاً يشنّه أعداء الإسلام. هذه نقطة ينبغي أن لا يغفل عنها جميع أبناء الشعوب في كلِّ العالم الإسلامي، وخصوصاً النخبة، والمثقفون، وعلماء الدين، والشخصيات السياسية البارزة. الهجوم على الإسلام ومقدّسات المسلمين اليوم هجوم شامل، وهذا ليس بسبب أنَّ العدو ازداد قوة، بل لأنَّ العدو يشعر بالضعف حيال الحركة الإسلامية العظيمة، لذلك يستعين بشتَّى صنوف الحرب النفسية، وأنواع الهجوم، وتخويف الشعوب والبلدان المسلمة بعضها من بعض وبثِّ الدعاية ضدَّ بعضها. والسبيل هو أن يُحافظ العالم الإسلامي على وحدته. وحذار من أن تتحوّلوا إلى ألعوبة بيد الأعداء المشركين الذين يرومون التفرقة وبثِّ الخلاف بينكم تحت عناوين مختلفة.

يقول الله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (القصص:83). العاقبة الطيبة من نصيب المتقين الذين ينأون بأنفسهم عن الممنوعات الإلهية، ويتجنَّبون الأنانيات، ويبذلون جهودهم في سبيل الله ولأجل الله وباتجاه المصالح الوطنية، ومن أجل إعلاء كلمة الإسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock