مقالات

لماذا يمنع الاغترار من الاستغفار؟

أحد الموانع التي يُركِّز عليها سماحة الإمام الخامنئي دام ظله، وهي من الموانع التي تمنع من الاستغفار، هي الاغترار بالله تعالى، حيث يتحدّث سماحته أوّلاً عن معنى الغرور، وكيفيّة حصوله في قلب الإنسان، ويستشهد على كلامه بدعاء من الصحيفة السّجاديّة يُبيّن مدى الخطر الكبير على أخلاق الإنسان الّذي يُسبّبه الاغترار بالله تعالى، يقول دام ظله: “المانع الثاني هو الغرور، فما أنْ يؤدّي الإنسان عملاً صغيراً حتّى يُصاب بالغرور، لدينا في تعابير الدعاء والرواية عبارة (الاغترار بالله) وفي الدعاء (64) من الصحيفة السجّاديّة والّذي يُقرأ في أيّام الجمعة هذه (أي شهر رمضان المبارك) ، توجد عبارة مؤثّرة جدّاً وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “وَالشَّقاءُ الأشْقَى لِمَنِ اغْتَرَّ بِكَ. مَا أكْثَرَ تَصَرُّفَهُ فِي عَذَابِكَ، وَمَا أَطْوَلَ تَرَدُّدَهُ فِيْ عِقَابِكَ، وَمَا أَبْعَدَ غَايَتَهُ مِنَ الْفَرَجِ، وَمَا أَقْنَطَهُ مِنْ سُهُولَةِ الْمَخْرَجِ”.

فالمغرور حسب تعبير هذه الرواية مبتلى بحالة (الاغترار بالله) والغُرور يجعل المغرور بعيداً جدّاً عن العمران، ويده قاصرة جدّاً عن الخلاص والسلامة. لماذا؟ لأنّه بمجرّد أنْ يؤدّي أيّ عملٍ صغير، فيُصلّي مثلاً ركعتي صلاة، أو يُقدّم خدمة للناس، أو يودع مالاً في صندوقٍ ما، أو يؤدّي أيّ عملٍ في سبيل الله، فإنّه يُصاب بالغرور فوراً، ويقول في نفسه قد صلح عملي ووضعي عند الله وقد سوّيت حسابي وسدّدته ولم أعد بحاجة لشيء! لا يذكر ذلك بلسانه، بل يُردّده في قلبه.

التفتوا جيّداً، إنّ الله تعالى عندما فتح باب التوبة، وقال إنّي أغفر الذنوب، فليس معنى ذلك أنّ الذنوب أمرٌ هيِّنٌ وصغير، كلّا فالذنوب أحياناً تُضيّع الوجود الحقيقيّ للإنسان، تُنهيه، وتجعل من الإنسان الّذي كان في مرتبة عالية من الحياة الإنسانيّة، تجعله حيواناً مفترساً قذراً لا قيمة له، هكذا هو الذنب، فلا تتصوّروا أنّ الذنب أمرٌ بسيط، فالكذب والغيبة والاستهتار بشرف الإنسان والظلم ولو بكلمة واحدة ذنوبٌ غير بسيطة ولا هيّنة.

وإذا أراد الإنسان أنْ يحسّ بأنّه مذنب، ليس ضروريّاً أن يكون غارقاً في الذنوب لسنواتٍ طويلة، كلّا فالذنب الواحد ينبغي أنْ لا يُستصغر، ففي الروايات وفي باب استحقار الذنوب نجد أنّ استحقار الذنوب مذموم، وسبب قول الله تعالى إنّنا نغفر هو أنّ العودة إلى الله مهمّة جدّاً، وليس معناه أنّ الذنب صغير ولا قيمة له. الذنب أمرٌ خطير جدّاً، لكنّ العودة لله والتوجّه إليه وذكره أمور مهمّة لدرجة أنّ من يقوم بها بشكلٍ صادق وصحيح وحقيقيّ فإنّ مرضه المستعصي ذاك سيُشفى.

الإمام السّجاد صلى الله عليه وآله وسلم يُناجي ربّه في دعاءٍ آخر فيقول: “فأمّا أنت يا إلهي فأهلٌ أنْ لا يغترّ بك الصدّيقون”. لاحظوا أيّ بيان وأيّة معرفة في هذا الدعاء، فهذا هو الطريق. إنّه يقول إنّ الصدّيقين الّذين ارتقوا إلى مقامٍ سامٍ من العبوديّة لا ينبغي لهم الاغترار -لأنّهم ساروا في الطريق الصحيح إلى الله-، يظنّون أنّهم لم يعودوا بحاجة للجدّ والجهد، كلّا “أنْ لا يغترّ بك الصدّيقون” لأنّ اغترارهم يمنعهم من الاستغفار، فالإنسان يستغفر عندما لا يكون غافلاً ولا يكون مغترّاً بالله ولا يكون مخدوعاً ومعجباً بنفسه”([1]).

توجيهات أخلاقية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


([1]) خلاق ومعنويت (فارسي)، ص173.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock