منوعات

داء الإسراف في الطعام والشراب

بعد إطلالتنا في العدد السابق على مفهوم الإسراف في المأكل والمشرب إسلاميّاً، سوف نتناول في هذا المقال آثار هذا الإسراف على الفرد نفسه. ونستحضر في مطلع حديثنا قول النبيّ الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: “إيّاكم والبطنة، فإنّها مفسدة للبدن ومورثة للسقم، ومكسلة عن العبادة”(1). وقد لخّص الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في قوله الكريم هذا، آثار الإسراف السلبيّة على الإنسان، وقسّمها إلى ثلاثة أقسام. فما هي هذه الأقسام؟ وكيف عالجها الدين الإسلاميّ؟

•أوّلاً: آثار الإسراف الجسديّة:
تُعدّ البدانة من أبرز آثار الإسراف والإفراط في تناول الطعام والشراب، سواءٌ أكان الطعام صحيّاً أم لا، وهو ما يتسبّب بارتفاع معدّل الدهون في الجسم عن الحدّ المسموح، بحيث يزيد على نسبة 25% عند الرجال و35% عند النساء، وبهذا يصبح الشخص معرّضاً لأمراض عديدة أهمّها:

1- أمراض القلب والشرايين والجلطات.

2- مشاكل ضغط الدم.

3- السكّري من النوع الثاني، وغيرها.

وقد أشار الإمام الصادق عليه السلام إلى تسبّب الإسراف في الطعام بالبدانة، التي غالباً ما تظهر آثارها في محيط البطن بشكلٍ واضح، حيث قال عليه السلام: “الأكل على الشبع يورث البطن”(2).

مضافاً إلى ذلك، يوجد العديد من المشاكل والأمراض التي يتسبّب بها الإسراف في الطعام، منها:
1- البرص، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “الأكل على الشبع يورث البرص”(3).
2- العقم أو صعوبة الإنجاب.
3- مشاكل الكلى والمرارة والكبد من تضخُّم وتشمُّع.
4- مشاكل البشرة والجلد، كظهور الحبوب وتحوّل البشرة إلى الدهنيّة.
5- مشاكل الجهاز الهضميّ.
6- النسيان وضعف الذاكرة المبكّر.
7- ظهور الخلل على مستوى الدهنيّات في الدم.
8- ضعف المناعة والتعرّض لبعض أنواع السرطانات، ولا سيّما سرطان القولون.
9- التأثّر النفسيّ السلبيّ للبدين، بحيث يتراجع تفاعله في محيطه وبيئته، وقد يؤدّي إلى الإحباط والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس.
10- التراجع الذهنيّ والعقليّ.
11- مشاكل المفاصل من آلام المفاصل واعوجاج العظام مع زيادة تقوّس العمود الفقريّ.
12- مشاكل الرئتين والربو وضيق النفَس وكثرة اللهاث.
13- الصداع والتوتّر السريع والاضطراب في النوم.
14- عدم القدرة على ممارسة الرياضة.

•ثانياً: آثار الإسراف القلبيّة والذهنيّة:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإنّ القلوب تموت كالزروع إذا كثر عليه الماء”(4).

كلّما تعلّق الفرد بلذائذ الحياة، كلّما انشغل قلبه بالسعي لتحصيلها والخوف من خسارتها. ولعلّ انشغال الفرد بالطعام والشراب، وجعله من أولويّاته، والحرص على تحصيل أعلى درجات التلذّذ فيه هو من أكثر ما يميت القلب ماديّاً ومعنويّاً.

عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “لا تشبعوا، فتُطفأ نور المعرفة من قلوبكم، ومن بات يصلي في خفّة من الطعام بات الحور العين حوله”(5)، وعنه أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “من قلَّ طعامه صحّ بدنه، وصفا قلبه، ومن كثر طعامه سقم بدنه، وقسا قلبه”(6).

إذاً، فالتخمة الحاصلة من الإسراف هي حاجز بين تطوّر القوى الذهنيّة للفرد، وانتعاش الحكمة، وحيويّة الفكر.
وهذا ما أكّدته الدراسات العلميّة التي أثبتت أنّ ارتفاع نسبة البلادة والخمول الذهنيّ والتراجع المدرسيّ والانحسار الفكريّ، تعود إلى ارتفاع نسبة العشوائيّة في تناول الطعام.

•ثالثاً: آثار الإسراف على سلوك الإنسان وعبادته:
قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ (المؤمنون: 51).

ونرى في الآية تقديم الأمر بالأكل من الطيّبات على الأمر بالعمل الصالح، ولعلّ في هذا إشارةً منه تعالى إلى مدى تأثير الأكل ونوعه على طبيعة العمل؛ فما دام المرء يسعى لإصلاح عمله، لا بدّ له من إصلاح طعامه واختيار الطيّب منه دون الخبيث.

وقد ورد في الأحاديث الإسلاميّة ذمّ كثرة الأكل؛ لأنّ العبد أبعد ما يكون عن الله في حال التخمة، فلا ينبغي للإنسان أن يصرف همّه ويهدر وقته في التلذّذ بالطعام والشراب إلّا بالمقدار الذي يتقوّى به على عبادة الله وخدمة عياله، وعليه أن يستذكر دوماً أنّه إنّما يأكل ليعيش، ولا يعيش ليأكل.

وفي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “ثلاث فيهنّ المقت من الله عزّ وجلّ: نوم من غير سهر، وضحك من غير عجب، وأكل على الشبع”(7).
والأكل على الشبع هو عين الإسراف، وكما نرى فهو ممقوت من الله عزّ وجلّ، ولا يمكن أن يفعل الإنسان شيئاً يمقته الله ولا يحبّه، وفي الوقت ذاته يطلب القرب من الله تعالى.
وهذا ما أكّده الإمام الباقر عليه السلام بقوله: “ما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من بطن مملوء”(8).
وعن النبيّ عيسى عليه السلام: “يا بني إسرائيل… وإذا جعتم فكلوا ولا تشبعوا، فإنّكم إذا شبعتم غلظت رقابكم، وسمنت جنوبكم، ونسيتم ربّكم”(9).
هنا لخّص النبيّ عيسى عليه السلام تبعات الإسراف والأكل الزائد على الحاجة في ثلاثة أمور، محلّ الشاهد فيها ثالثها وهو أنّ الإفراط في الأكل يُنسي الإنسان ربّه.

•القرب من الله
لذا، لا بدّ لكلّ سالك في طريق الهدى من أن يصون نفسه من كلّ ما يبعده عن الحقّ تعالى، كيف لا وهو يبغض بُعد عباده عنه، وإنّما خلق الخلق ليعبدوه ويكونوا في أَوج حالات القرب منه، كي يصلوا إلى كمالهم بوصاله عزّ وجلّ، وبما أنّ التخمة من مبعدات المؤمن عن الله، فهي من المبغضات لديه تعالى.

1.بحار الأنوار، المجلسي، ج63، ص337.
2.(م.ن)، ج63، ص336.
3.وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج16، ص409.
4.بحار الأنوار، (م.س)، ج63، ص331.
5.(م.ن).
6.(م.ن)، ج63، ص337.
7.الوافي، الفيض الكاشاني، ج26، ص542.
8.فروع الكافي، الكليني، ج6، ص272.
9.وسائل الشيعة، (م.س)، ج16، ص411.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock