مجتمع

وسائل التواصل الاجتماعيّ بين التهديد والأمان

تحتلّ وسائل التواصل الاجتماعيّ (وعالم الإنترنت بشكل عام) مساحة واسعة من حياة الأفراد(1)، وتشغل حيِّزاً كبيراً من اهتمامهم. ولم تعد هذه الوسائل مجرَّد أدوات للتقدّم والتطوّر والتعلّم بل أضحت أدوات تؤدّي خدمات أخرى، وتساهم بشكل كبير في هدم قيم وبناء أخرى مكانها. والسؤال الذي يُطرح: هل فعلاً باتت الوسائل تشكّل تهديداً لكينونة المجتمعات، وبالتالي الأفراد؟ وهل تترتّب نتائج سلبيّة عليها؟ وكيف يمكن استخدامها بشكل آمن؟ هذا ما سنحاول الإشارة إليه في هذه المقالة.

* الآثار السلبيّة لاستخدام شبكات التواصل
يذكر خبراء شبكات التواصل الاجتماعيّ مجموعةً من السلبيّات التي تصيب مستخدِم الشبكات الاجتماعيّة، نلخّصها بالآتي:

1- إضعاف الذاكرة اللغويّة العربيّة
يؤدّي كثرة استخدام وسائل التواصل الإلكترونيّ عَبْر الكتابات النصيّة، والأوامر الإلكترونيّة، إلى زعزعة منظومة المفردات اللغويّة للفرد، بسبب عدم التواصل الطبيعيّ، وقلَّة النطق باللغة العربيّة.

2- تلف الخلايا الدماغيّة
يؤدّي الإدمان على استخدام تلك الوسائل إلى إرهاق العين الباصرة، وكذلك إلى تلف جزئيّ للخلايا الدماغيّة؛ حيث يرتبط بتغيّرات في الدماغ مشابهة للّتي تَحْدثُ عند الأشخاص المدمنين على الخمر والمخدّرات(2).

3- إضعاف التركيز الذهنيّ ومحو الذاكرة
إنّ التركيز الذهنيّ في قراءةِ نصٍّ إلكترونيٍّ موجود على صفحة رقميّة لا يتعدّى 25% مقارنةً بالقراءة الورقيّة التقليديّة من الكتب؛ بسبب خاصيّة تشعّب الفقرات والأوامر على صفحة (فايسبوك) مثلاً. كما تترك عمليات التصفّح والتواصل الإلكترونيّ الاجتماعيّ أثراً في محو الذاكرة، واستبدالها بذاكرة جديدة بفعل التراكم، حيث يُتوقّع، مع مرور الزمن، أنْ تتشكّل ذاكرة جديدة تخزّن الصُّور والنصوص والأشياء والمفردات اللغويّة الجديدة(3).

4- إضعاف المهارات التحليليّة
تُضعف وسائل التواصل المهارات التحليليّة؛ بفعل الاعتياد على التلقّي وعدم البحث المنهجيّ، وعدم إنتاج المعرفة والمعلومات، واستنساخ آراء ومعطيات الآخرين؛ فيعتقد المُتلقّي، واهماً، أنّه عثر على معلومات ضخمة، هي في الواقع معلومات مُشتّتة وسطحيّة. وفي دراسة لكليّة الاقتصاد في جامعة هارفارد، تبيّن أنّ 10% فقط من مستخدمي (تويتر) هم مَنْ يُنتِجون 90% من مضمون هذه الخدمة؛ ما يعني أنّ أغلب المُستخدِمين متلقّون(4).

5- إفشاء الأسرار وكشف المستور
سلبيّة أخرى انتقلت من الواقع وترسّخت في شبكات التواصل، وهي إفشاء الأسرار أو نشر المعلومات.

6- انقلاب قيم التواصل
إحدى ركائز وسائل التواصل الاجتماعيّ التقليدية هي صناعة الصورة للشخص، فيرتبط الناس بصاحبها، ويخبو اهتمامهم بالمحتوى. وقد يمكن حلّ ذلك عبر ابتكار صفحات تولي أهميّة للمحتوى، تكون حلّاً لسطحيّةٍ سائدةٍ على (فايسبوك) مثلاً، لكنّها ليست بديلاً فعليّاً للوسائل التقليديّة، التي تكمن قوّتها في أنها تربط مئات الملايين من الأشخاص بهدف التشارك والتعبير عن النفس ومن الصعب الإطاحة بذلك.

7- الدفع نحو ارتكاب جرائم إلكترونية
من سلبيّات وسائل التواصل السماح بالإخلال بالآداب والأخلاق، والدفع نحو سرقة وقرصنة الملكيّات الفكريّة والمعلوماتيّة للآخرين، والأبحاث والأرقام حول هذه النقطة السلبيّة أكثر من أن تحصى.

8- تعطّل الدور الاجتماعيّ الواقعيّ
نتيجة حالة اللامبالاة الشعوريّة وبرودة الانفعالات التي تُصيب المُستخدِم، “فإّن الأشخاص الذين يُفضّلون التواصل الافتراضيّ، يُسجِّلون معدّلات عالية في اضطرابات الوسواس القهريّ في لقاءاتهم”(5).

9- الاختلاط السلبيّ بين الجنسين
إنّ اختلاط الذكور والإناث بطريقة منافية للضوابط الدينيّة والشرعيّة من أهمّ سلبيّات وسائل التواصل الاجتماعيّ؛ ما قد ينجم عنه انحلال للقيم الروحيّة والمعنويّة.

10- الاضطراب النفسيّ والعاطفيّ
كشفت دراسة أكاديميّة(6) أنّ لموقع التواصل الاجتماعيّ (فايسبوك) دوراً كبيراً في تقلّب الحالة المزاجيّة لمُستخدِميه على نحو سيّئ. وأوضحت دراسة قام بها باحثون في جامعة ميتشيغان الأميركيّة أنّ مُستخدِمي فيسبوك يشعرون بالسوء تُجاه أنفسهم وحياتهم بعد فترة من استخدامهم لتلك المواقع.

11- النرجسيّة
تعزّز وسائل التواصل القيم الفرديّة والشعور الفائض بقوّة الذّات، أو ما يُسمّى بالنرجسيّة والغرور، فهي جنّة “الأنا”. فقد كشفت دراسة(7) عن الجانب المظلم للتعلّق لأوقات طويلة بالشبكات الاجتماعيّة، وعلى رأسها موقع “فايسبوك”؛ حيث توصّل بعض الباحثين إلى أنّ استخدامه لساعاتٍ طويلة قد يكون سبباً للنرجسيّة.

12- زيادة معدّلات التدخين واستهلاك الكحول
كشفت دراسة تركيّة(8) على أكثر من 2000 من طلبة المدارس الابتدائيّة في مدينة أرضروم التركيّة، أنّ ثمّة علاقة أكيدة بين الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعيّ وزيادة استهلاك الكحول والتدخين.

* الاستخدام الآمن لوسائل التواصل
إنّ التطلّع إلى استخدام آمن لوسائل التواصل يتطلّب خطوات وبرامج علاجيّة ووقائيّة، تتجاوز الأفراد إلى المؤسّسات والجمعيّات… وهنا يمكن تقديم مجموعة من الاقتراحات:

1- الوعي الهادف: لا بدّ من التوجّه لنشر حالةٍ من الوعي الهادف بخصوص المواقع السليمة والمفيدة، كمشاركة الأهل أبناءهم في العمل والبحث ضمن وسائل التواصل، وإشاعة الوعي حول أخطار نَشْرِ المعلومات الشخصيّة، والصور على شبكة الإنترنت، وتوعية الأهل ومراكز ومؤسّسات التربية حول مسألة فتح حوار مع الأبناء، ومعرفة مشاكلهم وأسباب اللجوء إلى شبكات التواصل، ثمّ دفعهم نحو الاستفادة السليمة من تلك الوسائل.

2- استخدام بإرشاد الأهل: يجب أن يكون استخدام وسائل التواصل بإشراف الأهل المباشر، وكذلك مراقبة استخدام تلك الشبكات من قِبلهم، والتعرّف على الأماكن التي تشغل بال المُستخدِم. ولا بدّ من تحديد أوقات خاصّة للدخول إليها، فمن غير المفيد ترك الأبناء يصولون ويجولون في أيّ وقت، ومتى شاؤوا دون وجود مَن يُشرف عليهم.

3- برامج التصفية: لا بدّ من العمل على توفير برامج تصفية المحتويات على شبكة التواصل، لإبعاد ما هو ضارّ، أو إعداد حملات توقيع على مواثيق شرف أخلاقيّة وثقافيّة.

4- بدائل الوقت: من جملة الأمور التي تقع على عاتق المؤسّسات، العمل على ملء أوقات الفراغ عند الأجيال الشابّة، من خلال برامج مفيدة، مثل: برامج الرياضة والمهارات.

5- قوانين آمنة: إيجاد خطّة عمل للأماكن (كافيه نت) التي تسمح للأشخاص باستخدام وسائل التواصل، وضبطها، من دخول صغار السنّ إليها، لحصر استخدامهم وسائل التواصل في البيت أو المدرسة، تحت رقابة القيّمين.

6- تربية مدرسيّة آمنة: إدخال مناهج جديدة عبر المدارس، حول التصفّح الآمن للإنترنت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock