مقالات

أطفال نصروا الحسين عليه السلام

الشيخ علي إبراهيم الهادي

في كربلاء الإمام الحسين عليه السلام، وعند استشهاد الطفل الرضيع، نادى الإمام عليه السلام وبصوت عالٍ: “يا رب خذ حتى ترضى”. يشرح هذا القول سرّ كربلاء بكل ما فيها من أحداث وفجائع، وأعظمها فاجعة الطفولة الشهيدة ففي كربلاء من أنصار الحسين شهداء أطفال، كتبوا بدمائهم الطاهرة سرّ ديمومة الثورة الحسينية. وهذا عرض موجز لهؤلاء الشهداء:

* أولاً: أبناء الإمام الحسين بن علي عليه السلام
– عبد الله (الطفل الرضيع)
عبد الله بن الحسين. ولد في المدينة. أمّه الرباب بنت امرئ القيس الكلبي. قُتل في حجر أبيه عليه السلام وهو صبي رضيع، إذ كان عمره لا يتعدى ستة أشهر، وهو من أصغر الأطفال الذين قتلوا في كربلاء. وقد اختلف المؤرخون في اسمه وفي رواية قصة مقتله، وكذا في قاتله (1) رغم أن بعضهم ذهبوا إلى أن قاتله هو حرملة الكاهلي الأسدي. أمّا قصة مقتله، فتعدّدت الروايات التاريخية في تفاصيلها، وهي مجمعة على أنه قُتل بين يدي أبيه الحسين عليه السلام بسهم رماه به رجل من جيش عمر بن سعد. ويمكن اعتبار الاختلاف مكملاً بعضه بعضاً. قال الشيخ المفيد: “… ثم جلس الحسين عليه السلام أمام الفسطاط فأُتي بابنه عبد الله بن الحسين وهو طفل فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه، فتلقى الحسين عليه السلام دمه، فلما ملأ كفه، صبَّه في الأرض ثم قال: ربِّ إن تكن حَبَسْتَ عنا النصر من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين، ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهله…”(2).

– محسن السقط
يذكر ابن زهرة الحلبي أن للإمام الحسين عليه السلام ولداً اسمه محسن، له قبر في حلب في سفح جبل اسمه الجوشن، نسبة إلى شمر بن ذي الجوشن الذي قاد مرحلة سبي بنات رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بلاد الشام. وهذه الحادثة حصلت وهم في المسير. قال ابن زهرة الحلبي: “…في غربي البلد في سفح جبل جوشن قبر المحسن بن الحسين يزعمون أنه سقط لما جيء بالسبي من العراق ليُحمل إلى دمشق، أو طفل كان معهم بحلب فدُفن هنالك…”(3). ويعرف ذلك المشهد في الجبل بمشهد السقط، ومشهد الدكَّة، وقد خُرّب مرات عدة، وتم تجديده وإعادة بنائه على أيدي حاكم كل عصر(4).

– السيّدة رقية عليها السلام
رقية بنت الإمام الحسين عليهما السلام، كان عمرها ثلاث أو أربع سنوات. ينسب إليها مشهد بمحلة العمارة من دمشق قرب الجامع الأموي، حيث وضعوا السبايا بعدما قدموا من الكوفة. جدده الميرزا علي أصغر خان وزير الصدارة في إيران عام 1323هـ، وتم تجديده بشكل كامل من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فأصبح المقام ضخماً، ومَعْلَماً من معالم الدين، يقصده الزوار على مدار السنة. وذكر أنه قد تم التعرف إلى قبرها من خلال ما رواه الشيخ الحائري المازندراني، قال: “… وقد أخبرني بعض الصلحاء أن للسيدة رقية بنت الحسين عليها السلام ضريحاً بدمشق الشام، وأنّ جدران قبرها قد تعيبت، فأرادوا إخراجها منه لتجديده فلم يتجاسر أحد أن ينزله من الهيبة، فحضر شخص من أهل البيت يدعى السيد ابن مرتضى، فنزل في قبرها ووضع عليها ثوباً لفّها فيه وأخرجها، فإذا هي بنت صغيرة دون البلوغ، وكان متنها مجروحاً من كثرة الضرب”(6).

– السيّدة خولة عليها السلام
يروى أن للإمام الحسين عليه السلام بنتاً اسمها خولة، كانت مع السبايا الذين أخذوا من كربلاء مروراً بالكوفة وصولاً إلى مدينة بعلبك في لبنان، وكان عمرها ما يقرب من ثلاث سنوات. ولعل سبب وفاتها هو ما عانته من رحلة السبي من التعسف والقهر والضرب. ويقال إن القافلة بعدما وصلت إلى بعلبك حطّت الرحال بدير يعرف بدير العذارى، قريب من قلعة بعلبك، فماتت الطفلة هناك، ودفنت في مكانها.

– قصة اكتشاف القبر
رأى رجلٌ من آل جاري، صاحب البستان الذي يحوي قبرها الشريف، طفلة صغيرة جليلة في منامه، فقالت له: “أنا خولة بنت الحسين مدفونة في بستانك” وعَيَّنَت له المكان وأمرته أن يقوم بتحويل الساقية (ساقية مياه رأس العين) عن قبرها. فالمياه كانت آسنة، لكن الرجل لم يعبأ بالأمر، فجاءته ثانية وثالثة ورابعة حتى انتبه الرجل فزعاً من هذه الرؤى، فهرع مع أهل المنطقة، وحفروا المكان المشار إليه، وإذا بهم أمام قبر يحوي طفلة ما تزال غضّة طرية، فأزاحوا البلاطات واستخرجوا جسدها المبارك ونقلوها بعيداً عن مجرى الساقية، وبنوا فوقه قبّة للدلالة عليه، وقبرها معروف اليوم فهو مقصد لزوار أهل البيت عليهم السلام.

* ثانياً: أبناء الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
– عبد الله
وهو من الفتية الذين استشهدوا في كربلاء، ولم يبلغ سن التكليف، وقيل إن عمره كان إحدى عشرة سنة، وأمّه بنت السليل بن عبد الله أخي عبد الله بن جرير البجلي، وكان أبجر بن كعب قد قطع يد الغلام حينما رد السيف عن عمّه الحسين عليه السلام. قال ابن شهر آشوب: “… ثم برز عبد الله بن الحسن بن علي وهو يقول:

إن تنكروني فأنا نجل الحسن

سبط النبي المصطفى والمؤتمن

هذا حسين كالأسير المرتهن

بين أناس لا سُقوا صَوبَ المُزُن

قتله هاني بن شبيب الحضرمي (7).

– القاسم
وهو من الفتية المستشهدين في كربلاء، قتله عمر بن سعيد بن نفيل الأزدي. قال الشيخ المفيد: “… قال حميد بن مسلم: فإنا لكذلك إذ خرج علينا غلام كأن وجهه شقة قمر، في يده سيف، وعليه قميص وإزار ونعلان، قد انقطع شسع إحداهما. فقال لي عمر بن سعيد بن نفيل الأزدي: والله لأشدنّ عليه. فشد عليه فما ولّى حتى ضرب رأسه بالسيف ففلقه، ووقع الغلام لوجهه فقال: يا عماه! فجلى الحسين عليه السلام كما يجلي الصقر ثم شدّ شدّة ليث أغضب، فضرب عمر بن سعيد بن نفيل بالسيف… ثم حمله على صدره، فكأني أنظر إلى رِجْلَي الغلام تخطان الأرض، فجاء به حتى ألقاه مع ابنه علي بن الحسين والقتلى من أهل بيته، فسألت عنه فقيل لي: هو القاسم ابن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام…”(8).

* ثالثاً: أبناء عقيل بن أبي طالب
– محمد
أمّه فاطمة بنت أمير المؤمنين عليه السلام، تزوجها أبوه فأولدت له محمداً وحميدة(9).

* رابعاً: أبناء مسلم بن عقيل
– إبراهيم ومحمد
كان لمسلم بن عقيل غلامان صغيران شاركا الإمام الحسين عليه السلام في ثورته المباركة. ويروى أنهما هربا من الدهشة والذعر(10)، ثم وُجدا فأُتي بهما إلى عبيد الله بن زياد فسجنهما، ثم ما لبثا أن هربا، فوضع عبيد الله بن زياد هدية ألف درهم ثمناً لرأس كلٍ منهما فلجأ الغلامان إلى امرأة عجوز، وناما ليلتهما عندها، فبات عندها أيضاً أحد أقاربها، الذي قبض عليهما، وأخذهما إلى نهر الفرات فقتلهما وقطع رأسيهما، وذهب بهما إلى عبيد الله بن زياد، فوبَّخه على ما صنع ثم قتله ونصبه على قناة. وقبر ولدَيْ مسلم معروف وقريب من الكوفة (11).

– حميدة
أمّها أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليه السلام. وهي أمّ محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل(12). وهذا يدل على أن مسلم بن عقيل كان متزوجاً من أم كلثوم بنت عمه علي بن أبي طالب عليه السلام، وأنجبت له بنتاً وهي حميدة. وقيل اسمها عاتكة(13)، وأمها رقية بنت علي وعمرها سبع سنين، وهي التي سحقت يوم الطف بعد شهادة الحسينعليه السلام لما هجم القوم على المخيم وكانت مع الحسين عليه السلام…(14). ولم نجد في كتب المتقدمين تفصيلاً للقاء الإمام الحسين عليه السلام بحميدة بنت مسلم بعد شهادة أبيها إلا أن الإمام عليه السلام قدّم لها العزاء، وقال لها: “بنية أنا أبوك، وبناتي أخواتك”(15).

* خامساً: ابنا عبد الله بن جعفر
كان لعبد الله بن جعفر غلامان صغيران، قُتلا صبراً على أيدي الطاغية عبد الله بن قطبة بأمر من عمر بن سعد، ولم نجد تصريحاً باسم الغلامين. ومن المحتمل أن يكونا “عون” و”محمد” ابنّي عبد الله بن جعفر(16).

سادساً: الفتيان الجابريان: سيف ومالك بن سريع
وهما من الفتية المستشهدين بين يدي الإمام الحسين عليه السلام، وسيف ومالك ابنا عم وأَخَوان لأم، والجابريان بطن من همدان يقال لهم بنو جابر(17).

* سابعاً: عمرو بن جنادة الأنصاري
خرج جنادة بن الحارث السلماني مع نسائه وأطفاله من مكة ملتحقاً بالثورة الحسينية المباركة، وقاتل حتى قتل بين يدي الحسين عليه السلام، وكان ابنه عمرو معه، وكان عمره إحدى عشرة سنة(18). أمرته أمه بالخروج للقتال بين يدي الإمام الحسين عليه السلام فكان جوابه لأمه الشهادة؛ فاحتُز رأسه ورمي به إلى معسكر الحسين عليه السلام، ثم أعادته أمّه فرمت برأسه إلى معسكر الأعداء، وأصاب رجلاً فقتله(19).

1.مقتل الحسين، الخوارزمي، ج2، ص37.
2.مثير الأحزان، ابن نما الحلي، ص52.
3.معالي السبطين، الحائري، ج2، ص161.
4.م. ن، ص161 – 162.
5.م. ن.
6.سلسلة مجمع مصائب أهل البيت، الشيخ محمد الهنداوي، ج1، ص216، نقله عن كتاب: المجالس السنوية للنساء الجعفرية.
7.الدر النظيم، ابن حاتم العاملي، ص 556.
8.مستدركات علم رجال الحديث، الشيخ علي النمازي الشهرودي، ج5، ص254.
9.تاريخ الطبري، ج4، ص343.
10.الأمالي، الشيخ الصدوق، ص143.
11.مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني، ص62.
12.الدمعة الساكبة، محمد باقر البهبهاني، ج4، ص246، إلا أنه قال: إن عمرها إحدى عشرة سنة.
13.مثير الأحزان، م. س، ص45.
14.ثمرات الأعواد، الشيخ علي الهاشمي، ج1، ص 154 155.
15.ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من طبقات ابن سعد، محمد بن سعد، ص77.
16.إقبال الأعمال، السيد ابن طاووس، ج3، ص79.
17.الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج4، ص72.
18.أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج1، ص607.
19.مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج3، ص253.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock