مقالات

الإمام الصادق والعقل الإنساني الأعلى

دكتور أحمد راسم النفيس

مقدمة:

الكتابة عن جابر بن حيان تلميذ الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام مهمة صعبة نظرا لضياع أغلب كتبه رغم أن عددها يقدر بالمئات على ما أحصاه المؤرخون.

أين ضاعت هذه الكتب ولماذا يحتاج المؤرخون والفلاسفة للذهاب إلى مكتبات أوروبا للبحث عن كنوزنا المفقودة؟!.

عندما أراد الفيلسوف المصري الدكتور زكي نجيب محمود أن يكتب عن جابر بن حيان لم يتمكن من العثور على ما يكفي من مصادر عربية حيث يقول في كتابه (جابر بن حيان):

(أصعب تلك الصعاب هو أن ليس بين يدينا إلا عدد قليل من مؤلفات جابر التي يعدونها بالمئات وأما بقيتها فهي مبعثرة في مكتبات أوربا)[1].

كما يوجه زكي نجيب محمود التحية لذكرى (بول كراوس، الذي لولا ما قدم لنا من مخطوطات جابر التي قام بجمعها من مختلف مكتبات أوربا ونشرها في كتاب (مختار رسائل جابر بن حيان) وذلك بالإضافة لمجلدين ألفهما في جابر تحدث فيها بصورة مستفيضة عن كتبه ومذهبه ولولا هذه الآثار العلمية الجليلة لكانت الكتابة عن جابر بن حيان ضربا من المحال)[2].

السؤال هو: لماذا ذهبت مؤلفات جابر بن حيان إلى مكتبات أوروبا وهل قامت هذه المؤلفات بعبور البحر الأبيض المتوسط بحثا عن فرصة عمل كما يفعل شبابنا الآن فغرق بعضها ونجح البعض الآخر في الحصول على فرصة عمل في إيطاليا!! أم أنها دُمرت وهُربت بفعل فاعل؟!.

الجواب يمكن العثور عليه في كتب التاريخ والنقل هنا عن كتابنا (المصريون والتشيع الممنوع) نقلا عن كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية):

نواصل حكاية ما فعله الأيوبي يوسف في حق مكتبة القصر الفاطمي وإرثها الحضاري الذي استولى عليه من سادته السابقين وأولياء نعمته.

قال: (ومن جملة ما باعوه خزانة الكتب وكانت من عجائب الدنيا فلم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من تلك الدار التي بالقاهرة في القصر ومن عجائبها أنه كان بها ألف ومائتان نسخة من تاريخ الطبري ويقال أنها كانت تحتوي على ألفى ألف وستمائة ألف كتاب وكان فيها من الخطوط المنسوبة أشياء كثيرة وحصل للقاضي الفاضل قدر منها كبير حيث شغف بحبها وذلك أنه دخل إليها و اعتبرها فكل كتاب صلح له قطع جلده ورماه في البركة على أنها مخرومات ثم جمعها بعد ذلك ومنها حصل ما حصل من الكتب) ص 507.

قال العماد وأخذت ذخائر القصر و من جملتها الكتب فإني أخذت منها جملة في سنة 572 وكانت خزائنها مشتملة على قريب 120 ألف مجلدة مؤيدة من العهد القديم (أين هي الآن؟؟) وفيها بالخطوط المنسوبة ما اختطفته الأيدي واقتطعه التعدي وكانت كالميراث مع أمناء الأيتام يتصرف فيها بشره الانتهاب والالتهام ونقلت منها ثمانية أحمال إلى الشام و تقاسم الخواص بدور القصر وقصوره و شرع كل من سكن في تخريب معموره ووو ثم يقول ذلك المؤرخ المهووس و عفى الآثار القديمة واستأنف السنن الكريمة والله أكبر و جاء الحق وزهق الباطل!!!). أي أن هذا الإجرام و التخريب هو السنن الكريمة و هو الحق و غيره الباطل!!.

قال العماد: وكان لبيع الكتب في القصر كل أسبوع يومان وهي تباع بأرخص الأثمان و خزائنها في القصر مرتبة البيوت مقسمة الرفوف مفهرسة بالمعروف (لاحظ و تأمل!!) فقيل للأمير بهاء الدين قراقوش (العبد الأمير؟؟!!) متولي القصر والحال والعاقد للأمر هذه الكتب قد عاث فيها العث و تساوى ثمينها والغث ولا غنى عن تهويتها ونفضها من بيوت الخزانة إلى أرضها وهو تركي لا خبرة له في الكتب ولا دربة له في أسفار الأدب (أي أن الرجل كان حمارا يحفظ أسفارا!) وكان مقصود دلالي الكتب أن يوكسوها ويخرموها ويعكسوها فأخرجت وهي أكثر من مائة ألف من أماكنها وغربت من مساكنها وخربت أوكارها وأذهبت أنوارها وشتت شملها وبت حبلها واختلط أدبيها بنجومها و شرعيها بمنطقيها وطبيها بهندسيها وتواريخها بتفاسيرها ومجاهيلها بمشاهيرها وكان فيها من الكتب الكبار وتواريخ الأمصار ومصنفات الأخبار ما يشتمل كل كتاب على خمسين أو ستين جزءا مجلدا إذ فقد منها جزء لا يخلف أبدا فاختلطت واختبطت فكان الدلال يخرج عشرة عشرة من كل فن كتبا مبترة فتسام بالدون وتباع بالهون والدلال يعرف كل شدة وما فيها من عدة ويعلم أن عنده من أجناسها وأنواعها وقد شارك غيره في ابتياعها حتى إذا لفق كتابا قد تقوم عليه بعشرة باعه بعد ذلك لنفسه بمائة.

قال فلما رأيت الأمر حضرت القصر واشتريت كما اشتروا ومريت الأطباء كما مروا واستكثرت من المتاع المبتاع وحويت نفائس الأنواع ولما عرف السلطان ما ابتعته وكان بمئين أنعم علي بها وأبرأ ذمتي من ذهبها)[3].

هذه هي قصة التدمير الحضاري الذي منيت به الأمة الإسلامية على يد أولئك المووسين أعداء العلم والمعرفة والإنسانية.

الإمام الصادق

والعقل الإنساني الأعلى

يقول الإمام علي بن أبي طالب:

أيها الأمة التي خدعت فانخدعت وعرفت خديعة من خدعها فأصرت على ما عرفت واتبعت أهواءها وضربت في عشواء غوايتها وقد استبان لها الحق فصدت عنه والطريق الواضح فتنكبته.

أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو أقتبستم العلم من معدنه وشربتم الماء بعذوبته وادخرتم الخير من موضعه وأخذتم الطريق من واضحه وسلكتم من الحق نهجه لنهجت بكم السبل وبدت لكم الأعلام وأضاء لكم الاسلام فأكلتم رغدا وما عال فيكم عائل ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد ولكن سلكتم سبيل الظلام فأظلمت عليكم دنياكم برحبها وسدت عليكم أبواب العلم فقلتم بأهوائكم واختلفتم في دينكم فأفتيتم في دين الله بغير علم واتبعتم الغواة فأغوتكم وتركتم الأئمة فتركوكم فأصبحتم تحكمون باهوائكم إذا ذكر الامر سألتم أهل الذكر فإذا أفتوكم قلتم هو العلم بعينه فكيف وقد تركتموه ونبذتموم وخالفتموه؟!.

رويدا …. عما قليل تحصدون جميع ما زرعتم وتجدون وخيم ما اجترمتم وما اجتلبتم، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد علمتم أني صاحبكم والذي به أمرتم وأني عالمكم والذي بعلمه نجاتكم ووصي نبيكم وخيرة ربكم ولسان نوركم والعالم بما يصلحكم، فعن قليل رويدا ينزل بكم ما وعدتم وما نزل بالامم قبلكم وسيسألكم الله عز وجل عن أئمتكم معهم تحشرون وإلى الله عز وجل غدا تصيرون.

ويقول عليه السلام: أَيُّهَا النَّاسُ، اسْتَصْبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصْبَاح وَاعِظ مُتَّعِظ، وَامْتَاحُوا مِنْ صَفْوِ عَيْن قَدْ رُوِّقَتْ مِنَ الْكَدَرِ.
عِبَادَ اللهِ، لاَ تَرْكَنُوا إِلَى جَهَالَتِكُمْ، وَلاَ تَنْقَادُوا لاَِهْوَائِكُمْ، فَإِنَّ النَّازِلَ بِهذَا الْمَنْزِلِ نَازِلٌ بِشَفَا جُرُف هَار، يَنْقُلُ الرَّدَى عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ مَوْضِع إِلَى مَوْضَع لِرَأْي يُحْدِثُهُ بَعْدَ رَأْي يُرِيدُ أَنْ يُلْصِقَ مَا لاَ يَلْتَصِقُ، وَيُقَرِّبَ مَا لاَ يَتَقَارَبُ فَاللهَ اللهَ أَنْ تَشْكُوا إِلَى مَنْ لاَ يُشْكِي شَجْوَكُمْ وَلاَ يَنْقُضُ بِرَأْيِهِ مَا قَدْ أَبْرَمَ لَكُمْ.

الناظر في أحوال العالم الإسلامي بعد أربعة عشر قرن من البعثة النبوية المشرفة يرى بوضوح أنه ما زال يعاني من التخلف العلمي والفكري والسياسي وهو ما يطرح سؤالا عما إذا كان هذا التخلف راجعا لطبيعة الإسلام ذاته كدين لا يأخذ بيد أتباعه نحو آفاق العلم والمعرفة وهي وجهة نظر كثير من الغربيين أم أن العيب عيب المسلمين وليس عيب الإسلام وهو الرد الذي يكرره أغلب المسلمين دون أن يلحقوا هذا بإجابة شافية عن ماهية هذا العيب كي نتمكن من إصلاحه.

الملاحظة الثانية هي أن المسلمين أصبحوا عالة على مدارس الفكر والفلسفة الغربية حتى في أمور تعد من صميم دينهم ومن ضمنها فلسفة الأخلاق وعلومها.

كيف وصلنا إلى هذا الدرك ومن يتحمل المسئولية عن هذا الحال من الانحطاط والتدني؟!.

الإجابة في إطارها العام هي ما قاله الإمام علي عليه السلام: (لو أنهم أقتبسوا العلم من معدنه وشربوا الماء بعذوبته وادخروا الخير من موضعه وأخذوا الطريق من واضحه وسلكوا نهج الحق لبدت لهم الأعلام ولأضاء لهم الإسلام ولكنهم سلكوا سبيل الظلام فأظلمت عليهم الدنيا برحبها وسدت عليهم أبواب العلم فقالوا بأهوائهم واتبعوا الغواة وتركوا الأئمة فتركوهم).

إنها إجابة إجمالية تنبؤية لأن هذا الكلام الثمين صدر من أمير المؤمنين منذ أربعة عشر قرن قبل أن نصل إلى هذا الحال المفجع.

لقد نزل القرآن على رسولنا الكريم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور.

(الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) سورة إبراهيم 1.

نزل القرآن إذا ليخرج الناس من ظلمات الجهل والجهالة إلى أفق العلم الأرحب ويرفعهم إلى مرتبة الخلق الأسمى.

إنها مهمة لا تتحقق من دون استخدام آلة العقل كوسيلة للتدبر والتفكر.

(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُواْ الْأَلْبَابِ) ص 29.

العلم أبواب تُفتح ومسارات تُسلك فإذا فتح منها باب واحد أعقبه ألف باب وهو ما رواه الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران)، قال: قال علي عليه السلام: “علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف باب من العلم واستنبطت من كل باب ألف باب” فإذا كان حال الولي هكذا، فكيف حال النبي صلى الله عليه وسلم؟؟!!.

هنا يبرز أهمية الدور الذي قام به النبي الأكرم محمد بن عبد الله وهو الدور الموكل من بعده للأئمة الأوصياء في فتح الأبواب ورسم مسار العلم ومسار العلماء ومن أهمها بكل تأكيد صياغة العقل المسلم وتعليمه الحكمة التي تعرف الآن بالفلسفة وتدريبه على التفكير المنطقي الصحيح ولو سمح للأئمة بإكمال مهمتهم والقيام بدورهم (لبدت لهم الأعلام ولأضاء لهم الإسلام ولكنهم سلكوا سبل الظلام فأظلمت عليهم الدنيا برحبها وسدت عليهم أبواب العلم فقالوا بأهوائهم) وركبوا أدمغتهم فأوردوا أنفسهم وقومهم دار البوار!!.

تلك أمة قد غلقت أبواب العلم والحكمة والمنطق وفتحت باب هيت لك وقيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال عما لا يغني ولا يسمن من جوع!!.

المنهج والآلة والطريق والطريقة

لا حاجة بنا للتذكير بأن الإسلام العظيم هو منهج حياة يكفل سعادة المسلم ويجعل من الدنيا قنطرة لسعادة أخروية قائمة على العدل والرحمة.

الرضى بالظلم والجهل والفقر والتخلف جريمة لا تقل سوءا عن جريمة إيقاع الظلم سواء وقع الظلم على الكيان المسلم من خارجه أو وقع الظلم على الفرد داخل الكيان المسلم المفترض.

لا حاجة بنا لإقامة الدليل والبرهان على وجوب حيازة المؤمنين آلة الدنيا خدمة للدين والدنيا كسبيل لا غنى عنه لنيل مرضاة الله عز وجل إذ أن الطريق لإثبات هذا الوجوب هو بداهة العقل وما النص الديني إلا تأكيد على هذا الوجوب وليس الطريق الأول لإثباته.

المنهج الأساس الذي يتعين اتباعه هو المنهج الإلهي الذي نزل به الروح الأمين على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وهو المنهج الذي اؤتمن عليه أئمة أهل البيت عليهم السلام.

المنهج هو نقطة البدء في الانطلاق نحو عمارة الكون وحيازة كل ما يلزم من أدوات لتحقيق هذا الهدف ومنها الآلة العسكرية التي أمرنا بامتلاكها على أفضل وجه ممكن (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) الأنفال60.

هل توجد قوة عسكرية في العالم بأسره لا تستند إلى المعرفة والعلم بشتى صنوفه وأشكاله؟!.

الجواب معلوم.

أما الطريق فهو الصراط المستقيم وهو المنهج الوسط الذي أمرنا بالتزامه وهو نهج الأئمة من آل محمد وهو الضمان بألا تتفرق بنا السبل فنضل عن سبيله رغم أننا من الناحية الظاهرية ما زلنا داخل إطار الإسلام وهذا حال القبائل الإسلامية المتناحرة الآن والتي تدعي جميعها الانتماء لهذا الدين.

أما الآلة التي يمكنها تحقيق هذه الأهداف والقيام بهذه المهام فهي العقل المسلم، المستنير، المنظم، الذي يملك القدرة على التوجه إلى الأمام والذي لا يؤمن بالشيء ونقيضه والذي لا تأخذه الانفعالات بعيدا عن الأهداف والغايات.

ألا ترى الآن أن الغرب الحاقد على إيران والساعي لإيقاف تطورها العلمي يكرر (لو قمنا بضرب المفاعلات النووية فلن نتمكن من ضرب العقول التي تمتلك المعرفة اللازمة لإعادة تشغيل هذا المشروع وغيره من المشاريع).

أما الطريقة فهي مناهج الفكر والاستنباط التي تستخدمها آلة العقل من أجل اكتشاف حقائق الكون والتعرف عليها وتسخيرها من أجل الهدف الأسمى: أن تكون كلمة الله هي العليا وأن ينتصر الحق ويزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.

أن تكون كلمة الله هي العليا فهذا يعني ارتقاء وتقدم المجتمع المسلم علميا وثقافيا وفكريا وأخلاقيا وسياسيا في مسارات متلازمة وهذا يعتمد على وجود الطليعة العالمة الواعية المفكرة.

لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض أو يتقدم اعتمادا على فصيل طليعي واحد مثل العسكر أو علماء الدين أو علماء الاجتماع أو حتى عباقرة السياسة فهو يحتاج لفريق متكامل يجمع كل صنوف العلم والفكر والخبرة.

إنها الطليعة التي أشار إليها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بقوله: (أُولئِكَ وَاللَّهِ الاَْقَلُّونَ عَدَداً، وَالاَْعْظَمُونَ قَدْراً، يَحْفَظُ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ، حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ، وَاسْتَلاَنُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ، وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَان أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْـمَحَلِّ الاَْعْلَى، أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ، آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ!).

لم يظفر أئمتنا في السابق من هذا الصنف إلا بأقل القليل ورغم ذلك فقد قام هؤلاء الأقلون عددا بدورهم وواجبهم وتركوا لنا الدليل القاطع على أن التزام المنهج الإلهي ولزوم الطريق المستقيم وامتلاك آلة العقل ومنهجية التفكير الصحيح أي الطريقة المثلى ستنتج علما ووعيا وستؤثر حتما في مسار البشرية مهما بذل معطلوا آلة العقل من أعداء المنهج والطريق والطريقة المنتمين للإسلام إسما من جهد لإعاقة المسيرة ورد السيل عن مساره فمن المحتم أن تحبط أعمالهم وأن تفشل أعمالهم الشريرة في تحقيق هذا الهدف غير النبيل.

العقل البشري القائد

يهمنا أيضا وقبل أن نستعرض سيرة ومنهج أحد أبرز المنتمين إلى هذه الطليعة ممن تتلمذوا على يد الإمام الصادق عليه السلام وهو جابر بن حيان رضوان الله عليه أن ننبه للفارق الجوهري بين المهمة الموكلة لهؤلاء ولكل من وجد في نفسه القدرة والرغبة في خوض غمار هذه التجربة وتلك الملقاة على عاتق أئمة أهل البيت الذي يمثلون العقل البشري الأعلى.

إنها النقطة التي غفل عنها بعض من تصدى لبحث مناهج المعرفة والعلم التي تلقاها جابر بن حيان من أستاذه ومعلمه الإمام جعفر الصادق ثم سطرها بعد ذلك في مؤلفاته.

من خلال استعراض ما سطره المؤرخون عن جابر بن حيان نلاحظ أن ثمة من ينكر وجود جابر بن حيان من أمثال ابن تيميه الذي ينكر منهجه بل وينكر أن ثمة شيء اسمه علم الكيمياء ويعده من السحر وهذا الإنكار فرع على إنكارهم لإمامة أهل البيت عليهم السلام ومن ثم إنكارهم لوجود أي مفاعيل لها في أرض الواقع.

كما نلاحظ أيضا أن ثمة من لا يعرف ماهية الإمامة وحقيقتها رغم إنصافه وموضوعيته رغم إقراره بحقيقة جابر وإشادته بما قدمه وبآثاره العلمية ومن هؤلاء الفيلسوف المصري الشهير الدكتور زكي نجيب الذي يبدي شيئا من الاستغراب مما قرره جابر في كتبه من أن المصدر الأول لعلمه هو التلقي عن الإمام الصادق عليه السلام.

يقول الدكتور زكي نجيب محمود: لقد أسلفنا القول في رأي جابر عن مصدر العلم ماذا عساه يكون؟ هل هو وحي ينزل على النبي ثم يتوارثه خلفاؤه من بعده وهم المعترف بهم عند الشيعة ثم يجيء التلقين منهم لمن يرونه صالحا من تلاميذهم للتعلم[4]؟؟

والحق أنني لا أعرف كيف أوفق توفيقا أطمئن إليه بين هذا الرأي في مصدر العلم الأول وهو الوحي وبين منهجه التجريبي في بحوثه العلمية!!!!.

أيكون العلم عنده نوعان نوع تلقيني خاص بتحصيل الأحكام الشرعية وما إليها ونوع آخر كشفي علمي تجريبي خاص بالعلم الطبيعي؟.

يجوز ذلك لأنه صنف العلوم قسمين رئيسيين: علم الدين وعلم الدنيا[5].

من ناحية أخرى نرى أن موقف بعض الباحثين الغربيين يشبه موقف ابن تيميه فكلاهما يشرب من نبع واحد هو نبع الإنكار والاستنكار.

الإنكار لوجود أئمة أهل البيت ثم الاستنكار لما حباهم الله به من علم ولما أفاضوه على تلاميذهم من معارف في إطار قيامهم بواجب إمامة المسلمين نحو الخير والرشاد.

من بين هؤلاء (برتلو) الذي اتخذ من كتاب (الخالص) لجابر بن حيان في ترجمته اللاتينية نموذجا للجانب الناضج من المؤلفات التي تنسب إلى العالم الغربي حيث يقول: (إن دراسة هذا الكتاب تدل على أنه لا ينتسب إلى أصل عربي لا في منهجه المتميز بأحكام السير في طريق الاستدلال حجة في أثر حجة أحكاما من شأنه أن يجمع المادة العلمية في سياق موحد متسق ولا في الحقائق الواردة فيه ولا في مفرداته اللغوية ولا في الأشخاص الذين يرجع إليهم في الفقرات المقتبسة) وكل هذه جوانب من الكتاب يراها برتلوم قاطعة بأن الكتاب لا يرتد إلى أرومة عربية)[6].

وهكذا فقد اتخذ برتلو من عقلانية جابر واتساق أفكاره في سياق موحد دليلا قاطعا على انبتات علاقته بالمسلمين والإسلام!!.

ويرد الدكتور زكي نجيب محمود على هذا الزعم من خلال الكثير من المصادر التي تؤكد أن جابرا كان تلميذا للإمام جعفر الصادق حيث يقول (كارا دي فو) وهو يتحدث عن جابر: (في مقدمة كتاب الحاصل يقول جابر: وقد سميته كتاب الحاصل وذلك أن سيدي جعفر بن محمد صلوات الله عليه قال لي: فما الحاصل الآن بعد هذه الكتب (التي ألفها جابر) وما المنفعة منها فعملت كتابي هذا وسماه سيدي بكتاب الحاصل)[7].

وقبل أن نستعرض ما قاله الفيلسوف المصري الراحل عن منهج جابر بن حيان في البحث العلمي وكيف أن هذا المنهج هو نفسه الذي قاد حركة النهضة العلمية التي أخذت أوربا إلى صدارة العالم في حين بقي حالنا أسوأ حال نلفت الانتباه إلى أن صوابية المنهج هو أمر مختلف عن مساحة البحث التي يتحرك فيها الباحث أو المفكر أو الفيلسوف حتى وإن كانت مناهج البحث واحدة في الحالين.

البحث والتدبر في أوضاع الأمة السياسية والاجتماعية تحتاج إلى المفكر القائد القادر على التصدي لهذا النوع من القضايا الكبرى رغم أن هذا التصدي يمثل خطرا على حياة من يتصدى لتلك الأوضاع الفاسدة ويسعى لحرمان هؤلاء الطغاة المستبدين من أسانيد بقائهم.

ليس كل المفكرين والباحثين بوسعهم التصدي الفكري والعملي ومواجهة النظم الطاغوتية.

من ناحية أخرى فإن المفكر الطليعي القائد أو العقل البشري الأعلى يحتاج إلى علم إحاطة ورؤية أوسع من رؤية المتخصص في أحد مجالات الفكر الإنساني.

كثير من الفلاسفة مروا بالتاريخ الإنساني ولكن القليل منهم بل أقل القليل هم الذين أدوا دورا يتجاوز حدود التنوير في أحد مجالات العلم والفكر الإنساني.

في هذا الإطار يمكننا أن نفهم العلاقة بين جابر التلميذ وأستاذه الإمام جعفر الصادق الذي كان يؤدي دوره في تنوير الأمة والأخذ بيدها نحو الخير والرشاد ويواصل القيام بالمهمة التي بدأها جده رسول الله صلى الله عليه وآله وهي إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله.

إنها الإشكالية التي عجز الفكر العلماني الداعي إلى فصل الدين عن المجتمع عن حلها، إشكالية الحاجة إلى قيادة من نوع فريد تتعاطى مع حاجات الأمة الصغير منها والكبير وتضع إطارا متكاملا لحل أزماتها والأخذ بيدها نحو الأمام.

لقد شهد العالم خاصة في القرون الأخيرة أو ما يسمى بعصر النهضة العديد من الفلاسفة الذين طرحوا أفكارا ونظريات متضاربة جرى الأخذ ببعضها وكان بعضها سببا في حدوث عدد من الكوارث والحروب العظمى وإزهاق أرواح الملايين من البشر.

العقل البشري القائد ينبغي أن يكون إلهيا ومتجردا كما أن وجوده يردع الصغار عن تجاوز مقامهم والتصدي لمهام لا يمكنهم القيام بها على الوجه الأكمل.

جابر بن حيان باحثا وفيلسوفا

مثل جابر بن حيان أنموذجا للمفكر الطليعي من الطبقة الثانية التي تتلمذت على يد العقل البشري الأعلى أو عقل الإمام القائد الذي رسم له المسار وأطلق آلته العقلية الملتزمة بالمنهج الإلهي تتحرك على الطريق المستقيم المرسوم لها وفقا للطريقة المثلى ولذا نراه يوجه خطابه إلى الإمام الصادق في سياق (كتاب الأحجار) (.. وحق سيدي لولا أن هذه الكتب باسم سيدي صلوات الله عليه لما وصلت إلى حرف من ذلك آخر الأبد لا أنت ولا غيرك إلا في كل برهة عظيمة من الزمان)[8].

ولكن ما هو مصدر التلقي عند جابر؟ من الذي كشف له الحقائق فلتقفها وتمثلها بفطرته القابلة القادرة؟.

يجيب الدكتور زكي نجيب محمود على هذا السؤال: هاهنا نجده يصرح في أكثر من موضع بأن مصدر علمه هو النبي وهو علي بن أبي طالب وهو سيده جعفر الصادق وما بين هؤلاء جميعا من أبناء الأسرة الشريفة فهو يقول: (تأخذ من كتبي علم النبي وعلي وسيدي وما بينهما من الأولاد “الأئمة” منقولا مما كان وهو كائن وما يكون من بعد إلى أن تقوم الساعة)، ثم يقول في موضع آخر (فو الله ما لي في هذه الكتب إلا تأليفها والباقي علم النبي صلى الله عليه وآله)[9].

ومؤدى هذه أن مصدر التلقين هو الوحي ينزل على النبي ثم يتوارثه الخلفاء من بعده وعن هؤلاء يكسب الكاسبون فليس العلم عقلا ولكنه نقل ليس هو بالكشف المبتكر الأصيل بالنسبة إلى العالم الكاشف بل هو تنزيل من السماء وعلى هذا الضوء نفهم اسم الكيمياء ولماذا أطلق على مثل هذه الأبحاث التي قام بها جابر فهي لفظة معربة من اللفظ العبراني وأصله كيم يه ومعناه أنه من الله[10].

جابر ومناهج البحث العلمي

الاستنباط والاستقراء والجمع بينهما

من خلال قراءة نصوص جابر يمكننا أن نتلمس طريقته في البحث العلمي وهي خطوات تطابق ما يتفق عليه معظم المشتغلين بالبحث العلمي اليوم وهي تتخلص في ثلاث خطوات رئيسية:

الأولى: أن يستوحي العالم مشاهداته فرضا يفرضه ليفسر ما هو بحاجة لتفسير من الظواهر.

الثانية: أن يستنبط من هذا الفرض نتائج تترتب عليه من الناحية النظرية البحتة.

الثالثة: أن يعود بهذه النتائج إلى الطبيعة ليرى هل تصدق أم لا تصدق على مشاهداته الجديدة فإن صدقت تحول الفرض إلى قانون علمي يُركن إلى صوابه في التنبؤ بما عساه أن يحدث في الطبيعة لو توافرت ظروف بعينها.

اصطلح رجال المنطق على إطلاق كلمة الاستقراء على مرحلتي المشاهدة الأولى والتطبيق الأخير لأن في كليهما لمسا للوقائع العينية واستقراء لها كما اصطلحوا على أن يطلقوا على مرحلة استنباط النتائج التي يمكن توليدها من الفروض اسم الاستنباط وهي عملية تتم في الذهن وهنالك من العلوم ما هو استنباطي صرف كالرياضة ومنها ما هو استنباطي استقرائي معا كالعلوم الطبيعية[11].

كان التفكير الاستباطي الصرف هو المنهج الوحيد الذي يعتد به في العصور القديمة والوسيطة لأن التفكير عندئذ كان قائما على أسس يفرضها العقل لنفسه فرضا أو يوحي بها الإنسان لنفسه إيحاء وما عليه في كلتا الحالتين هو استنباط النتائج من تلك الفروض المسلم بصدقها إلى أن جاءت النهضة الأوربية ومعها العلم الطبيعي عندها أحس رجال النهضة العلمية بالحاجة لمنهج جديد يضاف للمنطق الأرسطي الاستنباطي وهو المنهج الاستقرائي الجديد لمعالجة الظواهر الطبيعية على أسس المشاهدة وإجراء التجارب.

ثم اندمج المنهجان آخر الأمر في منهج واحد لا مناص من اصطناعه في كل بحث علمي منتج وهو منهج يبدأ بالملاحظة الخارجية لنستوحيها فروضا نفرضها ثم سلوك طريق للاستنباط ننتهجه داخل عقولنا لنولد من تلك الفروض التي فرضناها نتائج ننتفع بها في دنيا العمل والتطبيق.

لو كتب منهج جابر بن حيان بلغة عصرنا لجاء كأنه من نتاج العصر الحديث ذلك لأنه اعتمد على الاستنباط والاستقراء معا اعتمادا واعيا صريحا.

أما عن الجانب الاستقرائي من المنهج العلمي وهو جانب يكاد ينسب كله لمناطقة أوربا ابتداء من النهضة العلمية في القرنين السادس عشر والسابع عشر فقد سبق جابر ابن حيان للكتابة فيه بما يكفي أن يضع هذا العالم بين أئمة المنهج العلمي.

الاستقراء خلاف الاستنباط ينصب على أشياء الوجود الخارجي ومداره هو اتخاذ الحاضر شاهدا على الغائب فمن علمنا بطبيعة الضوء مثلا نستطيع أن نتوقع حدوث ظواهر ضوئية معينة في المستقبل[12].

فماذا يقول جابر في المنهج الاستقرائي دون أن يسميه بهذه الاسم؟!.

يقول أن المُشاهد يتعلق بالغائب على ثلاثة أوجه وهي 1- المجانسة، 2- مجرى العادة، 3- الآثار وسنوجز القول في الاستقراء القائم على المجانسة ثم نعقب بذكر الاستقراء عن طريق العادة ونأسف ألا نجد بين أيدينا ما قاله جابر عن الاستقراء عن طريق الآثار.

جابر والفلسفة الكونية

وها هو جابر بن حيان يجمع بين الاستنباط والاستقراء في منهجه وإن لم يجمع بينهما في عملية منهجية واحدة إذ يجعل لكل منهما موضعه، فبينما تراه يؤكد ضورة الملاحظة الخارجية في تجاربه العلمية، نراه من ناحية أخرى يبني مذهبه العلمي كله على أساس لو حللته لوجدته منهجا رياضيا استنباطيا!!.

حدوس أولية يراها العقل رؤية مباشرة (أو يوحي بها إلى نبي،

ثم يتوارثها الخلفاء الشرعيون من بعده) ثم نتائج تلزم عن تلك الحدوس.

ليس الفرق بين المنهجين (الاستباط والاستقراء) في الحقيقة فرقا سطحيا وكفى بل إنه يضرب بجذوره إلى فلسفة الكون: أهو يسير على اطرادات يجيء فيها تعاقب الأحداث أمرا واقعا لكنه لا يهدف إلى شيء، أم أنه يسير على خطة عقلية تستهدف غاية معلومة؟ فإن كانت الأولى فما على العالِم إلآ أن يلاحظ تعاقب الأحداث المطردة ويسجل ملاحظاته فتكون هي قوانين الطبيعة، وإن كانت الثانية فالأمر أمر تحليل عقلي يرتد بنا إلى المبدأ الأول الذي عنه صدرت الظواهر كلها وفي الحالة الثانية تكون العلاقة السببية بين الظواهر علاقة ضرورية بمعنى أن المسبب يكون كامنا في السبب بالقوة ثم يخرج إلى الظهور بالفعل، خروج النتيجة العقلية من مقدمتها الملزمة لها لا مجرد ظهور اللاحق الذي يلحق سابقه دون أن يكون بينهما أية رابطة باطنية داخلية تجعل طبيعة اللاحق منبثقة من طبيعة السابق.

ولا شك أن فلسفة جابر الكونية هي فلسفة عقلية تربط الأشياء بالروابط السببية الضرورية التي يكشف عنها التحليل العقلي فالسببية هي سببية الكمون أو سببية المحايثة وهي السببية التي لا تجعل السبب والمسبب أمرا عارضا قد يكون أو لا يكون، بل تجعله أمرا ضروريا محتوما ما دام المسبب كان موجودا في سببه بالقوة قبل ظهوره بالفعل فكأنما السبب يلد مسببه ولادة طبيعية حيث يقول جابر: (إن في الأشياء كلها وجودا للأشياء كلها ولكن على وجوه من الإخراج) وفي هذا دلالة على أن الكون كله مترابط في وحدة واحدة فإذا رأيناه يتخذ ظواهر متعددة فهذه الظواهر يرتد بعضها إلى بعض ويخرج بعضها من بعض والكل في النهاية يرجع إلى أصل واحد كان يحمل كل شيء في جوفه بالقوة ثم يظهر منه كل شيء بالفعل، والعقل دون مشاهدة الحواس هو بالطبع ما يدرك هذه الرابطة بين الأشياء المختلفة في ظاهرها المتحدة في أصلها ومصدرها على أن الأشياء يخرج بعضها من بعض على صورة طبيعية أحيانا وعلى صورة مصطنعة مدبرة من الإنسان أحيانا أخرى وهذه الحالة الثانية هي مجال العلم أي أن التجارب العلمية في إخراج الأشياء بعضها من بعض إنما تحاكي الطبيعة فيما تؤديه من هذا الإخراج[13].

لم يكن جابر بن حيان تلميذ الإمام الصادق عليه السلام مجرد كيميائي كما يعتقد كثير من الناس بل كان فيلسوفا عقلانيا وأحد أبرز علماء المنطق في التاريخ الإسلامي والإنساني.

ضاعت مؤلفات جابر رضوان الله عليه أو ضيعت بفعل فاعل كما بينا في مقدمة هذا البحث.

المنهج الذي تعلمه جابر من الإمام الصادق وعلمه تلامذته وأودعه كتبه كان كفيلا أن يضع الأمة الإسلامية على الطريق الصحيح طريق القوة والتقدم وهو ما لم يرض به بعض الشيوخ ممن يغطون رؤوسهم بالعمائم، ممن لا يجيدون إلا فن التكرار والاجترار.

الدور الذي قام به هؤلاء في التصدي لتيارات التحرر العقلي دفاعا عما يسمونه بالنصوص الشرعية أو الوحي الإلهي والتي هي في أغلبها نصوص محرفة مكذوبة منسوبة للنبي الأكرم وضعت لخدمة العسكريتاريا الأموية والعباسية ووريثتها المملوكية وإدامة هيمنتها على رقاب المسلمين مهما كلف ذلك من خسائر نراها الآن ماثلة بين أيدينا ومن تحتنا ومن فوقنا ومن ورائنا.

أن يكون لدينا المفكر الفيلسوف الحر الملتزم بقضايا دينه وأمته فهذا أمر مرفوض من النظم المستبدة وهو أكثر رفضا من الشيوخ حملة أحذية العسكر ممن يصرون على إبقاء قدرتهم على تحريف عقول المسلمين عن المسار الصحيح وإشغالها بكل ما هو تافه من القول والفكر.

الأمة القوية الحرة لا تستغني عن جيش العقل المشكل من تلك الطليعة الرسالية المؤمنة المفكرة الواعية مثلما لا تستغني عن جيوش المقاتلين المضحين المدافعين عن الأرض والعرض.

الصنف الأول يسهر على بناء المجتمعات من الداخل وهو الجهاد الأكبر في حين يسهر الجيش الثاني على مقارعة العدو الخارجي وهذا هو الجهاد الأصغر.

لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم ولماذا هيمن الآخرون على رقابهم؟!.

هل هبط النفوذ الغربي علينا من السماء أم أن حملة أحذية العسكر هم من مهد لهم الطريق وهم من فرط فيما كان لدينا من علم وعلماء وضعوا الأمة وآلتها العقلية على أول طريق العلم والتقدم وهم الذين هللوا لجرائم الإبادة الحضارية والإنسانية التي مارسها هؤلاء العسكر (حفاظا على العقيدة الصحيحة)!!.

يقدم لنا هذا البحث عن جابر بن حيان تلميذ الإمام الصادق عليه السلام جوابا عن هذا السؤال.

دكتور أحمد راسم النفيس

‏13‏/01‏/2019

‏الأحد‏، 07‏ جمادى الأولى‏، 1440

المنصورة مصر

[1] جابر بن جيان. زكي نجيب محمود. مكتبة مصر. ص 5.

[2] المصدر السابق ص 9.

[3] المصريون والتشيع الممنوع. أحمد راسم النفيس. دار المحجة البيضاء.

[4] جابر بن حيان. زكي نجيب محمود. ص 54.

[5] نفس المصدر ص 55.

[6] نفس المصدر ص21.

[7] نفس المصدر ص 18.

[8] المصدر نفسه ص 26.

[9] المصدر السابق ص 46.

[10] جابر بن حيان. زكي نجيب محمود ص 47.

[12] المصدر السابق ص 58-63.

[13] المصدر السابق ص 78-80.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock