منوعات

النعمة والإنفاق في سبيل الله

 

مواعظ الكتاب
يقول تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾

يقول تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾[1].

“تقهر” من القهر أي الغلبة مع التحقير، وأيضاً تُستعمل في كلّ واحد من المعنيين، ومعنى التحقير هنا هو المناسب.

وهذا يدلّ على أنّ هناك مسألة أهمّ من الإطعام والإنفاق بشأن الأيتام، وهي اللطف بهم والعطف عليهم وإزالة إحساسهم بالنقص العاطفيّ، ولذا جاء في الحديث المعروف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من مسح يده على رأس يتيم ترحمّاً له، كتب الله له بكلّ شعرة مرّت عليه يده حسنة”[2].

كأنّ الله يخاطب نبيّه قائلاً: لقد كُنت يتيماً أيضاً وعانيت من آلام اليتم، والآن عليك أن تهتمّ بالأيتام كلّ اهتمام وأن تروي روحهم الظمأى بحبّك وعطفك.

“نَهَرَ” بمعنى ردّ بخشونة.

وفي معنى “السائل” عدّة تفاسير.

الأوّل: أنّه المتّجه بالسؤال حول القضايا العلميّة والعقائديّة والدينيّة، والدليل على ذلك هو أنّ هذا الأمر تفريع على ما جاء في الآية السابقة: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾، فشكر هذه الهداية الإلهيّة يقتضي أن تسعى أيّها النّبيّ في هداية السائلين، وأن لا تطرد أيّ طالب للهداية عنك.

والتّفسير الآخر: هو الفقير في المال والمتاع، والأمر يكون عندئذ ببذل الجهد في هذا المجال، وبعدم ردّ هذا الفقير السائل يائساً.

والثّالث: أنّ المعنى يشمل الفقير علميّاً والفقير ماديّاً، والأمر بتلبية احتياجات السائل في المجالين. وهذا المعنى يتناسب مع الهداية الإلهيّة لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، ومع إغنائه بعد عيلولته.

والحديث عن النعمة قد يكون باللسان، وبتعابير تنمّ عن غاية الشكر والامتنان، لا عن التفاخر والغرور. وقد تكون بالعمل عن طريق الإنفاق من هذه النعمة في سبيل الله، إنفاقاً يُبيّن مدى هذه النعمة. هذه هي خصلة الإنسان السخيّ الكريم… يشكر الله على النعمة، ويقرن الشكر بالعمل، خلافاً للسخفاء البخلاء الّذين لا يكفّون عن الشكوى والتأوّه، ولا يكشفون عن نعمة ولو حصلوا على الدنيا وما فيها، وجوههم يعلوها سيماء الفقر، وكلامهم مفعم بالتذمّر والحسرة، وعملهم يكشف عن فقر!

بينما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ الله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة يُحبّ أن يرى أثر النعمة عليه”[3].

من هنا يكون معنى الآية: بيّن ما أغدق الله عليك من نِعَم بالقول والعمل، شكراً على ما أغناك الله إذ كنت عائلاً.

بعض المفسّرين ذهب إلى أنّ النعمة في الآية هي النعمة المعنويّة ومنها النبوّة والقرآن، والأمر للنبيّ بالإبلاغ والتبيين، وهذا هوالمقصود من الحديث بالنعمة.

ويحتمل أيضاً أن يكون المعنى شاملاً للنعم الماديّة والمعنويّة، لذلك ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية قوله: “حدّث بما أعطاك الله، وفضّلك، ورزقك، وأحسن إليك وهداك”[4].

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من أُعطي خيراً فلم يُر عليه، سُمّي بغيض الله، معادياً لنعم الله”[5].

وعن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: “إنّ الله جميل يُحبّ الجمال، ويُحبّ أن يرى أثر النعمة على عبده”[6].

دروس قرآنية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

[1] سورة الضحى.
[2] فقه الرضا، ابن بابويه، ص172.
[3] كنز العمّال، ج6، ص641.
[4] مجمع البيان، ج 10، ص 507.
[5] تفسير القرطبي، ج 10، ص 7192، وقريب من هذا المعنى في الكافي، ج 6، كتاب الزي والتجميل، حديث 2.
[6] فروع الكافي، ج6، ص 438.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock