منوعات

لماذا خاض اليمنيّون معركة طوفان الأقصى؟

بقلم/ أحمد حاجي صادقيان

ينبغي أن نرى عمليّة «طوفان الأقصى» وحرب غزّة نقطة انعطاف خلال الحقبة المعاصرة في غربي آسيا، إذ ستترك آثاراً عميقة في هندسة القوى داخل هذه المنطقة. وجّهت هذه الهزيمة إضافة إلى الأبعاد الأمنيّة والعسكريّة المُهلكة ضربات لا تُعوّض إلى وجود الكيان الصهيوني، كما فتحت جبهات جديدة ضدّ إسرائيل في المنطقة. خلال المواجهات الأخيرة بين تيارات المقاومة والكيان الصهيوني، كان يُكتفى بفتح جبهة فلسطين أو لبنان في ظروف معيّنة على إسرائيل، لكن خلال هذه العمليّة فُتحت جبهة أخرى إستراتيجيّة ومهمّة جدّاً هي اليمن، ما أدّى إلى توسّع الأبعاد الدوليّة لحرب غزّة وترك آثاراً مهمّة في معادلات القوّة داخل المنطقة.
أدّى إقدام «أنصار الله» على خوض معركة الدفاع عن فلسطين خلال «طوفان الأقصى» إلى أن يُطرح اسم هذه الحركة على المستوى العالمي أكثر من مرحلة اعتداء السعوديّة على اليمن. إنّ أبرز سؤال يراود أذهان الشعوب في العالم خلال هذه الأيام بشأن «أنصار الله»: كيف يمكن لشعب عاش خلال الأعوام السابقة أشدّ وأقسى مجاعة وجفاف في القرن الحادي والعشرين وتعرّض على مدى أعوام ثمانية لحرب شاملة شنّها التحالف الذي تقوده السعوديّة ولم تستتبّ فيه بعد الظروف السياسيّة والأمنيّة أيضاً أن يخوض معركة الدفاع عن فلسطين ويتحمّل أثمان ذلك إلى حدّ التعرّض لهجمات أمريكية وبريطانية مباشرة؟
تنطلق مشاركة «أنصار الله» دفاعاً عن أهالي غزّة من مبادئها وأسسها الفكريّة، فالزيديّة مذهب قام وتأسّس على مجاهدة الظالمين والقيام، والجهاد ضدّ الظلم أهمّ شرط لدى الإمام في هذا المذهب، ويشتمل على قدرة كبيرة للخوض في الصراع العسكري مع “إسرائيل”. إلى جانب هذه الأرضيّة المساعدة التي ترسّخت في أعماق معتقدات الشعب اليمني وسلوكاتهم السياسيّة والاجتماعيّة بسبب حضور الزيديّين على مدى أكثر من 12 قرناً في ذاك البلد، فإنّ القراءة الثوريّة لمؤسس «أنصار الله»، السيّد حسين الحوثي، ومواصلة هذا المسار المعرفي على يد السيّد عبد الملك بدر الدين، القائد الحالي للحركة، تعاظمت القوّة المعرفيّة وتضاعفت الأيديولوجيّة التي تخوّل اليمن خوض الصراع المباشر مع الكيان الصهيوني.
يُعد كتاب المُلازمات للشهيد السيّد حسين الحوثي أهمّ مصدر معرفيّ لـ«أنصار الله»، وهو حافلٌ بالدعوة للجهاد ضدّ أمريكا وإسرائيل بمختلف الطرق، ويبدأ من إطلاق الشعارات المناهضة لأمريكا وإسرائيل ليصل إلى مقاطعة البضائع الأمريكيّة والإسرائيليّة والتصدّي الثقافي لمظاهر الثقافة الغربيّة. كما يرى السيّد حسين الحوثي إسرائيل أكبر حكومة إرهابيّة في العالم وينتقد بشدّة مبادرة الحكومات الغربيّة وأمريكا على وجه الخصوص لإعلان الدعم الكامل لـ”إسرائيل” ووصفهم شعب فلسطين المظلوم بأنّه إرهابي.
في موضع آخر، يستفيد سماحته في كلّ موضع من خطاباته وفي مختلف المناسبات من آيات من القرآن الكريم وأحاديث لأهل البيت (ع) ليشدّد على وجوب مقاومة الاستكبار العالمي، وهو يجعل الإمام الخميني أنموذجاً يُحتذى ويصفه بأقوى قائد في العالم الإسلاميّ في التصدّي لـ”إسرائيل”، والقائد الذي حمل منذ انطلاق النهضة الإسلاميّة في إيران راية التصدّي لـ”إسرائيل” والصهيونيّة ودعم الشعب الفلسطيني، ثمّ يدعو المسلمين في العالم وشعب اليمن خاصّة للجهاد والتصدّي للصهيونيّة.
لا يتجلّى هذا المنهج المناهض للكيان الصهيوني في كلمات مؤسس «أنصار الله» وخطاباته فحسب، بل إنّ القائد الحالي للحركة، السيّد عبد الملك، يشدّد خاصّة على مكافحة “إسرائيل” في مختلف المناسبات والمجالات. ويرى سماحته أنّ من أهمّ الساحات لتآمر الغرب و”إسرائيل” ضدّ الشعب الفلسطيني منعه من الحصول على السلاح الذي يخوّله الدفاع عن نفسه مقابل الصهاينة، ويرى أنّ هذا المجال يشكّل واحداً من مجالات العداء والتآمر ضدّ العالم الإسلاميّ.
وأشار سماحته خلال كلمته في يوم الشهيد في اليمن، التي ألقاها وسط الحرب الدائرة على غزّة، إلى الأسس القرآنيّة والدينيّة للجهاد في سبيل الله، ووجّه انتقاده إلى الحكومات العربيّة والإسلامية، ثمّ أعلن أن «أنصار الله» والحكومة في اليمن سيكونون إلى جانب الشعب والمجاهدين الفلسطينيّين بكلّ قدراتهم العسكريّة وغير العسكريّة. ومن الجدير الذكر أنّ قرابة ربع مضمون كلمة سماحته حول إعلان دخول اليمنيّين الحرب ضدّ إسرائيل خُصّص لشرح الأسس الدينيّة للجهاد في الإسلام، وهذا إنّما يُثبت أهميّة الأسس الأيديولوجيّة في اتخاذ هذا القرار من قبل حركة «أنصار الله».
الدّعم الشّعبي
من الأركان الأساسيّة التي ساعدت «أنصار الله» وحكومة «الإنقاذ الوطني» في اليمن على خوض الصراع مع الكيان الصهيوني دفاعاً عن المقاومة في فلسطين وأهالي غزّة الدّعم غير المحدود الذي قدّمه ويقدّمه الشعب اليمني إلى قرارات الحركة في معرض الدفاع عن شعب فلسطين.
إنّ الشعب اليمني احتشد منذ السابع من أكتوبر وبدء «طوفان الأقصى» في الشوارع وعبّر عن فرحته بانتصارات المقاومة معلناً دعمه الشامل لشعب فلسطين ومقاومته. ثم مع استمرار التحوّلات وبدء جرائم الكيان الصهيوني في غزّة، شهدت شوارع اليمن مسيرات متواصلة تقريباً أعلن فيها الشعب اليمني تضامنه التامّ والكامل مع المقاومة الفلسطينيّة.
من أبرز المواضع التي تجلّى فيها دعم الشعب اليمني لمقاومة فلسطين ترحيبه بإعلان تأسيس التعبئة الشعبيّة العامّة لإرسال المجاهدين إلى الحرب ضدّ الكيان الصهيوني، فقد أعلن السيّد عبد الملك في كلمته بمناسبة يوم الشهيد أنه لو كان المسار البرّي مشرّعاً، لانطلق مئات الآلاف من الشعب اليمني نحو الأراضي المحتلّة ليقاتلوا الصهاينة، فأيّد الشعب اليمني بترحيبهم بتأسيس التعبئة الشعبيّة لإرسال المجاهدين إلى فلسطين كلام قائد الثورة في اليمن.
لم يطُل الأمر أكثر من يومين بعد كلمة السيد عبد الملك حتى جرى تأسيس أولى وحدات التعبئة الشعبيّة اليمنيّة المستعدّة للانطلاق نحو فلسطين، وأجرت هذه الوحدة ضمن إطار كتائب متعدّدة عرضاً عسكريّاً في محافظة ذمار لیبلغ عدد القوّات المنظّمة ضمنها أكثر من عشرين ألفاً في غضون أقلّ من شهر واحد.

إلى جانب هذا الإعلان للجهوزيّة لتقديم الدعم العسكري إلى شعب فلسطين، استمرّ الحضور الشعبي في المظاهرات شبه اليومية دعماً لـ«أنصار الله» بعد خوض هذه الحركة الدعم العسكري لمقاومة فلسطين، بل شهد منحى تصاعديّاً، كما كانت المسيرات التي انطلقت لإدانة الهجمات الجويّة التي شنتها أمريكا وبريطانيا على اليمن من أكثر المسيرات احتشاداً وحماسة خلال الأعوام الأخيرة في اليمن، وهذا يثبت وجود ركيزة شعبيّة حقيقيّة لدى «أنصار الله».
إنّ هذه الركيزة الشعبيّة التي تكوّنت بسبب صدق قادة الحركة في دعمهم الشعب اليمني ومستضعفي العالم أكثر من أيّ شيء آخر شكّلت أهمّ عامل لاستمرار حياة الحركة وتنمية قدراتها خلال العقدين الأخيرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock