مجتمع

حقوق المرأة في الغرب والانزلاق الحضاري

وقع الغربيّون في مسألة معرفة طبيعة المرأة وكيفية التعامل معها بين موقفين متضادّين من الإفراط والتفريط، والنظرة الغربية للمرأة قائمة أساساً على عدم المساواة. لا تنظروا إلى ظاهر المبادئ التي ينادي بها الغرب فهي مجرّد شعارات جوفاء ليس فيها أيّ نصيب من الحقيقة.

مثل هذا الافراط يُقابل من جهة أُخرى بالتفريط، فحيثما تنبثق نهضة في مثل تلك الأجواء للدفاع عن حقّ النساء فمن الطبيعيّ أن يعتريها مثل هذا التفريط، ولهذا يلاحظ هذا الفساد والتحلّل الذي تفشّي في الغرب بسبب الحريّة المفرطة للمرأة على مدى عقود عديدة، بحيث أثار الهلع حتّى لدى المفكّرين الغربيّين، وأوجد الرعب والاستياء لدى الحريصين والمُصلحين والعقلاء والخيّرين في البلدان الغربية. إلاّ أنّهم باتوا عاجزين عن الوقوف بوجهه.

لقد كانت نسخة الدواء الغربية نسخة مغلوطة، ولو لم تكن كذلك لما اضطروا هم بعد سبعين أو ثمانين أو مائة سنة إلى القيام بنهضة جديدة تطالب بحقوق المرأة، وهو ما حصل في السنوات الأخيرة.

ما هو السبب الذي دعاهم إلى إيجاد حركات وتجمّعات منذ عشر سنوات أو عشرين سنة للدفاع عن حقوق المرأة؟ لو كانت الحرية الغربية علاجاً شافياً، وكان الدفاع عن حقوق المرأة إجراءً حقيقياً لما كانت هناك أيّة ضرورة تدعو إلى أن تهبّ جماعة منهم بعد مائة سنة لإنشاء الحركات وإثارة الضجيج حول هذا الموضوع. نستنتج من هذا أنّ علاجهم ذاك كان مغلوطاً وكذا علاجهم الحاليّ، ولا ينطوي إلاّ على التعاسة والشقاء لكلا الجنسين، وللمرأة على وجه الخصوص[1].

(ويمكن القول بأنّ) حركة الدفاع عن المرأة في الغرب كانت حركة مضطربة وبعيدة عن المنطق وقائمة على الجهل، ومجرّدة من القيم الإلهية والاستناد إلى الفطرة الطبيعية لكلّ من الجنسين. فلحقت أضرارها، في نهاية الأمر، بالجميع، رجالاً ونساءً، وأكثر ما لحق ضررها بالنساء[2].

من مشاكل الغرب اليوم، في هذا العصر، تلك القوانين البلهاء والخبيثة التي يُقرّونها في الأمور الجنسيّة. فهي تَسيرُ بهم نحو الهاوية، ولا يمكن وقف هذا الانحطاط. إنّهم في معرض السقوط، وسواء شاءت المدنيّة الغربيّة أم لم تشأ، لم تعد قادرة على منع هذا السقوط، فقد تعطّلت المكابح، والطريق زلق ومنحدر بشدّة. لقد ارتكبوا معصية بتعطيلهم المكابح، ووضعوا أنفسهم على حافّة الهاوية، لذا فقد حُكم عليهم بالهزيمة.

إنَّ زوال الحضارات كظهورها أمر تدريجيّ، وليس بالأمر الدفعيّ والفوريّ. وهذا الزوال التدريجيّ آخذ بالحدوث. ولا أخال أنّ هذا الحدث سيكون بعيداً عن أنظار هذا الجيل أو الجيل الذي سيليه، بل سيرون ما يحصل[3].

أنا لستُ من هواة اقتطاع المطالب من الصحف، ولكن أمس الأوّل، رأيتُ مطلبًا في صحيفة، وكان بالغ الأهميّة، فأحضرته كي أقرأه هنا. فقد صدر كتاب للرئيس الأميركي السابق “جيمي كارتر” بعنوان: “طلبٌ بالتحرّك”، تعرّض فيه لموضوع انتهاك حقوق البشر والاعتداءات الوحشيّة ضدّ النساء. يقول جيمي كارتر في هذا الكتاب: “في كلّ عامّ، يتمّ شراء مئة ألف فتاة تمامًا كالإماء والرقيق! في أميركا يستطيع صاحب “بيتٍ للدعارة” أن يشتري فتاة – تكون عادة من أميركا اللّاتينيّة وإفريقيا – بمبلغ ألف دولار”!، كذلك يشير الكاتب إلى الاعتداءات الجنسيّة التي تحصل في أجواء الجامعات والكليّات، حيث يتمّ إثبات حالة واحدة فقط من كلّ خمس وعشرين حالة اعتداء. كذلك يذكر “كارتر” أنّه: “في الجيش الأميركيّ تتمّ محاكمة واحد في المئة فقط من المعتدين جنسيًّا.

تدمع عين الإنسان عند قراءة هذه الوقائع، أنتنّ تشاهدن في الصحف الكثير من هذه المعلومات، وأنا كذلك، ولكنّي لا أستند إليها، ولكن حسنٌ، إنّها وقائع وحقائق و”جيمي كارتر” بالنهاية هو شخصيّة معروفة وهذا كتابه. ما هذا الوضع الرائج في العالم؟ ما هذا التكريم للمرأة؟ يَكتبُ روائيّ غربيّ مشهور رواية كي يدلّ على أنّ الدعارة هي عملٌ شريف! وقد تمّ ترجمة روايته هذه إلى اللّغة الفارسيّة. ويشير فيها، بالطبع، كيف أنّ سماسرة الجنس يأتون من أميركا اللّاتينيّة، ويغرون الفتيات بالوعد والوعيد، ويأخذونهنّ ويبيعوهنّ إلى هذه النوادي، هذه الرواية عن أوروبا وليست عن أميركا. ويتمّ في هذا الكتاب إظهار الدعارة على أنّها مهنة شريفة. هذه هي ثقافة الغرب بالنسبة إلى المرأة. وهذا هو الاحترام الذي يكنّونه للمرأة هناك[4].

لقد قرأت كتابات وصحفاً ومؤلّفات لمفكّرين غربيّين، بدأوا يشعرون تدريجيّاً بالخوف والاندهاش من هذه الأوضاع، الحقّ معهم، لكنّهم تأخّروا في إدراك ذلك. لقد أثاروا مسألة الشهوة والتي ترتكز على موضوع المرأة، لكن نشاهد اليوم حدوث الأسوأ من ذلك، وهو موضوع “السُّحاق” و”المثليّة”، والزواج وتشكيل عائلة من زوجين مثليّين، وما شاكل. أمور يبدو التحدّث عنها سهلاً، لكنّها حُفَر عظيمة، سحيقة وخطرة، حُفرت في طريق الحضارة وفي طريق من يُدير تلك الحضارة ويُسيّرُها. منزلق عجيب، سوف يقضي عليهم. إنّهم في منتصف الطريق، منتصف المُنحدر، وبرأيي لم يعودوا قادرين على وقف الانزلاق، فقد تخطّت المشكلة مرحلة المعالجة.

لقد قرأت في صحف الدول الأجنبيّة منذ سنوات عدّة، قبل نحو سبع أو عشر سنوات، أنّ الأمريكيّين يبحثون عن كتب المؤلّف الفلانيّ مثلاً، أو ذلك الروائيّ أو القصصيّ الذي تتمحور كتاباته حول العائلة بغية تحويلها إلى فيلم سينمائيّ وما شابه. حسناً، لقد قاموا بشيء ما، وما زالوا يحاولون، بيد أنّ مساعيهم لا تساوي أكثر من جدولٍ مائيّ صغير، مقابل سيل عظيم صنعوه بأنفسهم، فابتلوا به، ولسوف يبلوهم أكثر فأكثر[5].

المرأة والأسرة في فكر الإمام الخامنئي (دام ظله)، دار المعارف الإسلامية الثقافية

[1] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران – ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
[2] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة عليها السلام ويوم المرأة، في طهران – ملعب الحرية الرياضي، بحضور جموع غفيرة من النساء المؤمنات، بتاريخ 19/06/1418ه.ق.
[3] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام، بمناسبـة ذكرى ولادة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من الشعراء والمدّاحين، بتاريخ 01/05/2013م.
[4] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء مجموعة من النساء النخبة، بمناسبة ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من النساء النخبة في المجتمع، بتاريخ 19/04/2014م.
[5] خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء جمع من السيّدات الحوزويّات والجامعيّات، بمناسبـة ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، في طهران، بحضور جمع من السيدات والحوزويات والجامعيات، بتاريخ 11/05/2013م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock