مقالات

قراءة في نصوص الوحدة الإسلامية بين المدرستين السنة والشيعة / بقلم سالم الصباغ

الاجتهاد: أربعون عاما مضت على قيام الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الامام الخميني رضوان الله عليه .. ولقد شقت الثورة طريقها الصعب في مواجهة طواغيت الارض من المستكبرين وانحازت لصف الشعوب المستضعفة وإعادة إلى الحياة القضية الفلسطينية ..واصبح شعار ( إسرائيل غدة سرطانية ) شعارا قابل للتحقيق على الارض ..ولذلك يجب أن تهتم الأمة بالمبادئ التي طرحتها هذه الثورة وخاصة بعد الانجازات التي حققتها في جميع المجالات الحياتية.

الدعوة للوحدة الإسلامية:

لقد كان من أهم مبادئ الثورة الإسلامية في إيران دعوتها المتكررة للوحدة الإسلامية ..بل هي تعتبر هذه الدعوة من مبادئ الإسلام المحمدي الأصيل ، ولقد قام الامام الخميني بتخصيص أسبوع للوحدة الاسلامية في ذكرى المولد النبوي الشريف ..

لقد أصبح من البديهيات لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أنه لا نجاة لهذه الأمة إلا بالتوحد على مستوى الوطن الواحد وعلى مستوى الأمة كلها، ولقد دعى القرأن الكريم إلى أن نكون أمة واحدة، وحذر من التنازع الذي نتيجته الحتمية الفشل والضعف والوهن،

والبعض يتصور أن هذه الدعوة والتي تتبناها الشيعة هي (دعوة سياسية) ، أو لدواعي التقية، أو (كوسيلة) وليست (غاية)، أو (دعوة تكتيكية) وليست (استراتيجية)، ولكن بقليل من التدبر نجد أنها دعوة قرأنية لها مايؤيدها من النصوص في المدرستين ( الشيعة والسنة ) :

ففي القرأن الكريم: قوله تعالى: ( إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) وقوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) وقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا )

تعريف المسلم في نصوص مدرسة أهل البيت عليهم السلام:

من البديهيات في مدرسة أهل البيت عليهم السلام أن المسلم هو من أقر بالشهادتين، وعلى أساسه يتم تحديد (الأمة الإسلامية) أو (جماعة المسلمين) وليس على أساس الإيمان الذى هو عمل القلب ولا يطلع عليه إلا الله ، والنصوص الروائية عند الشيعة كثيرة في هذا الشأن ، منها :

 قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام في خبر سفيان بن السمط :

( الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وحج البيت وصيام شهر رمضان )

وقال سلام الله عليه في خبر سماعة:

(الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، والتصديق برسول الله صلى الله عليه وآله، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المناكح والمواريث، وعلى ظاهره جماعة الناس .)

وقال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام في صحيح حمران بن أعين من جملة حديث :

(والإسلام ما ظهر من قول أو فعل، وهو الذي عليه جماعة من الناس من الفرق كلها، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث، وجاز النكاح، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج، فخرجوا بذلك عن الكفر وأضيفوا إلى الإيمان)

تعريف المسلم في نصوص أهل السنة :

وفي مرويات أهل السنة ما يكفي للحكم للشخص بالأسلام إقراره بالشهادتين، وتحريم قتله في الحرب حتى لو قطع إحدى يديك، وقالها خوفاَ من القتل،

ففى الحديث: وفي الصحيحين بالإسناد إلى المقداد بن عمرو أنه قال:

(يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله، أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال.)

فما بال هؤلاء القوم من التكفيريين والدواعش وأمثالهم يقتلون علماء من مذهبهم يفجرون بهم المساجد وهم يصلون لله كما حدث مع الشيخ البوطي عليه رحمة الله .

وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمنا هم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري عنه فطعنته برمحي حتى قتلته ، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وآله ذلك فقال:

يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قلت: كان متعوذا. قال: فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.

يقول العلامة عبد الحسين شرف الدين في كتابه القيم (الفصول المهمة في تأليف الأمة) تعليقاَ على هذا الحديث:

(ما تمنى ذلك حتى اعتقد أن جميع ما عمله قبل هذه الواقعة (من إيمان وصحبة وجهاد وصلاة وصوم وزكاة وحج وغيرها) لا يذهب عنه هذه السيئة، وأن أعماله الصالحة بأجمعها قد حبطت بها.

وأخرج البخاري في باب بعث علي عليه السلام وخالد إلى اليمن :

أن رجلا قام فقال: يا رسول الله اتق الله. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله. فقال: خالد يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال صلى الله عليه وآله: لا ، لعله أن يكون يصلي)

التعليق : فرغم أن الرجل أساء الأدب مع رسول الله صلوات الله عليه وأله ، ولكن مع وجود احتمال مجرد إحتمال أنه يصلى منعه من القتل .

فتاوي علماء أهل السنة في حرمة التكفير :

1 ـ ذكر العارف الشعراني في المبحث 58 من اليواقيت والجواهر، أنه رأى بخط الشيخ شهاب الدين الأذرعي صاحب القوت، سؤالا قدمه إلى شيخ الإسلام تقي الدين السبكي، وصورته :

ما يقول سيدنا ومولانا شيخ الإسلام في تكفير أهل الأهواء والبدع ؟

قال: فكتب إليه إعلم يا أخي أن الإقدام على تكفير المؤمنين عسر جدا، وكل من في قلبه إيمان يستعظم القول بتكفير أهل الأهواء والبدع، مع قولهم ” لا إله إلا الله محمد رسول الله ” فإن التكفير أمر هائل عظيم الخطر – إلى آخر كلامه وقد أطال في تعظيم التكفير وتفظيع خطره.

2 ـ وفي الصفحة العاشرة من طبقات الشعراني ما لفظه : وسئل سيدنا ومولانا شيخ الإسلام تقي الدين السبكي عن حكم تكفير غلاة المبتدعة ، وأهل الأهواء ، والمتفوهين بالكلام على الذات المقدسة ؟

فقال (رضي الله عنه) :اعلم أن كل من خاف الله عز وجل استعظم القول بالتكفير لمن يقول : ” لا إله إلا الله محمد رسول الله ” ثم أورد جواب السبكي وهو طويل ، جاء في آخره ما هذه ألفاظه :

فما بقي الحكم بالتكفير إلا لمن اختاره دينا وجحد الشهادتين وخرج عن دين الإسلام جملة

أقول : لاحظ العبارة الأخيرة اعتبار القول بالتكفير دينا خاصا لصاحبه يخرج به من دين الإسلام

أقوال العرفاء

قال الشيخ الأكبر ابن العربي في باب الوصايا من فتوحاته : إياكم ومعاداة أهل لا إله إلا الله ، فإن لهم الولاية العامة ، فهم أولياء الله ، ولو أخطأوا وجاءوا بقراب الأرض من الخطايا وهم لا يشركون بالله شيئا ، فإن الله يتلقى جميعهم بمثلها مغفرة ، ومن ثبتت ولايته حرمت محاربته . وأطال إلى أن قال : وإذا عمل أحدكم عملا توعد الله عليه بالنار ، فليمحه بالتوحيد ، فإن التوحيد يأخذ بناصية صاحبه ، لا بد من ذلك .

الخلاصة

المعروف ان الدعوة لتوحيد الأمة لا تعني تخلى فريق عن مذهبه وعقيدته للفريق الآخر ..بل تعني الوحدة السياسية والتعاون على البر والتقوى وتبادل المصالح الاقتصادية لصالح الشعوب الإسلامية والتعاون في مجالات التنمية المختلفة وخاصة التقدم في مجال التعليم والصناعة والصحة والصناعات الدفاعية .. وعدم التنازع وتحديد الوسائل التي يجب اعتمادها لإنهاء التنازعات الإسلامية الإسلامية دون تدخل من قوي الشر الأجنبية الذين لايرجون الخير لنا …

إني أعلم ان في قلوب كثير من أتباع الفريقين موروثاَ سلبياَ تجاه الأخر ، ولكن هذه هي أقوال القرأن الكريم ، وأحاديث أهل البيت عليهم السلام في كتب الشيعة ، وأحاديث أهل السنة ، وفتاوي علمائهم ، وأقوال العرفاء ..

فهل اَن الأوان قبل فواته بأن ترجع الأمة إلى وعيها ودينها ووحدتها قبل أن يحق عليها العذاب كما حق على الأمم السابقة العاصية فرعون وعاد وثمود ، وقد بدأت بوادره تلوح في الحروب الأهلية الدائرة في بلاد العربان ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock