دينية

الجهاد طريق العزّة

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمّد وآله الطاهرين.

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ثُمَّ إِنَّ الْجِهَادَ أَشْرَفُ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ قِوَامُ الدِّينِ، وَالْأَجْرُ فِيهِ عَظِيمٌ، مَعَ الْعِزَّةِ وَالْمَنَعَةِ»[1].

بذل الدماء طريق العزّة
منذ أن كان الإنسان على هذه الأرض، كان الصراع بين الحقّ والباطل، وبين العدل والظلم، وبين الإيمان والكفر، وكان بذل الدماء في عمليّة مواجهة الظلم والاضطهاد؛ إذ إنّ الجهاد والشهادة يورثان العزّة والكرامة للأمّة، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): اغزوا، تُورِثوا أبناءَكم مجداً»[2]، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا حضر الحربَ يوصي للمسلمين بكلمات، فيقول: «ثُمَّ إِنَّ الْجِهَادَ أَشْرَفُ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ قِوَامُ الدِّينِ، وَالْأَجْرُ فِيهِ عَظِيمٌ، مَعَ الْعِزَّةِ وَالْمَنَعَةِ»[3].

وقد أشارت الروايات إلى أنّ ترك الجهاد في سبيل الله تعالى سببٌ في مذلّة الأمّة، وانسلاخ العزّة والكرامة منها، وتخبّطها بالعار والفقر، وفي الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) تصريح واضح بذلك: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَتَحَه اللَّه لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِه، وهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى، ودِرْعُ اللَّه الْحَصِينَةُ، وجُنَّتُه الْوَثِيقَةُ، فَمَنْ تَرَكَه رَغْبَةً عَنْه، أَلْبَسَه اللَّه ثَوْبَ الذُّلِّ، وشَمِلَه الْبَلَاءُ، ودُيِّثَ بِالصَّغَارِ والْقَمَاءَةِ، وضُرِبَ عَلَى قَلْبِه بِالإِسْهَابِ، وأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْه بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ، وسِيمَ الْخَسْفَ، ومُنِعَ النَّصَفَ»[4].

لا قيمة ذاتيّة للقتال
والقتال في الإسلام لا يُعَدّ بذاته قيمةً من القيم، بل هو ضدّ القيم؛ لجهة كونه باعثاً على الخراب والتدمير، وإزهاق الأنفس، وإهدار القوى والإمكانات التي يمكن أن تُسخَّر لخدمة الإنسان وسعادته، بل دلّت بعض الآيات القرآنيّة على كونه في مصافّ العقوبات الإلهيّة، قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾[5].

أمّا إذا تعرّضت الأمّة للخطر والتهديد، أو أنّ الأهداف الإلهيّة المقدّسة أصبحت مهدّدة بالسقوط، فإنّ القتال هنا يصبح ذا قيمة سامية، ويكتسب عنوان الجهاد في سبيل الله تعالى.

الإنسان وكره القتال
وعلى الرغم من أنّ الغريزة الإنسانيّة تميل بطبيعتها نحو الراحة والدعة، وتكره كلّ ما يسلب منها ذلك ويورث المشقّة والعناء، وتبتعد تلقائيّاً عن الأمور الممزوجة بالمخاطر، قامت الشريعة الإسلاميّة بضبط هذه الغريزة بما يتلاءم مع مصلحة الفرد والمجتمع على حدٍّ سواء. ومن هنا كان تشريع الجهاد، لما فيه من الخير والآثار المهمّة، يقول تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[6].

ويذكر القرآن الكريم أمثلة عديدة لتخلّف الناس عن الدعوة إلى جهاد العدوّ والدفاع عن الأرض والعرض والكرامة، ففي سيرة بني إسرائيل أنّهم وبعد النبيّ موسى (عليه السلام)، تخلّفوا عن الالتزام بهذا الواجب المقدَّس، إلّا القليل منهم، يقول تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾[7].

فضل الجهاد
بينما أشارت الكثير من الآيات القرآنيّة والروايات الشريفة إلى فضل الجهاد في سبيل الله تعالى وشرفه، وتفضيل الإنسان المجاهد على القاعد، يقول تعالى: ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاَّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾[8]. وتذكر بعض الروايات المكانة المرموقة التي يحتلّها الجهاد في سبيل الله بين العبادات الشريفة، فعن سليمان بن خالد، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «ألا أخبرك بالإسلام؛ أصله وفرعه وذروة سنامه؟» قلت: بلى، جُعلتُ فداك! قال: «أمّا أصله فالصلاة، وفرعه الزكاة، وذروة سنامه الجهاد»[9]، والسنام هو المكان المرتفع في ظهر الجمل، وهي أعلى نقطة في الظهر، والتشبيه بالسنام في الرواية، بل وذروة السنام، واضح في تبيان مكانة الجهاد في رأس هرم الشريعة.

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أتى رجلٌ رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله، إنّي راغب في الجهاد نشيط»، قال: «فقال له النبيّ (صلّى الله عليه وآله): فجاهد في سبيل الله؛ فإنّك إن تُقتَل تكن حيّاً عند الله تُرزَق، وإن تمت فقد وقع أجرك على الله، وإن رجعت رجعت من الذنوب كما وُلِدت»[10].

وللمجاهدين في سبيل الله تعالى مراتب عالية من الكرامة في الآخرة، منها ما عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّ جبرائيل أخبرني بأمرٍ قرَّت به عيني، وفرِح به قلبي، قال: يا محمّد، مَن غزا من أمّتك في سبيل الله، فأصابه قطرة من السماء أو صداع، كتب الله عزّ وجلّ له شهادة»[11].

الشهادة ثقافة الحياة
لو دقّقنا قليلاً في فلسفة الشهادة، ومعناها الحقيقيّ، وآثارها في الأمّة، لعرفنا أنّ الشهادة في سبيل الله تعالى هي ثقافة الحياة السعيدة العزيزة الكريمة المحترمة؛ فالشهادة لا تعني الموت كيفما اتّفق، وليست هي موتاً من أجل الموت، وإلّا لكان انتحاراً لا ثمرة له ولا فائدة، بل هي موت واعٍ هادف لإحياء الحياة الحقيقيّة، حياة الكرامة والعزة.

إنّ الشهيد كالشمعة التي تحترق وتفنى، لتضيء السبيل للآخرين، ولولا الشهداء والشهادة لما استطاعت الأمّة أن تواصل طريقها بحرّيّة وعزّة وكرامة.

فعطاءات الشهيد وخدماته هي التي أنبتت وأثمرت عطاءات الآخرين، فبدون حرّيّة كيف يعطي الآخرون؟ والحرّيّة من عطاءات الشهيد. وبدون عزّة كيف ينتج ويتقدّم الآخرون؟ والعزّة من عطاءات الشهيد. وبدون أمن وطمأنينة كيف يبدع الآخرون؟ والأمن والطمأنينة من عطاءات الشهيد.

[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص37.
[2] المصدر نفسه، ج5، ص8.
[3] المصدر نفسه، ج5، ص37.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص69، الخطبة 27.
[5] سورة الأنعام، الآية 65.
[6] سورة البقرة، الآية 216.
[7] سورة البقرة، الآية 246.
[8] سورة النساء، الآية 95.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص23.
[10] المصدر نفسه، ج2، ص160.
[11] المصدر نفسه، ج5، ص8.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock