مقالات

سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ ودّاً

الشيخ بلال حسين ناصر الدين

 

هل تعتقد أيّها القارئ العزيز أنّ لهفة قلوب الناس إلى رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل بيته الأطهار عليهم السلام وتأثّرهم بهم، كانت لمجرّد كونهم أصحاب حقّ وعلم وبرهان؟ أم أنّ ثمّة شيئاً آخر علاوةً على ذلك، كان محوراً في استقطاب الناس وانشدادهم إليهم حتّى أصبحوا لديهم أغلى من أنفسهم وأرواحهم؟

ممّا لا شكّ فيه أنّ ما كانوا عليه من علم وفكر كان له دور بارز في ذلك، إلّا أنّ شيئاً آخر قد يكون الأهمّ والأبرز في ما يخصّ عالم القلوب، ألا وهو أخلاقهم الطيّبة وسرائرهم الطاهرة، التي جعلت منهم أقطاباً تدور في فلكها القلوب وتتفاعل معها المشاعر والأحاسيس، وهذا ما نستشرفه من مفهوم الآية الكريمة التي نزلت بحقّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: 159).

وفي القرآن ما يدلّ على أنّ مؤثّريّة القلوب الطاهرة والسرائر الخالصة من شوائب السوء، إنّما هي سنّة إلهيّة جارية في هذه الحياة الدنيا، بل يمتدّ أثرها إلى عالم الآخرة، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ (مريم: 96).

فعلى هذا النحو نقرأ سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الأطهار عليهم السلام، وندرك جيّداً سرّ محبّة الناس إيّاهم، فهم لم يستخدموا ما يعمد إليه أهل الدنيا في استقطاب الناس، من وسائل دنيويّة مختلفة، من ترغيب بالمال والجاه والمنصب، إنّما ما كان لديهم هما شيئان كانا رصيدهم الفاعل، وهما الحجّة البالغة والقلب الطاهر.

وإنّ لنا في الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام شاهداً ما زال حيّاً في القلوب، وهو الذي خرج إلى بقعة لا أهل له فيها ولا صاحب، ولم يلبث إلّا قليلاً حتى التفّ حوله الناس، واستطاع تغيير واقع تلك البلاد في وقت وجيز، وأصبح في نظر مدّعي خلافة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مصدر خطر فعليّ، ألجأه لأن يُحيك له المكائد بغية التخلّص منه أو إسقاط هيبته. ومع ذلك، امتدّت جذوة حبّ الإمام عليه السلام في قلوب الناس أكثر فأكثر في المكان والزمان على حدّ سواء، وخرج منتصراً.

لقد عُرف الإمام الرضا عليه السلام ببيانه وحجّة كلامه الدامغة، وكذلك بحسن أخلاقه وطُهر سريرته، ما جعله بحقّ أنيس نفوس المتعبين والمرهقين من ضجيج هذه الدنيا وبؤسها، ومن جميل ما روي في توصيف أدبه الرفيع وأخلاقه الحسنة عليه السلام، ما ورد على لسان إبراهيم بن العبّاس حيث قال: “ما جفا أحداً، ولا قطعَ على أحدٍ كلامه، ولا ردّ أحداً عن حاجة، وما مدّ رجليه بين يدي جليس، ولا اتّكى قِبَلَه، ولا شتَمَ مواليه ومماليكه، ولا قهقه في ضَحِكِه، وكان يجلس على مائدة مماليكه ومواليه، قليل النوم بالليل، يحيي أكثر لياليه من أوّلها إلى آخرها، كثير الصوم، كثير المعروف والصدقة في السرّ، وأكثر ذلك في الليالي المظلمة”(1).

فإذا كان الإمام عليه السلام على هذا الوصف وهو يحمل كلمة الحقّ والحجّة البالغة، فكيف لا تهواه القلوب وتنجذب إليه؟! وهو ما زال حتّى الآن موئل الراجين رحمة ربّهم، والتضرّع بين يديه سبحانه في حضرته المقدّسة عليه السلام.
هي القلوب، إذا ما طهُرت وصَفَت، كان لها وقعٌ في النفوس عظيم، وما أحوجنا إلى ذلك.

1.ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 470.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock