مقالات

وصية الله الواجبة والعظيمة

إذا نظرنا إلى هذه الفريضة العظيمة وجدنا أنّها تحتلّ مكاناً عظيماً في الإسلام بل في كلّ الرسالات، فإنّه ما من نبيٍّ بُعث ولا رسالة نزلت إلا وفيها الأمر بإقامة الصلاة كما فيها الأمر بتوحيد الله عزّ وجلّ، فهي عبادة مشتركة لجميع أمم الأرض لأنّها وصيّة الله وأمره للنبيّين والمرسلين وأتباعهم إلى يوم الدين، وقد قال ربّنا سبحانه حاكياً قول المسيح بن مريم عليه السلام : ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾[1]، وأمر الله حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم  بقوله: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾[2]، وقال له: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾[3]. إلى غير ذلك من الآيات التي تُبيّن أهمّية الصلاة ومكانتها.

ومن وجوه أهمّيتها العظمى أنّ النبيّ الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم  قد اقتصر واختصر في رمقه الأخير ساعة وداعه للدنيا على الوصاية بها، وهي كذلك آخر وصايا أنبياء الله تعالى ورسله  عليهم السلام  إلى أوصيائهم، وأهليهم وأممهم، وقد كتب سيّد الوصيّين أمير المؤمنين علي عليه السلام في وصيّته: “.. إنّي أُوصيك يا حسن، وجميع أهل بيتي وولدي، ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربّكم، ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون،..، الله الله في الصلاة، فإنّها خير العمل، إنّها عمود دينكم،… إلى أن قال: فإنّ آخر ما تكلّم به نبيّكم عليه السلام أن قال: أوصيكم بالضعيفين: النساء، وما ملكت أيمانكم. الصلاة الصلاة الصلاة…… إلى أخر ما أوصى به صلوات الله وسلامه عليه”[4].

عمود الدين
احتلّت الصلاة المكانة العالية والرفيعة في دين الله حتى جعلها مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمود الإسلام، ومن المعلوم أنّ العمود إذا سَقط سقط ما بُني عليه، وهذا يدلّ دلالة عظيمة على فضل هذا الركن العظيم وعظم شأنه، وفي ذلك روى إمامنا الصادق عليه السلام عن آبائه الكرام عن جدّه رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  قال: “مثل الصلاة مثل عمود الفسطاط، إذا ثبت العمود نفعت الأطناب[5] والأوتاد والغشاء، وإذا انكسر العمود لم ينفع طنب ولا وتد ولا غشاء”[6].

واستعار مولانا الإمام الباقر عليه السلام من مشكاة جدّه سيد المرسلين قبساً من نور، فقال: “الصلاة عمود الدين، مثلها كمثل عمود الفسطاط، إذا ثبت العمود ثبت الأوتاد والأطناب، وإذا مال العمود وانكسر لم يثبت وتد ولا طنب”[7]. وحمل العود على الصلاة من باب التشبيه البليغ دليل واضح على أنّ الصلاة أفضل ما سواها بفسادها يفسد الدين بالكلّية ولا ينتفع به كما أنّ الفسطاط لا ينتفع به مع وجود الطنب والأوتاد بانتفاء العمود[8]. “ومن هنا، تكتسب العبادات، وعلى رأسها الصلاة، هذا القدر من الأهمّية، وتُسمّى (الصلاة) عمود الدين. فالصلاة حينما تؤدّى بانتباهٍ وبحضورِ قلبٍ لا يقتصر تأثيرها على ما تغرسه في قلب المصلّي وروحه، وإنّما يتّسع مداها ليملأ الأجواء المحيطة به نوراً وشذًى يسري أريجه إلى رحاب البيت والأسرة، وإلى محلّ العمل ومجلس الأصدقاء، وإلى كلّ ربوع مدينته، بل، وكلّ آفاق الحياة”[9].

أفضل الوسائل لذكر الله تعالى
جوهر الصلاة وحقيقتها أنّها ذكر الله وحده، فهي رمز العبودية لله، ودليل التسليم وعلامة الإيمان، وآية الإخلاص لذا قال الله سبحانه مخاطباً نبيّه الكليم موسى عليه السلام: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾،[10] وهذه آية من المحكمات التي تُبيّن مصداقاً من أبرز مصاديق وجوه أهمّية الصلاة، وذلك أنّ الإنسان يحتاج في حياته التي يعيشها في هذا العالم، إلى عمل يُذكّره بالله تعالى، والقيامة ودعوة الأنبياء، وهدف الخلق في فترات زمنية مختلفة، كي يحفظه من الغرق في دوّامة الغفلة والجهل، وتقوم الصلاة بهذه الوظيفة المهمّة. إنَّ هذا الأمر يدلّ على عناية الله سبحانه بهذه الصلاة، وعظم قدرها عنده جلّ وعلا، وأنّ المسلم لا يُطالب بفعل هذه الصلاة كيفما اتفق، وإنّما المطلوب من المسلم أن يُقيمها حقّ القيام، فيُصلّي الصلاة الشرعية بشروطها، وأركانها، وواجباتها، وخشوعها، ومستحبّاتها، وبروحها، حتى يكون لها الأثر في حياته وسلوكه واستقامته على أمر الله عزّ وجلّ. لذلك قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾[11]، قال المفسّرون المراد (بذكر الله) في هذه الآية الصلوات الخمس.

قربان الأتقياء، دار المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة مريم، الآية 31.
[2] سورة الإسراء، الآيتان 78، 79.
[3] سورة هود، الآية 114.
[4] ثقة الإسلام الشيخ الكليني، الكافي، ج 7، ص 47، باب صدقات النبي صلى الله عليه وآله وسلم  و فاطمة و الأئمة  عليهم السلام  و وصاياهم.
[5] الأطناب جمع الطنب، وهو حبل الخباء والخيمة، لسان العرب ج 1، ص 560.
[6] ثقة الإسلام الشيخ الكليني، الكافي، ج 3، ص 264، باب فضل الصلاة.
[7] الحُر العاملي، وسائل الشيعة، ج‏4، ص 23، 6 – باب تحريم الاستخفاف بالصلاة و التهاون بها.
[8] المولى محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي، ج 12، ص 63.
[9] الإمام السيد علي الحُسيني الخامنئي دام ظله، من أعماق الصلاة، ص 71، طبعة جمعية المعارف الإسلامية.
[10] سورة طه، الآية 14.
[11] سورة المنافقون، الآية 9.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock